التعقيب الجميل على مقابلة الدكتور نبيل (٨)
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
فهذا المقال الثامن في التعقيب على مقابلة أجريت مع الدكتور نبيل العوضي غفر الله له ولوالديه وقد أخطأ في مسائل كثيرة فتعقبته في هذه المقالات فأقول وبالله أستعين وعليه أتوكل وإليه أنيب:
التعقيب التاسع عشر
تهجم الدكتور نبيل هجوماً شرساً سافراً على السلفيين ولقبهم بـ ”مرجئة العصر“ وادعى دعاوى باطلة مجردة عن الدليل والبرهان ومثل هذا مرفوض عند جميع العقلاء لأن الأصل إقامة البينة على أي دعوة يدعيها الإنسان لحديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «البينة على من ادعى, واليمين على من أنكر إلا في القسامة» [سنن الدارقطني- كتاب الحدود والديات وغيره- حديث:2793]. وعن ابن أبي مليكة ، أن امرأتين كانتا تخرزان في بيت أو في الحجرة ، فخرجت إحداهما وقد أنفذ بإشفى في كفها ، فادعت على الأخرى ، فرفع إلى ابن عباس ، فقال ابن عباس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لو يعطى الناس بدعواهم لذهب دماء قوم وأموالهم»، ذكروها بالله واقرءوا عليها: إن الذين يشترون بعهد الله فذكروها فاعترفت، فقال ابن عباس: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «اليمين على المدعى عليه» [صحيح البخاري- كتاب تفسير القرآن- سورة البقرة- باب إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا (حديث:4286)].
لذا أقول يا دكتور نبيل من أين لك ما ادعيته بأن السلفيين مرجئة مع الحكام أو مع الطواغيت كما زعمت؟ أقم البينة واذكر لنا من كتبهم أو أقوالهم ما يدل على ما زعمت. فإن لم تستطع فأولى بك ثم أولى أن تتوب إلى الله عز وجل توبة نصوحاً.
ولله درّ من قال:
والدعاوى ما لم تقيموا عليها بينات أبناؤها أدعياء
والدكتور نبيل يقول في تعريف الإرجاء كما في المقابلة:
”هو تأخير العمل عن الإيمان وفصل العمل عن الإيمان لهذا سموا مرجئة. بما أنهم أخروا العمل عن الإيمان. صار ما في شيء يجعل الإنسان كافر بما أنك تؤمن داخل قلبك مصدق فقط ووصل الأمر لدرجة التصديق فأنت مؤمن بالله واليوم الآخر مهما فعلت لن تخرج من الإيمان هذه ليست عقيدة أهل السنة والجماعة وهم (أي السلفيين) ليسوا مع كل الناس هكذا لكن للأسف مع الطواغيت مع بعض الطواغيت مرجئة“ انتهى كلامه.
أقول: سبحانك هذا بهتان عظيم. والله لا أعلم بما ستلاقي به ربك يوم القيامة يا دكتور نبيل؟!
أولاً: الإرجاء بدعة نكرة تنقسم أقساماً متعددة لا كما ذكرت بل حتى الخوارج عندهم بدعة الإرجاء.
ثانياً: ليس من الأمر الهين أن تتهم الناس وتقذفهم بـ ”البدعة“ فهذا أشد مما لو اتهمتهم بالكبائر والفواحش.
ثالثاً: لا يُتصور شرعاً ولا عقلاً أن يكون الإرجاء مع الحكام والطواغيت دون غيرهم.
رابعاً: اصطلاح ”مرجئة العصر“ و ”مرجئة مع الحكام“ إنما استحدثه غلاة التكفيريين للطعن في السلفيين فعندهم كل من لم يكفر جميع الحكام فهو مرجئ. وعليه حتى أنت يا دكتور نبيل تعتبر عندهم «مرجئاً» لأنك لا تكفر جميع الحكام، وعليه فلن تسلم من هذا اللقب عندهم إلا إذا كنت توافقهم في تكفير جميع الحكام فهذا شيئ آخر.
خامساً: غلاة التكفيريين يعتبرون الحكام كفاراً وكذا كل من شاركهم في الديمقراطية والانتخابات وعندهم أن كل من لم يُكفر مَن حكم بالديمقراطية أو شارك فيها فهو من ”مرجئة العصر“.
فانظر يا دكتور نبيل إلى الكلام الذي يخرج من رأسك فقل خيراً أو اصمت.
التعقيب العشرون
للأسف الشديد الدكتور نبيل العوضي هداه الله إلى الصدق والبرِّ، زعم في المقابلة بأن السلفيين يقولون بأن كلاً من القذافي وزين العابدين أولياء أمور شرعيون فأخذ يذكر من فسادهم ما هو معلوم فقال في ما قاله:
”... القذافي اللي (الذي) حكم العلماء بكفره، نفى الإجماع وأنكره، نفى السنة وأنكرها، حرَّف القرآن حارب المسلمين أفسد في الأرض وقتل وأفسد وكل هذا إلى آخر الأيام يعتبرونه (أي السلفيين) ولي أمر شرعي هذا الإرجاء اللي (الذي) فيهم“ انتهى كلامه.
وأقول أيضاً: سبحانك هذا بهتان عظيم، أقسم بالله الذي لا إله إلا هو بأن هذا كذبٌ على السلفيين، بل أكاد أجزم بأن الدكتور نبيل غفر الله له يتعمد الكذب والافتراء على السلفيين فهو يكذب ويعلم من نفسه ذلك و لا حول ولا قوة إلا بالله.
أخي القارئ لا تستعجل عليَّ وسأثبت لك ذلك تأمل قول الدكتور نبيل لما قال: ”القذافي الذي حكم العلماء بكفره“، والسؤال الذي يطرح نفسه من العلماء الذين حكموا بكفره؟ أليسوا علماء السنة وأئمة السلفيين كالشيخ العلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله وإخوانه العلماء؟
فوالله الذي لا إله إلا هو ما علمنا أحداً من علماء السنة والهدى يوماً من الأيام زار القذافي ومجّده وتصور معه وجامله، بينما تجد الدكتور يوسف القرضاوي الإخواني مثلا له زيارات وصور تذكارية مع القذافي، بل ومع بشار الأسد وغيرهما، وكذا زيارات قادة حماس لقادة إيران وبشار الأسد مشهورة ومعلومة، ومن ذلك زيارة «إسماعيل هنية» الأخيرة للكويت فقد خرج من بعد مقابلة الدكتور نبيل العوضي إلى إيران بعد أن صرح بأنه مع مصلحة «حماس» سواء مع إيران أو سورية أو غيرهما.
والسؤال الذي يطرح نفسه ونريد جوابه من الدكتور نبيل العوضي هل القرضاوي و إسماعيل هنية و غيرهما من دعاة الإخوان المسلمين من مرجئة العصر؟
فلا أدري كيف يتجرأ الدكتور نبيل العوضي هداه الله ويقلب الحقائق فيتهم السلفيين بالباطل من غير بيّنة. مع أني قبل سنة من كتابة هذه التعقيبات كتبت رداً على الدكتور عجيل النشمي بتاريخ 14/ 3/ 2011 وبعنوان (لماذا يا دكتور عجيل النشمي؟) وذكرت فيه الجملة التالية بحروفها: (الثالث عشر: علماؤنا منذ أكثر من عشرين سنة كفروا معمر القذافي وضللوه، لكن ما دعوا الناس إلى مواجهته وقتاله حقناً للدماء وحفظاً للأموال والأعراض، فلله درهم ما أعلمه بالحق وما أرحمهم بالخلق ﴿فاعتبروا يا أولي الأبصار﴾) انتهى.
وأتفاجأ بالدكتور نبيل غفر الله له يتهمني أنا وأمثالي بأننا نقول القذافي «ولي أمر شرعي»!! لكن الذي يخفف من الدهشة أن الدكتور نبيل العوضي و أمثاله هذه هي سيرتهم إذا عجزو ا عن الرد العلمي لا يجدون سبيلاً إلا الكذب والطعن غافلين أو ناسين حساب الله لهم يوم القيامة. والله المستعان.
التعقيب الحادي والعشرون
الأخ الدكتور نبيل العوضي وفقه الله لهداه لم يستوعب الفرق بين تحريم المظاهرات وفساد الخروج على الحكام ولو كانوا كفاراً وبين موالاتهم والسكوت على باطلهم لذا فهمه القاصر هو الذي حمله على اتهام السلفيين بالإرجاء مع الحكام!!
وإليك أخي القارئ الكريم بعض فتاوى كبار العلماء من أهل السنة لتعرف أن السلفيين إنما اعتمدوا على فتاوى علمية ولم ينطقوا عن هوى و لا انطلقوا من ضلالة.
قال الشيخ العلامة المفتي عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى:
”فالأسلوب الحسن من أعظم الوسائل لقبول الحق، والأسلوب السيئ العنيف من أخطر الوسائل في رد الحق وعدم قبوله أو إثارة القلاقل والظلم والعدوان والمضاربات ويلحق بهذا الباب ما يفعله بعض الناس من المظاهرات التي تسبب شراً عظيماً على الدعاة، فالمسيرات في الشوارع والهتافات ليست هي الطريق للإصلاح والدعوة، فالطريق الصحيح بالزيارة والمكاتبات بالتي هي أحسن فتنصح الرئيس، والأمير وشيخ القبيلة بهذه الطريقة، لا بالعنف والمظاهرة، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - مكث في مكة 13 سنة لم يستعمل المظاهرات ولا المسيرات ولم يهدد الناس بتخريب أموالهم واغتيالهم، ولا شك أن هذا الأسلوب يضر بالدعوة والدعاة، ويمنع انتشارها ويحمل الرؤساء والكبار على معاداتها ومضادتها بكل ممكن، فهم يريدون الخير بهذا الأسلوب ولكن يحصل به ضده، فكون الداعي إلى الله يسلك مسلك الرسل وأتباعهم ولو طالت المدة أولى به من عمل يضر بالدعوة ويضايقها، أو يقضي عليها، ولا حول ولا قوة إلا بالله“ اهـ [مجلة «البحوث الإسلامية» العدد 38 ص 210].
وقال العلامة المحدث الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى:
”إن التظاهر ظاهرة فيها تقليد للكفار في أساليب استنكارهم لبعض القوانين التي تفرض عليهم من حكامهم أو اظهار منهم لرضا بعض تلك الأحكام أو القرارات ؛ أضيف إلى ذلك شيئاً آخر ألا وهو ؛هذه التظاهرات الأوربية ثم التقليدية من المسلمين ليست وسيلة شرعية لإصلاح الحكم ؛ وبالتالي إصلاح المجتمع.. ومن هنا يخطئ كل الجماعات وكل الأحزاب الإسلامية الذين لايسلكون مسلك النبي صلى الله عليه وسلم في تغيير المجتمع .. لايكون تغيير المجتمع في النظام الإسلامي بالهتافات والصيحات وبالتظاهرات ؛ وإنما يكون ذلك على الصبر وعلى بث العلم بين المسلمين وتربيتهم على هذا الإسلام حتى تؤتي هذه التربية أكلها ولو بعد زمن بعيد ؛ فالوسائل التربوية في الشريعة الإسلامية ؛ تختلف كل الإختلاف عن الوسائل التربوية في الدول الكافرة ؛ لهذا أقول بإختصار إن هذه التظاهرات التي تقع في البلاد الإسلامية أصلاً هذا خروج عن طريق المسلمين وتشبه بالكافرين وقد قال رب العالمين : ﴾ ومن يشاقق الرسول من بعد ماتبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ماتولى ونصله جهنم وساءت مصيرا ﴾“ ا.هـ كلامه رحمه الله [شريط فتاوى جدة رقم 12].
وقال شيخنا محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى:
”فان المظاهرات أمر حادث، لم يكن معروفاً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا في عهد الخلفاء الراشدين، ولا عهد الصحابة رضي الله عنهم. ثم إن فيه من الفوضى والشغب ما يجعله أمرا ممنوعاً، حيث يحصل فيه تكسير الزجاج والأبواب وغيرها ويحصل فيه أيضاً اختلاط الرجال بالنساء، والشباب بالشيوخ، وما أشبه من المفاسد والمنكرات، وأما مسألة الضغط على الحكومة: فهي إن كانت مسلمة فيكفيها واعظاً كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليهوسلم، وهذا خير ما يعرض على المسلم، وان كانت كافرة فإنها لا تبالي بهؤلاء المتظاهرين وسوف تجاملهم ظاهراً، وهي ما هي عليه من الشر في الباطن، لذلك نرى إن المظاهرات أمر منكر. وأما قولهم إن هذه المظاهرات سلمية، فهي قد تكون سلمية في أول الأمر أو في أول مرة ثم تكون تخريبية، وانصح الشباب أن يتبعوا سبيل من سلف فان الله سبحانه وتعالى أثنى على المهاجرين والأنصار، وأثنى على الذين اتبعوهم باحسان)“ [ انظر: الجواب الأبهر لفؤاد سراج، ص75].
وقال الشيخ محمد حامد الفقي رحمه الله تعالى:
”خروج الاحتلال لا يكون بالمظاهرات التي تخرج فيها النساء متبرجات والرجال ولا تحرر فيها عقيدة الولاء والبراء لله ولرسوله , ولكنه بالرجوع لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم وترك ونبذ البدع وانكاره لمبادء الثورة ( الدين لله والوطن للجميع ).“ [موقع جماعة أنصار السنة المحمدية الإلكتروني].
وقال الشيخ العلامة المحدث مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله تعالى:
”فقد كنت بحمد الله احذر من تلكم التظاهرات في خطب العيد وفي خطب الجمعة“ أ . هـ [الإلحاد الخميني في أرض الحرمين].
أقول: وهذه الفتاوى في المنع من المظاهرات مطلقة لم يستثن منها العلماء حالة من الحالات حتى لو كان الحاكم كافراً ولو كانت سلمية كما سأبينه لك أخي القارئ في المقال القادم إن شاء الله تعالى، كما سأنقل لك ماذا قال حامد عبد الله العلي شيخ الدكتور نبيل العوضي في العلماء الذين أفتوا بتحريم المظاهرات.
تنبيه
لا توجد مظاهرات سلمية كما يشهد لذلك الواقع، بل حتى لو بدأت سلمية فإنها ممكن أن تنتهي إلى حرب طاحنة شرسة.
والحمد لله أولا وآخراً وظاهراً وباطناً وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.