قَتَلُوهُ قَتَلهُمُ اللهُ
الحمد لله رب العالمين، و العاقبة للمتقين، و لا عدوان إلا على الظالمين، و صلى الله وسلم و بارك على نبينا محمد، و على آله و صحبه أجمعين، أما بعد:
فإن من أكبر الكبائر القول على الله بغير علم، قال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (33)﴾ [الأعراف]، وقال تعالى: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36)﴾ [الإسراء]، أي لا تتبع ما ليس لك به علم، فإن الله يسألك يوم القيامة عن كل صغير و كبير. و قال تعالى: ﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (116)﴾ [النحل]، و لا شك أن الإفتاء شأنه عظيم و لقد كان سلف الأمة من الصحابة والتابعين يتورعون تورعاً كبيراً عن الفتوى، حتى يود أحدهم لو كفاه غيره، وربما أحال أحدهم المستفتي أو السائل إلى غيره وهو يملك الجواب، لكن من باب الورع والحفاظ على الدين. ومما ابتلينا به اليوم جرأة كثير من الناس على الفتوى حتى إنهم ليفتون في مسائل كثيرة وكبيرة بل ومصيرية، لو عُرضت على كبار أهل العلم لتوقفوا فيها!!
عبرة لمن يعتبر
عن جابر رضي الله عنه قال: خرجنا في سفر فأصاب رجلاً منا حجرٌ فشجَّه في رأسه، ثمَّ احتلمَ، فسأل أصحابه فقال: هل تجدون لي رُخْصةً في التيمّم؟ فقالوا: ما نجدُ لكَ رخصةً وأنت تقدرُ على الماءِ فاغْتسلَ فمات، فلما قَدِمنا على النبي صلى الله عليه وسلم أُخبر بذلك فقال: «قَتَلُوهُ قَتَلهُمُ اللهُ، ألا سألوا إذ لم يعلموا، فإنَّما شِفاءُ العيِّ السؤال». [أخرجه أبو داود (336)، وحسنه الألباني].
فتدبر أخي القارئ كيف دعا الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم على هؤلاء بقوله «قتلهم الله»، مع أن الله تعالى وصفه بقوله ﴿ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [التوبة: 128]، وبقوله: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)﴾ [الأنبياء]، ولا يشك مسلم في رأفته ورحمته صلى الله عليه وسلم، أما قوله «قتلهم الله» إنما قال ذلك حتى لا يتجرأ الناس على الفتوى فيكونوا سبباً لهلاك العباد، وهذا من تمام رأفته ورحمته وهو ظاهر لمن تأمله.
إذا عرفت هذا
فتدبر أخي القارئ العزيز خطورة ما يفعله بعض الناس اليوم من إثارة الفتن و تهييج الناس للقيام بالمظاهرات والثورات وتأمل ما نتج عن ذلك من القتل والفتن والتشريد والخوف والجوع، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
الأمر خطير جداً فلا تحسبوه هيناً
سئل فضيلة الشيخ العلامة الدكتور صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله تعالى السؤال التالي: (دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على من أفتى بجهل وتسبب في قتل رجل واحد ، فكيف الأمر الآن لمن يفتي بجواز المظاهرات والخروج على الحكام ويتسبب في قتل مئاتٍ من الناس؟
فأجاب حفظه الله تعالى:
”من هو هذا المفتي؟! هل هو أهل للفتوى؟! هذا يتحمل ما يحصل من القتل ومن الضرر يتحمل (إثم) الناس والعياذ بالله ، على الإنسان أنه يعرف قدر نفسه ويخاف من الله عز وجل ولا يفتي إلا بعلم، ويتراجع مع العلماء ويتشاور معهم، المسألة ما هي سهلة، المسألة خطيرة يترتب عليها مصير أمة هلاك أمة، يترتب عليها ضياع أمن يترتب عليها تسلط اللصوص والأعداء والهجومات (ليست) مظاهرة (فحسب) بل معصية لولي الأمر خروجٌ عن الطاعة شق للعصا... فيها أضرار كثيرة“ انتهى كلامه حفظه الله.
قال ربيعة بن أبي عبد الرحمن: قال لي ابن خلدة: «يا ربيعة، إني أرى الناس قد أحاطوا بك، فإذا سألك الرجل عن مسألة فلا تكن همتك أن تخلصه، ولكن لتكن همتك أن تخلص نفسك» [أخرجه أبو نعيم في الحلية وذكره الخطيب في الفقيه والمتفقه]. والذي نفسي بيده كأنه كلام قد خرج من مشكاة النبوة، ﴿ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ (2)﴾ [الحشر].
ولو ذهبنا نجمع كلام السلف في خطورة الإفتاء والنهي عن التسرع في الفتوى لجمعنا سِفْراً كبيراً في مجلد ضخم، وليعلم الذي يفتي للناس إنما يُوقِّع عن رب العالمين، ولسانُ حالِهِ يقول: هذا الذي أقوله وأعتقده لو أنزل الله آية لقال هذا الذي أقوله لكم، وذلك لأن المفتي يذكر للناس حكم الله تعالى الذي شرعه لعباده.
إخواني و أخواتي فمن ذا الذي يشعر اليوم بهذا الشعور ومن الذي عنده تقدير لهذه المسألة العظيمة، مسألة الفتوى وإصدار الأحكام؟ بل بلغ ببعض الناس أن ينكر على من يتورع عن الفتوى ويحيل الناس للعلماء!! حقاً نحن في خطر كبير إلا أن يتداركنا الله تعالى برحمته ويمكننا من التوبة النصوح إليه، ويوفقنا للورع الحقيقي الذي يمنعنا من التسرع في الفتوى و إصدار الأحكام الشرعية.
اعتداءٌ سافرٌ قبيحٌ في حق علماء السُّنَّة
لقد أفتى ثُلةٌ من علماء أهل السنة وأئمة الهدى في هذا العصر بتحريم المظاهرات وبيّنوا مفاسدها وعدم شرعيتها، وأنها جاءت من الغرب إلى بلاد المسلمين، ولم يستثنوا منها لا سلمية ولا غيرها، وبيّنوا أنها تخدم أعداء الإسلام، وأخذ بفتاواهم من وفقه الله تعالى، وخالفهم من خالفهم، والأمر لله من قبل ومن بعد. و للتذكير و التنبيه سأذكر لك أخي القارئ أبرز أسماء العلماء الذين حرموا المظاهرات مطلقاً السلمية منها أو غيرها وهم:
الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز
الشيخ العلامة المحدث محمد ناصر الدين الألباني
الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين
الشيخ العلامة محمد حامد الفقي
الشيخ العلامة أحمد بن يحيى النجمي
الشيخ العلامة بكر بن عبد الله أبو زيد
الشيخ العلامة عبد الله بن عبد الرحمن الغديان
الشيخ العلامة المحدث مقبل بن هادي الوادعي
[رحمهم الله تعالى]
الشيخ العلامة صالح بن محمد اللحيدان
الشيخ العلامة صالح بن فوزان الفوزان
الشيخ العلامة عبد المحسن بن حمد العباد البدر
الشيخ العلامة ربيع بن هادي المدخلي
الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ (مفتي المملكة العربية السعودية)
الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله الراجحي
الشيخ العلامة حسن بن عبد الوهاب البنا
الشيخ العلامة عبيد بن عبد الله الجابري
الشيخ العلامة صالح بن عبد العزيز آل الشيخ
الشيخ الدكتور فلاح بن إسماعيل مندكار
الشيخ الدكتور محمد سعيد رسلان
الشيخ الدكتور فلاح بن ثاني السعيدي
الشيخ علي بن عبد الرحمن الحذيفي
الشيخ الدكتور صالح بن سعد السحيمي
الشيخ الدكتور سليمان بن سليم الله الرحيلي
الشيخ الدكتور محمد بن هادي المدخلي
الشيخ الدكتور محمد هشام طاهري
الشيخ الدكتور طارق بن حسين السبيعي
الشيخ الدكتور حمد بن محمد الهاجري
الشيخ فرج بن مطلق المرجي
الشيخ عبد الله بن عثمان الذماري
الشيخ محمد بن عبد الوهاب الوصابي
الشيخ محمد بن صالح الصوملي
الشيخ عثمان بن عبد الله السالمي
الشيخ يحيى بن علي الحجوري
الشيخ محمد بن عبد الله الإمام
الشيخ محمد بن عبد الله باموسى
الشيخ عبد العزيز بن يحيى البرعي
وغيرهم، حفظهم الله تعالى جميعاً، وهؤلاء العلماء كونهم لا يقولون بمشروعية المظاهرات ولا يؤيّدون الثورات ويحرمون الخروج على الحكام لا يعني أنهم يوافقون كافراً على كفره، ولا ظالماً على ظلمه، ولا فاسقاً على فسقه، كلا والذي نفسي بيده، وإنما منعوا من ذلك ديانة و طاعة لله و رسوله، وحفظاً للمسلمين من الهلاك والقتل.
بينما خالف هؤلاء العلماء جملة من الدكاترة والدعاة فأجازوا المظاهرات وأيّدوا الثورات ومنهم من شارك فيها وأذكر منهم على سبيل المثال:
الدكتور يوسف القرضاوي
الدكتور عجيل جاسم النشمي
الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق
الدكتور شافي سلطان العجمي
الدكتور نبيل العوضي
الدكتور حامد عبد الله العلي
الدكتور عادل الدمخي
الدكتور وليد مساعد الطبطبائي
الناشط مبارك البذالي
الدكتور عبد المحسن زبن المطيري
الدكتور نايف حجاج العجمي
الناشط فؤاد عبد الرحمن الرفاعي
الدكتور سلمان العودة
الشيخ محمد حسان
الدكتور حاكم عبيسان المطيري
الدكتور طارق السويدان
الناشط محمد المليفي
وآخرين، وفقهم الله لهداه، وهؤلاء الذين خالفوا علماء أهل السنة، عامتهم من الإخوان المسلمين أو على منهجهم وإن لم ينخرطوا في تنظيمهم أو هرمهم، ومنهم سياسيون ليس لهم عناية في العلم وليسوا من أهله.
قال تعالى: ﴿ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (93)﴾ [يونس]، ولا شك أن الذين منعوا المظاهرات هم أعلم وأرجح من الذين أجازوها ولكلٍّ اجتهاده - إذا كان أهلاً للاجتهاد - و حسابهم على الله تبارك وتعالى، فإن لمن يكن من أهل الاجتهاد فهذا يتحمل وِزرَ كلامه. إلا أن أحد الذين أجازوا المظاهرات قال كلاماً سيئاً قبيحاً في حق العلماء الأجلاء الذين منعوا المظاهرات والخروج على الحكام وإليك أخي القارئ نص كلامه منقولا من موقعه الإلكتروني الرسمي تحت عنوان ”حصاد الأنام في الخروج على الحكام“، قال بالحرف الواحد:
”إندحـار فكر الإنبطاح، وثقافـة الخنـوع ، وسقوط رموز هذه الفرقة المرجئـة الضالـّة التي انتشرت ديدانهُـا - التي تقتات من مستنقع فكر الهزيمة - في العقد الماضي مع إنتشـار مكاتب ألـ (سي آي إيه) في بلادنـا! فقـد خَـرِأت عليها الشعـوب العربية، وهي في طريقها إلى التغييـر، ولما رجعـت الشعوب من إنتصارها على الطغـاة، وجدتـها ولمـَّا تـزلْ في حفـرة خرائها فأكمـلت عليهـا تارة أخـرى، حتى لايخرج هذا الفكر من هذا المستنقع أبـد الدهـر، فهذا هو مكانه الطبيعي أصـلا ، ما كان ليغادره. وإنما كـان قـد تصدَّر هذا الفكـر المريض بقوة السلطة الطاغية، وبأمـر إستخباراتها الباغيـة، فهنـاك كانت تُبلَّل وتُزيـَّن لحاهـُم النتنة في مراكز البوليس، وتعيـَّن مناصبهم الدينية بالتنسيق بين المكاتب الأمنيّة وإبليس!“ إلى آخر كلامه بل و شتائمه و العياذ بالله.
وأعتذر لإخواني القراء وقبلهم أعتذر لعلماء الأمة عما نقلته هنا عن هذا الكاتب، ولكني اضطررت أن أنقل كلامه ليعرف الناس حقيقته فلا يغتروا به، ولتقوم الحجة على كل من يدافع عنه أو يتعاطف معه.
والواجب على مجموعة الدكاترة الذين يوافقونه على فكره أن يتقوا الله عز وجل فينكروا عليه و يدعوه إلى التوبة النصوح، فمثل هذه الأوصاف القبيحة التي قالها في علماء السُّنَّة لا يتلفظ بمعشارها لا اليهود ولا النصارى، ولا أهل الأهواء في أحبارهم ورهبانهم وعلمائهم فكيف ترضون أن يطلقها هذا الكاتب في علماء الأمة الهداة المهتدين الأحياء منهم والميتين؟!
وأذكركم بقول الله تعالى: ﴿ لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79)﴾ [المائدة].
تنبيه
نشرت جريدة الوطن بتاريخ 5/ 3/ 2012 خبراً عن الدكتور أحمد الكبيسي ووصفته بأنه (سُنِّيٌّ) خلاصته بأنَّ نِكَاحَ المُتْعَةِ ليس زِنَا، ومن خُيّر بين الزنا وبين المتعة فليتمتع، إلى آخر كلامه.
فأقول: هذا كلام ساقط لا يستحق الرد ولا التعليق، فوضوح بطلانه يغني عن الرد عليه، لكن الذي أريد التنبيه عليه بأن الدكتور الكبيسي ليس سنّيّاً بمعنى أنه يتبع سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما يطلق لقب سني على كل من ليس بشيعي، وليس بالضرورة من ليس بشيعي يكون سنياً متمسكاً بسنة النبي صلى الله عليه وسلم.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وانصر عبادك الموحدين، واحقن دماء المستضعفين وانصرهم على عدوهم من المشركين العلويين يا قوي يا عزيز.
ونسأله تعالى أن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، والحمد لله أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.