تعوّذوا بالله من الفتن ما ظهر منها و ما بطن
الحمد لله رب العالمين و لا عدوان إلا على الظالمين و العاقبة للمتقين، و صلى الله و سلم و بارك على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين، أما بعد:
فإن الفتن خطيرة جداً على دين المسلمين و دنياهم لذا أمرنا النبي صلى الله عليه و سلم أن نتعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن كما روى مسلم في صحيحه (باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه - حديث:5221) عن أبي سعيد الخدري، عن زيد بن ثابت، قال أبو سعيد: ولم أشهده من النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن حدثنيه زيد بن ثابت، قال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم في حائط لبني النجار، على بغلة له ونحن معه، إذ حادت به فكادت تلقيه، وإذا أقبر ستة أو خمسة أو أربعة - قال: كذا كان يقول الجريري - فقال: «من يعرف أصحاب هذه الأقبر؟ «فقال رجل: أنا، قال: فمتى مات هؤلاء؟» قال: ماتوا في الاشراك، فقال: «ان هذه الأمة تبتلى في قبورها، فلولا ألا تدافنوا، لدعوت الله ان يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه» ثم أقبل علينا بوجهه، فقال: «تعوذوا بالله من عذاب النار» قالوا: نعوذ بالله من عذاب النار، فقال: «تعوذوا بالله من عذاب القبر» قالوا: نعوذ بالله من عذاب القبر، قال: «تعوذوا بالله من الفتن، ما ظهر منها وما بطن» قالوا: نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن، قال: «تعوذوا بالله من فتنة الدجال» قالوا: نعوذ بالله من فتنة الدجال.
والنبي صلى الله عليه وسلم أمرنا بالتعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن لأنها اذا وقعت فانها تأتي على الأخضر واليابس ولن يكون فيها فائز ولا سالم والواقع أكبر شاهد على هذه الحقيقة فليس بخافٍ على أحد ما يعانيه أهل البلاد التي نزلت فيها الفتن من قتل وتشريد وسفك للدماء وهتك للأعراض وخوف ورعب ونقص في الأنفس والأموال والثمرات، فالفتن بحق ضياع للدين والدنيا ﴿فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ﴾. والسعيد من اتعظ بغيره والشقي من اتعظ به غيره.
أسباب الفتن
لا شك ان للفتن أسباباً ينبغي للمسلم ان يعرفها ليتجنبها حتى لا تدركه كما قال الصحابي حذيفة بن اليمان: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر، مخافة ان يدركني، فقلت: يا رسول الله، إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: «نعم» قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: «نعم، وفيه دخن»، قلت: وما دخنه؟ قال: «قوم يهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر»، قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: «نعم، دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم اليها قذفوه فيها»، قلت: يا رسول الله صفهم لنا، قال: «هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا» قلت: فما تأمرني ان أدركني ذلك؟ قال: «تلزم جماعة المسلمين وامامهم» قلت: فان لم يكن لهم جماعة ولا امام؟ قال: «فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو ان تعض بأصل شجرة، حتى يدركك الموت وأنت على ذلك» ، [صحيح البخاري - كتاب الفتن، حديث:6691].
و من هذا المبدأ سأذكر لك أخي القارئ الكريم أهم أسباب الفتن مع ذكر المخرج منها:
أولاً: البعد عن دين الله تعالى الذي شرعه لعباده فأكمله وأتم به النعمة ورضيه لهم ديناً ألا وهو الاسلام كما قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْاسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3]، فمتى ما تركنا دين الله تعالى وقعت فينا وبيننا الفتن وتسلط علينا أعداء الله تعالى من كل حدب و صوب.
وفي الحديث عن ابن عمر - رضي الله عنهما -، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «اذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا الى دينكم»، [سنن أبي داود- كتاب البيوع- حديث:3020]. ففي هذا الحديث ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الداء والدواء فمتى ما تركنا ديننا حلت علينا الفتن، ومتى ما رجعنا لديننا رفع الله عنا البلاء، إذن المخرج هو الرجوع التام الى ديننا ما استطعنا الى ذلك سبيلاً.
ثانياً: التنافس على الدنيا، وهذا من أكبر أسباب الفتن والهلاك والعياذ بالله، وفي الحديث ان عمرو بن عوف، وهو حليف لبني عامر بن لؤي، وكان شهد بدرا مع النبي صلى الله عليه وسلم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا عبيدة بن الجراح الى البحرين يأتي بجزيتها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو صالح أهل البحرين و أمر عليهم العلاء بن الحضرمي، فقدم أبو عبيدة بمال من البحرين، فسمعت الأنصار بقدوم أبي عبيدة، فوافوا صلاة الفجر مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلما انصرف تعرضوا له، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآهم، ثم قال: «أظنكم سمعتم ان أبا عبيدة قدم بشيء» قالوا: أجل يا رسول الله، قال: «فأبشروا وأملوا ما يسركم، فوالله ما الفقر أخشى عليكم، ولكني أخشى ان تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتهلككم كما أهلكتهم» [صحيح البخاري- كتاب المغازي، حديث:3810]. إذن المخرج من هذا هو ترك التنافس على الدنيا ولنجعل تنافسنا على أمر الآخرة.
ثالثاً: الاستشراف للفتن والمتابعة لها، والمشاركة فيها، ففي الحديث عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ستكون فتن كرياح الصيف، القاعد فيها خير من القائم، والقائم خير من الماشي، من استشرف لها استشرفته» [صحيح ابن حبان- كتاب الحظر-حديث:6044].
رابعاً: السعي وراء الديموقراطية، ذلك السراب الذي فُتن به المسلمون فلبسوا ثوباً غير ثوبهم، واستطاع الغرب - وللأسف - اقناع المسلمين بالديموقراطية تارة، وباجبارهم عليها تارة أخرى، وفي الحقيقة ان الديموقراطية هي رأس الفتن وأساسها لأنها جمعت أسباب الفتن كلها، فحلت مكان الشريعة الاسلامية وبها ترك المسلمون شطراً كبيراً من دينهم، وحملت المسلمين على التنافس اللامشروع بينهم فتنازعوا وفشلوا وذهبت ريحهم، قال تعالى { وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا ان اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46)} [الأنفال]، فالديموقراطية لا تصلح لنا ولو صلحت لغيرنا فكيف وهي فاشلة عند أهلها؟! لكن بزخرفتها انخدع بها المسلمون ولا يخفى على من له أدنى بصيرة ان كثيراً من الناس مع ادراكه لزيف الديموقراطية الا أنه ارتضاها لأنه وجدها سبيلاً للوصول الى مبتغاه ومُناه ولو على حساب دينه ودنياه، حتى من كان يرى ان الديموقراطية كفر أصبح من أكثر الناس وراءها جرياً!! فما أحوجنا الى الاستعاذة بالله جل وعلا من الفتن ما ظهر منها وما بطن لاسيما اذا تذكرنا قول النبي صلى الله عليه وسلم فعن أبي هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنا و يُمسي كافراً، أو يُمسي مؤمنا و يصبح كافراً، يبيع دينه بعرض من الدنيا» [صحيح مسلم- كتاب الايمان- حديث:194].
أسأل الله أن يحفظ بلادنا و بلاد المسلمين من الفتن ما ظهر منها و ما بطن، و الحمد لله أولاً و آخراً و ظاهرا و باطناً و صلى الله و سلم و بارك على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين.