منهج الكتاب المبين في الرد على المبطلين
الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان الا على الظالمين، والعاقبة للمتقين، وصلى الله وسلم وبارك على رسول رب العالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإن الله تعالى في كتابه المبين ردَّ على كل المبطلين، وجعل ذلك منهجاً للمسلمين، وشرع لعباده الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى لا ينتشر الباطل، وتعلو سطوته، والأمثلة على ذلك كثيرة منها:
لما قال المشركون: {اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا} [البقرة: 116]، وقال اليهود: {عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ} [التوبة: 30]، وقالت النصارى: {الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ} [التوبة: 30]، ردَّ الله عليهم فقال: {وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا (4) مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآَبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ ان يَقُولُونَ الَّا كَذِبًا (5)} [الكهف]، ومعنى (كبرت كلمة) أي: ما أعظمها في القبح من كلمةٍ، ومعنى (ان يقولون الا كذباً) أي: ما يقولون الا كذباً. ومثل هذا قوله تعالى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا ادًّا (89) تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) ان دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91) وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ ان يَتَّخِذَ وَلَدًا (92)} [مريم]، ومعنى (إدًّا) أي: عظيماً.
ولما زعم مشركو العرب بأن الملائكة اناث وأنهم بنات الله ردَّ الله عليهم فقال: {وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ انَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ (19)} [الزخرف]، ومعنى (أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ) أي: هل حضروا خلق الله اياهم لما خلقهم؟ وردَّ الله عليهم لما قالوا انهم بنات الله فقال: { بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (26)} [الأنبياء]، واستنكر الله عليهم فقال: { أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ (39)} [الطور].
ولما زعم نفر من اليهود بأن الله تعالى (فقير) وأن يده مغلولة أي (بخيل) ردَّ الله عليهم وتوعدهم كما في قوله تعالى: {لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا ان اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (181)} [آل عمران]، ومعنى (سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا) أي: ما قالوه من هذه الكلمة العظيمة الشنعاء في صحائف الحفظة. وقال تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ الَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا} [المائدة: 64]، وأرادوا بقولهم: (يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ) أي: أن الله بخيل، تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً.
ولما زعم بعض اليهود بأن الله تعالى خلق السماوات والأرض في ستة أيام فتعب فاستراح في اليوم السابع يوم السبت، ردَّ الله عليهم فقال: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ (38)﴾ [ق]، ومعنى (وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ) أي: ما لحق الله ولا أصابه أي تعب، وذلك لكمال علمه وقوته وقدرته تعالى.
ولما زعم قوم من المشركين بأن الله خلق السماوات والأرض لعباً وعبثاً وباطلاً لغير حكمة ردَّ الله عليهم كما في قوله تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ الَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا الَهَ الَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (116)} [المؤمنون]، وقال تعالى: { وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (38) مَا خَلَقْنَاهُمَا الَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (39)} [الدخان].
ولما زعم المشركون بأن الله لن يبعثهم ليوم القيامة فيجازيهم على أعمالهم ردَّ الله عليهم، وهذا كثير جداً في القرآن كقوله تعالى: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا ان لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (7)} [التغابن].
وأيضاً ردَّ الله على كل من اتهم به المبطلون رسول رب العالمين، من ذلك ردّه تعالى على من اتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكذب والافتراء فقال تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ ان افْتَرَيْتُهُ فَلَا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ كَفَى بِهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (8)} [الأحقاف]، وقال تعالى: { مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11)} [النجم]، وقال تعالى: { وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (47)} [الحاقة]، وقال تعالى: { بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ (37)} [الصافات]. ولما وصف المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه مجنون أو كاهن أو شاعر ردَّ الله عليهم فقال: ﴿ فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ (29) أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (30) قُلْ تَرَبَّصُوا فَانِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ (31) أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ (32) أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ (33) فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ ان كَانُوا صَادِقِينَ (34)﴾ [الطور]، وقال تعالى: {وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ (22)} [التكوير]، وقال تعالى: { مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (2)} [القلم]، وهكذا لما زعم بعض المشركين ان رجلاً أعجمياً يذهب اليه الرسول صلى الله عليه وسلم ويعلمه القرآن ردَّ الله عليهم فقال: { وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ انَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ الَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (103)} [النحل]. المعنى: أي لسان الذي تميلون اليه وتشيرون أنه علَّم النبي صلى الله عليه وسلم القرآن (أعجمي) والقرآن بلسان عربي مبين وأنتم أهل البلاغة والفصاحة والشعر والنثر قد عجزتم ان تأتوا بمثل هذا القرآن فكيف لأعجمي ان يعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم قرآناً عربياً مبيناً؟!
أقول أخي القارئ الكريم منهج الرد على المبطلين في القرآن كثير جداً وهكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرد على كل مبطل بل لو سكت عن باطل صغيراً كان أو كبيراً لكان ذلك منه إقرار وتأييد أو عجز عن الرد والتنديد لكن الله حفظ دينه، فما من باطل تفوّه به أهله إلا و جاء الرد صريحاً و قوياً و واضحاً، بل كان النبي صلى الله عليه وسلم يرد حتى على أصحابه وأزواجه والصغار والكبار وما سكت عن باطل أو خطأ قط، كل ذلك {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَانَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (42)} [الأنفال]، وعلى هذا المنهج سار سلف الأمة من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يومنا هذا و أحسن وأشهر وأتقن ممن قام بواجب النصيحة في عصرنا سماحة الشيخ الامام العلامة المحدث الفقيه المفتي عبدالعزيز بن باز رحمه الله تعالى وجزاه الله عنا خيراً فقد كتب مجلدات كبيرة أكثرها ردود ومنها ردود بالأسماء ولم يكتف دائماً بالاشارة واستعمال أسلوب «ما بال أقوام» لاسيما إذا كان المقام مقام تحذير من فتنة بعض الناس الذين ممكن أن ينخدع بهم الشباب المتحمس. ولا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم استعمل الأسلوبين، أسلوب «ما بال أقوام» وأسلوب الرد الصريح على شخص ما بعينه، كما ورد ذلك كثيراً وكثيراً جداً في السُّنَّة الصحيحة المحفوظة، وكما قيل: لكل مقامٍ مقالٍ.
و إليك أخي القارئ أسماء بعض من ردَّ عليهم الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله تعالى:
عبدالرحمن عبد الخالق - الفتاوى (8/245).
أسامة بن لادن - جريدة المسلمون والشرق الأوسط بتاريخ 9 جمادى الأولى عام 1417هـ.
محمد المسعري - مجلة البحوث الاسلامية، العدد (50) ص (7- 17).
سعد الفقيه - مجلة البحوث الاسلامية، العدد (50) ص (7- 17).
الدكتور يوسف القرضاوي، وللشيخ عبدالعزيز بن باز عدة ردود عليه في الفتاوى ومثبتة في موقعه الالكتروني.
محمد علي الصابوني (الموقع الالكتروني للشيخ ابن باز).
جاد الحق علي جاد الحق، شيخ الأزهر الأسبق (الموقع الالكتروني).
الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي (الموقع الالكتروني).
عبدالعزيز المفالح مدير جامعة صنعاء (الموقع الالكتروني).
مصطفى أمين.
وغير هؤلاء كثير جداً ممن ردَّ عليهم منها ما حُفظ عنه و منها ما لم يُحفظ عنه، ولم تقتصر ردوده على أهل البدع بل كان يرد حتى على بعض علماء و مشايخ أهل السنة فهل يقال ان الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى كان يشغل نفسه في الردود و سلم منه اليهود والنصارى و ما سلم منه إخوانه المسلمون و كذا و كذا مما يكرره بعض الناس اليوم، و لا شك أن من تأمل كلام هؤلاء يظهر له جلياً بأنهم لا يقولون هذا القول إلا اذا كان الرد عليهم أو على مشايخهم أو على أخطائهم وانحرافاتهم. وفي المقابل تجدهم يردون على من خالفهم ويسمحون لأنفسهم ما لا يسمحون لغيرهم ويرضون بالرد ان كان لهم ولو بالباطل أو الكذب أو السب والشتم واللعن والعياذ بالله ولا يرضونه من غيرهم عليهم {فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا (78)} [النساء].
أسأل الله لي و لهم و للمسلمين الهداية و التوفيق و السداد في القول و العمل. و الحمد لله أولاً و آخراً و ظاهراً و باطناً و صلى الله و سلم و بارك على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين.