رسائل لم يحملها البريد إلى صديقي الدكتور التبليغي (١)
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده أما بعد:
فهذه رسالة كتبتها الى صديق عزيز قد رزقه الله حسن الخلق ورجاحة العقل وحاصل على شهادات عليا فهو استاذ دكتور في جامعة الكويت واحدى كلياتها لكنه ابتلي بجماعة التبليغ الهندية التي نشأت منذ عشرات السنين في الهند وما زالت تنشر دعوتها ومنهجها هنا وهناك ولها نشاط كبير وجهل اكبر بالكتاب والسنة!! وصديقي الدكتور المحترم قد تأثر بهذه الجماعة ونشاطه معهم قليل لكن له عاطفة كبيرة وحب عزيز لها ودعوة اليها فرأيت ان اكتب له رسالة تحمل في سطورها نصيحة ارجو ان تكون خالصة لله ونافعة له ولغيره ، واردت ان تقرأها اخي القارئ الكريم لعلك تستفيد منها أو تستعين بها اذا اردت ان تنصح اخا انتسب لهذه الجماعة أو تأثر بها أو جهل حقيقتهم.
نص الرسالة
من سالم بن سعد الطويل الى اخي الدكتور الفاضل السلام عليك ورحمة الله وبركاته اما بعد فإني ارسل لك رسالتي هذه راجيا من الله تعالى ان يشرح لك صدرك لما سأقوله لك. اخي الكريم حفظك الله تعالى، ادعوك الى درس التوحيد الذي نقيمه في المسجد فإننا نقرأ كتاب التوحيد لشيخ الاسلام المجدد محمد بن عبدالوهاب المتوفى سنة 1206هـ مع شروحه بحمده تعالى وتوفيقه ويسعدني ويسرني ان تشاركنا في ذلك.
اخي الفاضل انا على يقين انك اذا عرفت التوحيد واهميته وشرح الله صدرك له فإنك ستتبرأ من جماعة التبليغ التي لا عناية لها بالتوحيد ولا يَدْرسونه ولا يُدَرسونه والله تعالى يقول في كتابه (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) (سورة الزمر: 9). واعجب ما تجد عند هذه الجماعة انهم يهملون دراسة التوحيد ويركزون على بيان ما يسمى عندهم «بالجهد» وهو قولهم فعلنا وسافرنا واهتدى على ايدينا ويذكرون قصصا ومواقف حصلت لهم في اسفارهم مع ما فيها من المبالغة وكثيرا من الاحيان فيها كذب وزور.
اخي الدكتور وفقني الله واياك الى ما يحب ويرضى استمع الى قول الله تعالى: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108)) (سورة يوسف: 108). ففي هذه الآية وجوب الدعوة «الى الله تعالى» لا الى النفس أو الجاه أو الحزب أو الحزبية وانما «الى الله تعالى» وفي الآية بيان ان الدعوة يجب ان تكون على بصيرة وعلم وهدى وبينة فالنبي صلى الله عليه وسلم يدعو الى الله تعالى على بصيرة واتباعه يدعون الى الله على بصيرة فكل من دعا الى الله على غير بصيرة فليس من اتباع النبي صلى الله عليه وسلم وهذه حال جماعة التبليغ يدعون الى الله ولكن على غير بصيرة غالب عليهم الجهل، والزهد في العلم واهله. واكبر ما يعاب عليهم انهم لا يهتمون بالتوحيد الذي ارسل الله به رسله وانزل به كتبه وما خلق الجن والإنس الا لعبادته وحده لا شريك له ولو تدبرت القرآن لوجدت ذلك جليا من اول سورة فيه قال تعالى: (إياك نعبد وإياك نستعين) الى آخر سورة في القرآن قال تعالى: (قل اعوذ برب الناس ملك الناس إله الناس).
ولا يغرك قولهم الذي يتواصون به وربما تردده معهم انت بنفسك في تلك الكلمة الجائرة ألا وهي ((لا داعي للتوحيد نحن موحدون والحمد لله، ليس عندنا شرك، واهم شيء التوحيد العملي)). كبرت كلمة تخرج من افواههم، كيف لا داعي الى الكلام في التوحيد وكتاب الله تعالى وسنة رسوله كلها دعوة الى التوحيد وكيف لا نخاف من الشرك الذي يحبط العمل ويُخلد صاحبه في النار. لقد كان من دعاء ابراهيم عليه السلام الذي حطم الاصنام بيده وجعلها جذاذا الا كبيرا لهم (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ (35)) (سورة ابراهيم: 35) أي يارب اجعلني بجانب والاصنام بجانب آخر قال ابراهيم التيمي رحمه الله تعالى: من يأمن على نفسه بعد ابراهيم؟!
اخي القارئ الكريم ثم ما هو التوحيد العملي؟ اما جماعة التبليغ فمعناه عندهم الخروج معهم في دعوتهم هو التوحيد العملي وهذا باطل. فالتوحيد النظري هو ان تعبد الله وحده لا شريك له والبراءة من الشرك واهله، والتوحيد العملي تطبيق ذلك في حياتك وأما قولهم لا داعي للتوحيد فنحن موحدون فهذا باطل فالموحد يحتاج الى المداومة على التوحيد والتمسك به والدعوة اليه ولو كان موحدا وتأمل قول الله تعالى: (يا أيها الذين آمَنوا آمًنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي انزل من قبل ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا) (سورة النساء: 136). قال سعيد بن جبير: فلو لم يكونوا مؤمنين لما قال الله لهم: (يا أيها الذين آمنوا) وانما اراد بقوله دوموا على ايمانكم وازدادوا ايمانا بالله وطاعة واستكثروا من الاعمال الصالحة التي تزيد في ايمانكم وازدادوا يقينا وبصيرة ومعرفة بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وقد يقول الناس بعضهم لبعض مثل ذلك في كل فعل يمتد ويحتمل الازدياد فيه كقولك لرجل كَلْ تريد زد في اكلك ولرجل يمشي امشِ تريد اسرع في مشيك، ولرجل يصلي أو يقرأ صلً واقرأ تريد زد في صلاتك، ولما كان الايمان له بداية بغير نهاية والاعمال الصالحة والاقوال الخالصة تزيد المؤمن ايمانا جاز ان يقال: يا ايها المؤمن آمن أي ازدد في ايمانك. (الإبانة لابن بطة) باب زيادة الايمان ونقصانه وما دل على الفاضل فيه والمفضول.
اخي الدكتور حفظك الله تعالى عليك بالعلم فالعلم نور تعرف به الحق من الباطل يروى عن معاذ بن جبل رضي الله عنه انه قال: «تعلموا العلم فإن تعلمه لله خشية، وطلبه عبادة، ومدارسته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وتعليمه لمن لا يحسنه صدقة، وبذله لأهله قربة، به يعرف الله وبه يوحد، وبه يعرف الحلال والحرام، وتوصل الارحام، وهو الانيس في الوحدة، والصاحب في الخلوة، والدليل على السراء والمعين على الضراء، والوزير عند الاخلاء، والغريب عند الغرباء ومنار سبيل الجنة، يلهمه السعداء ويحرمه الاشقياء» (ذكره ابن القيم في مفتاح دار السعادة) (1/394). وتذكر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قيل له: الرجل يحب القوم ولما يلحق بهم فقال عليه الصلاة والسلام: المرء مع من احب، اتحب ان تكون مع محمد الياس وانعام الحسن أم مع الشيخ عبدالعزيز بن باز والشيخ ابن عثيمين رحمهما الله تعالى؟!
اسأل الله لي ولك الهداية والتوفيق. وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على رسوله الأمين.