رجاء لا تقرأ مقالي!!
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
فلقد قرأت «نصيحة» كتبها أحد دعاة الفتنة ودعاة الخروج الحكام وهو المدعو حامد بن عبدالله العلي تلميذ الشيخ عبدالرحمن عبد الخالق في موقعه على الشبكة العنكبوتية (الانترنت) وهي نصيحة بالباطل، اذ ليس فيها من النصح الا اسمه!!
فلقد أرشد أتباعه بل وضحاياه بقراءة كتاب وصفه بأنه (الكتاب القيّم) وهو في الحقيقة كتاب فتنة أراد مؤلفه ان يدعو أبناء الخليج الى الخروج الصريح على حكوماتهم وولاة أمورهم من غير اعتبار للنصوص الشرعية التي توجب على المسلمين السمع والطاعة بالمعروف وتحريم الخروج على حكامهم وان جاروا ما لم يكفروا كفراً بواحاً.
أخي القارئ الكريم حتى لا نتكلم بعيدين عن الواقع وبلا أدلة ولا برهان تعال وقف معي على الكتاب الذي ينصح حامد بن عبدالله العلي بقراءته.
عنوان الكتاب: مجلس التعاون في مثلث الوراثة والنفط والقوى الأجنبية.
مؤلِّف الكتاب: يوسف خليفة اليوسف.
موضوع الكتاب: يعالج المؤلف بالتحليل والتوثيق والنقد الأسباب الكامنة وراء فشل مجلس التعاون الخليجي في تحقيق التنمية والأمن عبر أكثر من أربعة عقود وهو يرجع هذا الفشل الى وقوع هذه المنطقة في مثلث مفرغ أضلاعه ثلاثة الوراثة التي تمتلك ثروة نفطية هائلة وتفتقد الرقابة المجتمعية وتعتمد على القوى الأجنبية، وبالتالي فإن الخروج من هذا المثلث يتطلب تصحيح مسار هذه البلدان وذلك باستبدال أضلاع المثلث الحالية بثلاثة أضلاع أخرى، حيث يتم استبدال النظم الوراثية الحالية بنظم فيها حرية ومشاركة ومساءلة واستبدال الاعتماد المفرط على النفط ببناء انسان منتج، واستبدال الوجود الأجنبي بتكامل اقليمي وتكامل مع المحيطين العربي والاسلامي.
وفي السياق النقدي يرى المؤلف ان محور المسألة برمتها هو غياب المشاركة السياسية وما تعنيه من مساءلة ومحاسبة وتمحيص لسياسات حكومات هذه البلدان وترشيد لقراراتها المختلفة، هذا الغياب جعل مسيرة التنمية في هذه البلدان تتصف بالتخبط والفشل ذلك في الوقت الذي أدت فيه سياساتها الأمنية الى مزيد من عدم الاستقرار والى إضعاف النظام الاقليمي العربي الذي يعتبر صمام أمان لأمنها وازدهارها وما نتج عن ذلك من تدخل سافر للقوى الأجنبية في شؤون المنطقة، اضافة الى اختلال موازين القوى لمصلحة اسرائيل في دائرة النظام الاقليمي العربي ولمصلحة ايران في منطقة الخليج العربي.
التعريف بالكاتب: هو الدكتور يوسف خليفة اليوسف -اماراتي- ينتمي الى تنظيم فرقة الاخوان المسلمين ويعتقد الفكر التكفيري ويدعو الى الخروج على الحكام. له موقع على الشبكة العنكبوتية (الانترنت) وله في موقعه هذا تصريحات منحرفة ضالة أراد من ورائها اثارة الفتنة وتحريض المسلمين على ولاتهم. من تصريحاته الآثمة:
ان الأمة تُحكم من قِبَل عصابات مجرمة ودموية وسرطانية.
ويقول للحكام: لقد اعتقدتم بسذاجتكم واستقوائكم بالأجنبي أنكم وخلفاؤكم قد أحكمتم قبضتكم.
أنكم تماديتم في التسلط والاستبداد وعبثتم بثروات هذه الشعوب.
ويقول للحكام: وستفاجؤون بما ليس في حسبانكم.
ويقول للحكام أيضاً: لن يبقى معكم الا المرتزقة والجهلة والجبناء.
لا بارك الله في كليات عسكرية تقدم الولاء للطغاة على الولاء لله ورسوله وأبناء المجتمع وهذا هو وللأسف حال الكليات العسكرية في أرض الجزيرة اليوم.
ويقول عن الحاكم: أما اذا كان متسلطاً وناهباً لثروات مجتمعه وعميلاً للأجنبي فلا طاعة له بل ان طاعته تكون جريمة.
ويقول للحكام: اذا لم تعتبروا من غيركم فسيقل احترام هذه الشعوب لكم حتى تصبحون في نظرها شلة من الأنانيين والظلمة كالقذافي.
وتذكروا أنه اذا دارت عليكم الدوائر كما تدور الآن على مبارك وعصابته فسيتم تفتيش بيوتكم والتحفظ على كمبيوتراتكم.
وستجدون أنفسكم في أقفاص الاتهام ووراء قضبان المحاكم أو في غياهب السجون.
الاصلاحات تبدأ باصلاحات دستورية تجعل شعوب المنطقة هي مصدر السيادة وتحول نظمكم السياسية الى ملكيات دستورية....الى ان قال: لذلك فلابد ان تصبح هذه الأسر الحاكمة كالأسر البريطانية وغيرها من الملكيات الدستورية تملك ولا تحكم.
الحكومات الخليجية حكومات هزيلة لا تستمد شرعيتها من شعوبها، وهي حكومات تعاني من تبعية مقيتة للخارج كما وأنها حكومات تعبث بثروات شعوبها.
الى آخر تصريحاته الضالة المضلة التي لا يُراد من ورائها الا الفتنة ويدور كلامه حول المشاركة في السلطة والحكم والأموال والحرية.
أخي القارئ الكريم كنت أتعجب اذا رأيت بعض المقاطع المصورة لأحد دعاة الأهواء والضلالة وهو يقص قصصاً سخيفة لا يقرها شرع ولا يصدقها عقل وأقول: أين عقول هؤلاء الذين اجتمعوا حول هذا الدجال؟ وكيف يثقون بكلامه المخالف للشرع والعقل؟ لكن ما كنت أتوقع ان يكون من شباب أهل السُّنَّة من ينخدع بدعوة هؤلاء المفتونين بمناهج منحرفة ظنوا أنها حسنة فحالهم كما قال الشاعر:
يقضى على المرء في أيام محنته *** حتى يرى حسناً ما ليس بالحسن بالحسن
نعم غريب جداً ان ينخدع الشباب المسلم لاسيما أبناء الخليج بدعوة هؤلاء المفسدين أنصار الفتنة، فبينما نعيش في الخليج في أمن وأمان يفقده أكثر سكان أهل الأرض نجد هؤلاء المفسدين يقولون ان حكام الخليج فشلوا عبر أكثر من أربعة عقود في تحقيق الأمن!! وعلى الرغم من الرفاهية التي لا ينعم بها ثلثا أهل الأرض أو أكثر تجدهم يقولون لم تتحقق التنمية!!
وأما كون الحكم في دول مجلس الخليج وراثيا فهذا بيت القصيد عند هؤلاء الطامعين بالسلطة وكل ذلك السعي الحثيث وبكل الوسائل المتاحة وغير المتاحة والشرعية وغير الشرعية مقصودهم الأساسي من وراء ذلك كله هو الوصول الى سدة الحكم ومنازعة أهله عليه. وهذا ما يطلقون عليه (المشاركة السياسية) و(المساءلة والمحاسبة) و(تمحيص سياسة الحكومة) و(ترشيد قرارات الحكومة).
أقول: للأسف الشديد استطاع هؤلاء المفسدون ان يؤثروا في عقول بعض الشباب الى درجة ان بعضهم تشمئز نفسه وينقبض قلبه اذا سمع نصوص الكتاب والسُّنَّة المتعلقة بوجوب طاعة ولي الأمر وتحريم الخروج عليه أو قرأ كلام أهل العلم في ذلك، وهو أمر خطير جداً على دين المسلم ان يصل الى هذه الدرجة من عدم تقديره لنصوص الكتاب والسُّنَّة وعدم احترام كلام العلماء، وفي كل ذلك يستعملون التأويل الباطل الذي هو شر من التعطيل فتجدهم يقولون نعم هذه الآيات والأحاديث صحيحة وصريحة لكن ما أنزلها الله في حق هؤلاء الحكام ولا قصدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحاديثه!! سبحانك هذا بهتان عظيم.
لقد قال الله تعالى في كتابه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59]، وحكامنا هم الذي ولاهم الله أمرنا، وهم مسؤولون عنا أمام الله تعالى وفي الحديث «كلكم راعٍ وكلكم مسؤولٌ عن رعيته، فالامام راعٍ ومسؤول عن رعيته» والآية صريحة في وجوب طاعة ولي الأمر ما لم يأمر بمعصية كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «على المرء المسلم السمع والطاعة في ما أحب وكره، الا ان يؤمر بمعصية فاذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة» [رواه البخاري (7144) ومسلم (1839) عن ابن عمر رضي الله عنهما]. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كره من أميره شيئاً فليصبر، فانه من خرج من السلطان شبراً مات ميتة جاهلية» [رواه البخاري (7143) ومسلم (1849)]، فكيف يحق لمسلم بعد هذه النصوص الصحيحة الصريحة ان يرفض السمع والطاعة لمن ولاهم الله أمرنا؟ فإن قال قائل: لكنهم فعلوا وفعلوا وقصروا وفرّطوا، فنقول: كل ما ذكرتموه قد أخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى، وذلك فيما رواه مسلم في صحيحه (1709) عن عُبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: «دعانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعناه فكان مما أخذ علينا ان بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا، وعُسرنا ويُسرنا، وأثرة علينا، وألا ننازع الأمرَ أهله»، قال: «الا ان تروا كفرا بواحاً عندكم من الله فيه برهان». والأثرة: هي الاستئثار والاختصاص بأمور الدنيا [النووي (12/ 466)].
فان كان المفسدون يرون حكامنا كفاراً فليصرِّحوا بهذا حتى نعرف من معنا ومن علينا لا ان يتستروا بكلمات مطاطة تحتها ما تحتها ووراءها ما وراءها كقولهم الفشل في التنمية والتحكم بالثروات وعدم المشاركة في السياسات وغير ذلك من التعليلات، أما اذا كانوا يعتقدون في حكامنا بأنهم مسلمون فوجب عليهم السمع والطاعة وحرم عليهم الخروج عليهم أو السعي باستبدالهم أو منازعتهم على الأمر كما جاء صريحاً في حديث عوف بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم ويصلون عليكم وتصلون عليهم وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم، قيل يا رسول الله: أفلا ننابذهم بالسيوف؟ فقال: لا ما أقاموا فيكم الصلاة واذا رأيتم من ولاتكم شيئاً تكرهونه فاكرهوا عمله ولا تنزعوا يداً من طاعة» [أخرجه مسلم (1855)]، ومثله حديث أم سلمة رضي الله عنها ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: «انه يُستعمل عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون، من كره فقد برئ، ومن أنكر فقد سلم، ولكن من رضي وتابع قالوا: يا رسول الله أفلا نقاتلهم؟ قال: لا ما صلوا» [أخرجه مسلم (1854)]. ومثله أيضاً حديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من كره من أميره شيئاً فليصبر فانه من خرج من السلطان شبراً مات ميتة جاهلية» [رواه البخاري (7143) ومسلم (1849)].
أقول: أين المفسدون من هذه النصوص؟ وما موقفهم منها؟ ثم انهم يقولون ان حكام الخليج فشلوا في التنمية والأمن خلال أربعة عقود، فهل الخروج عليهم ومحاولة استبدالهم ومشاركتهم ومنازعتهم الأمر سيأتي الى زيادة تنمية وأمن أو الى فتن وخوف وجوع؟ سبحان الله هذا الأمر لا يخفى على من عنده معشار عقل ومعشار بصيرة لكن هؤلاء قد أعمى بصرهم وبصائرهم حب الظهور والطمع في السلطة حتى ضلوا الطريق قال تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ (40)} [النور].
وأما التدخل الأجنبي فهذا من أعجب ما يمكن ان يسمعه الانسان من أقوال هؤلاء المفسدين لأن الانقلاب على الحاكم واثارة الفتنة هي أكبر دافع وأوضح وازع يجعل التدخل الأجنبي سريعاً ويبرر لهم للتدخل الى بلادنا {فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا (78)} [النساء]، وكما قيل: السعيد من اتعظ بغيره، والشقي من اتعظ به غيره. أسأل الله ان يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن وأن يكفينا شر دعاة الفساد والفتنة، وأن يتم لنا أمننا وأماننا وأن يحفظ ولاة أمورنا بالاسلام والايمان وأن يرزقهم البطانة الصالحة.
ملاحظة
أحد الاخوة بعد كتابتي لبعض المقالات يرسل لي رسائل يبدي لي فيها استياءه مما أكتب في مقالاتي في الرد والتحذير من دعاة الفتنة.
فأقول: يا أخي حتى لا تستاء ولا تتضايق (رجاء لا تقرأ مقالي).
والحمد لله أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.