السلفيون لا يكذبون و لا يغدرون و لا يتلونون و لا يتحزبون
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
فمازال كثير من عامة المسلمين يجهلون معنى السلفية ولا يعرفون من هم السلفيون، وقد يكون لهم العذر بذلك بسبب كثرة المتسمين بالسلفية وهم بعيدون عنها. فمن الناس من أنشأ حزباً هرمياً له بيعة أو عهد لأمير سري لا يعرفه أكثر المنتسبين اليه!! أو أنهم يعرفونه ولكن لا يعلمون أنه أميرهم!! وربما أطلقوا عليه لقباً غير لقب الأمير لإخفاء الحقيقة كأن يقال «كبير الجماعة» أو «الشيخ» أو «المرشد» أو «الأمين العام» أو «رئيس مجلس الادارة» أو «رئيس الجمعية العمومية» أو غير تلك المسميات التي قد تختلف بين الحين والآخر وأحياناً تختلف من بلدٍ لآخر ثم تتم بيعته أو معاهدته ولا فرق بين البيعة والمعاهدة، وان حاول بعض الناس كالشيخ عبدالرحمن عبدالخالق وغيره ان يخدعوا المسلمين بقوله: «هي عهد وليست بيعة»!! فلو رجعت الى كلام أهل العلم لوجدتهم يفسرون قول النبي صلى الله عليه وسلم «بايعوني» أي «عاهدوني» فيا ليت شعري ما الفرق اذن؟
بل ومن الناس أيضاً من ترك كلمة «بيعة» و«عهد» وتمسك بحقيقة البيعة والعهد فأصبح يقول ليس عندنا بيعة ولا عهد فإن قيل لهم لكن شهد عليكم فلان وفلان وقد بايع فلانٌ فلاناً، قال: نعم، كان عندنا بيعة فلما نصحنا العلماء وأنكروا علينا تركناها!!
وهذا أمر حسن اذا صدقوا وانتصحوا لكن من المؤسف جداً ان الأمر على ما هم عليه فالقوم مازالوا على الترتيب الحزبي نفسه فآمر ومأمور و سائل و مسؤول و خلايا سرية وغير ذلك مما هو معلوم وما خفي فهو أعظم. فإن قال قائل اذن كيف اعرف السلفي الحقيقي من غيره ممن يتسمى بالسلفية أو يتدثر بها؟ فأقول وبالله أستعين وعليه أتوكل واليه أنيب:
لا شك هذا سؤال مهم جداً ويحتاج اليه كل مسلم لكن قبل الجواب عليه أذكرك أخي القارئ الكريم بمعنى السلفية والسلفي. وباختصار هي نسبة الى اتباع من «سَلَف» أي مضى وانقضى وفي الحديث عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، قالت: «......أن جبريل كان يعارضه بالقرآن كل سنة مرة، وانه قد عارضني به العام مرتين، ولا أرى الأجل الا قد اقترب، فاتقي الله واصبري، فاني نعم السلف أنا لك» قالت: فبكيت بكائي الذي رأيت، فلما رأى جزعي سارني الثانية، قال: «يا فاطمة، ألا ترضين ان تكوني سيدة نساء المؤمنين أو سيدة نساء هذه الأمة» (صحيح البخاري - كتاب الاستئذان، باب من ناجى بين يدي الناس - حديث: 5937)، وعليه فالسلفية هي الدين والعقيدة والمنهج الذي كان عليه سلف الأمة والمقصود بسلف الأمة أي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من المهاجرين والأنصار ومن تبعهم بإحسان وكل من تمسك بما كان عليه سلف الأمة يقال عنه «سلفي».
اذا عرفت هذا فكل مسلم يمكنه ان يكون سلفياً وليس الأمر حجراً على أحد، ولا يملك أحد ان يدخل أحداً في السلفية ولا ان يخرجه منها، بل عقيدة الانسان وعبادته ومنهجه هي التي تدخله السلفية أو تخرجه منها فإن قال قائل: لكننا نسمع بعض الناس بين الحين والآخر يقول فلان سلفي وفلان ليس بسلفي فكيف يحكمون على الناس بتلك الأحكام؟
فأقول: انما يحكم على فلان بالسلفية من عدمها كما يحكم على الانسان بالاسلام من عدمه فاذا وجدنا انساناً «ما» يلتزم أحكام الاسلام ويتجنب ما ينافيه حكمنا عليه بأنه مسلم والعكس بالعكس، اذا وجدنا من لا يلتزم أحكام الاسلام ولا يتجنب ما ينافيه حكمنا عليه بالكفر أو الفسق أو بالحكم الذي يناسبه حسب ما يقتضيه الحال وهكذا الحال بالنسبة لـ«السلفية» فيحكم بها لفلان أو فلان بحسب تمسكه بما عليه سلف الأمة من عدمه كما يتفاوت الناس في اسلامهم وايمانهم والعبرة بالحقائق لا بالأماني والدعاوى.
ولا يخفى علينا ان اليهود والنصارى زعموا أنهم أبناء الله وأحباؤه وزعموا ان الجنة لا يدخلها الا من كان هوداً أو نصارى ومن الناس من يزعمون لأنفسهم بأنهم «حزب الله» أو أنصار الحق أو المجاهدون أو الاصلاحيون أو أنهم جماعة المسلمين أو غير ذلك من الألقاب التي لا تسمن ولا تغني من جوع، ما لم يترجموا ألقابهم بالحقائق على أرض الواقع فمن لم يستوعب ما أقول فليقرأ كتاب الله تعالى بتدبر فسيجد هذا ظاهراً وذلك كقوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) الاّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَانَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7) وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9) أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (11)} (المؤمنون)، وقوله تعالى: {انَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ اذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَاذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ ايمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4)} (الأنفال)، وقوله تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً وَاذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً (63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً (64) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ ان عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً (65) انَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً (66) وَالَّذِينَ اذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً (67) وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ الَهاً آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ الاَّ بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً (69) الاَّ مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (70) وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَانَّهُ يَتُوبُ الَى اللَّهِ مَتَاباً (71) وَالَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَاذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً (72) وَالَّذِينَ اذَا ذُكِّرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً (73) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ امَاماً (74)} (الفرقان)، والآيات في ذلك كثيرة جداً كلها بيَّن الله تعالى فيها صفات المؤمنين والمتقين والصالحين وسلف الأمة يدخلون في ذلك دخولاً أولياً، ورضي الله تعالى عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أخبرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ان سبعين ألفاً من أمته يدخلون الجنة بغير حساب، سألوا من هم رغبة ان يكونوا منهم كما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: خرج علينا النبي صلى الله عليه وسلم يوما فقال: «عرضت علي الأمم، فجعل يمر النبي معه الرجل، والنبي معه الرجلان، والنبي معه الرهط، والنبي ليس معه أحد، ورأيت سوادا كثيرا سد الأفق، فرجوت ان تكون أمتي، فقيل: هذا موسى وقومه، ثم قيل لي: انظر، فرأيت سوادا كثيرا سد الأفق، فقيل لي: انظر هكذا وهكذا، فرأيت سوادا كثيرا سد الأفق، فقيل: هؤلاء أمتك، ومع هؤلاء سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب «فتفرق الناس ولم يبين لهم، فتذاكر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: أما نحن فولدنا في الشرك، ولكنا آمنا بالله ورسوله، ولكن هؤلاء هم أبناؤنا، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «هم الذين لا يتطيرون، ولا يسترقون، ولا يكتوون، وعلى ربهم يتوكلون «فقام عكاشة بن محصن فقال: أمنهم أنا يا رسول الله؟ قال: «نعم» فقام آخر فقال: أمنهم أنا؟ فقال: «سبقك بها عكاشة» (صحيح البخاري - كتاب الطب، باب من لم يرق - حديث: 5428)، وأيضاً ذكر الله تعالى في كتابه وذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنته صفات اليهود والنصارى والمشركين والمنافقين مما هو كثير ومعلوم كل ذلك للتحذير من الاتصاف بصفاتهم فمن وقع بما وقعوا فيه أو اتصف بصفاتهم لحق بهم والناس في ذلك بين مقلٍ ومكثر.
أخي القارئ الكريم اذا عرفت هذا تبين لك ان كثيراً من الناس وان زعم بأنه «سلفي» فليس له من السلفية الا ما قد اتبع فيه سلف الأمة ومن هؤلاء أولئك الذين يخوضون اليوم في السياسة فيمارسون الكذب والتزوير والخيانة والغدر، وكل يوم يتلونون بلون جديد ويتحزبون بحزب خاص بهم دون المسلمين، فهؤلاء سلفيتهم فيها نظر فاحذروهم.
أسأل الله لي ولهم الهداية والاستقامة والصدق في القول والعمل، والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.