موقع الشيخ
حفظه الله
سالم بن سعد الطويل

ألا و قول الزور و شهادة الزور، فمازال يكررها

25 رمضان 1433 |

ألا و قول الزور و شهادة الزور، فمازال يكررها

الحمد لله رب العالمين، و لا عدوان إلا على الظالمين، و العاقبة للمتقين، وصلى الله وسلم وبارك على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه اجمعين، أما بعد:

فلقد عجبت من حال رجل لقَّب نفسه بـ (خادم بيوت الله) يشهد شهادة الزور ويمارسها بلا خوف من الله ولا حياء من عباده! مما دفعني الى أن أكتب في هذا الشأن فأحذره و أحذِّر غيره من شهادة الزور والعمل بها لعل الله ان ينفعني و إياه والمسلمين بالذكرى {فَإنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (55)} [الذاريات]، فأقول و بالله أستعين و عليه أتوكل و إليه أنيب:

شهادة الزور مركَّبة من كلمتين

(شهادة) وهي الاقرار بالشيء على علم، فيشهد الشاهد بأمرٍ ما على علمٍ و كأنه يشاهده بعينه حال أداء الشهادة، و (الزور) الكذب.

و لقد عدَّ النبي صلى الله عليه وسلم شهادة الزور من الكبائر، بل من أكبر الكبائر كما في حديث أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟» ثلاثاً، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: «الإشراك بالله، و عقوق الوالدين -و جلس و كان متكئاً- فقال: ألا وقول الزور»، قال: فمازال يكررها حتى قلنا: ليته سكت» [صحيح البخاري كتاب الشهادات، باب ما قيل في شهادة الزور- حديث:‏2532]، [صحيح مسلم- كتاب الايمان، باب بيان الكبائر وأكبرها - حديث:‏151].

فتأمل أخي المسلم و أختي المسلمة كيف دلَّ هذا الحديث على عظم شهادة الزور من وجوه:

  • الوجه الأول: كونه صلى الله عليه وسلم بدأ الحديث بقوله: «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر» حتى يلفت انتباه السامع.

  • الوجه الثاني: كونه صلى الله عليه وسلم عدَّ شهادة الزور من أكبر الكبائر.

  • الوجه الثالث: كونه صلى الله عليه وسلم قرن شهادة الزور بالإشراك بالله و عقوق الوالدين.

  • الوجه الرابع: كونه صلى الله عليه وسلم جلس عند ذكر شهادة الزور بعد أن كان متكئاً.

  • الوجه الخامس: كونه صلى الله عليه وسلم كرر وأعاد كلمة: ألا وشهادة الزور.

  • الوجه السادس: كونه صلى الله عليه وسلم شقَّ على نفسه أو كاد ان يشق على نفسه وهو يقول: ألا وشهادة الزور، حتى أشفق عليه الصحابة رضي الله عنهم.

  • الوجه السابع: كونه صلى الله عليه وسلم لم يفعل مثل ذلك عند ذكر الاشراك بالله وعقوق الوالدين.

و اعلم أخي القارئ الكريم ان من صفات عباد الرحمن التي ذكرها الله في القرآن في آخر سورة الفرقان أنهم لا يشهدون الزور كما في قوله تعالى {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَاذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا (72)} [الفرقان]. و تدبر قوله تعالى في سورة الحج { فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30)} [الحج]، ففي هذه الآية أمر الله تعالى باجتناب الشرك واجتناب قول الزور.

و من شناعة شهادة الزور و قول الزور أنه يخدش صيام الصائم لحديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في ان يدع طعامه وشرابه» [ صحيح البخاري- كتاب الصوم، باب من لم يدع قول الزور - حديث:‏1813‏]، فكيف لمسلم بعد هذه الأدلة من الكتاب والسنة أن يجرؤ على ان يشهد شهادة زور ويقول قول الزور؟!

و اعلم أن من شهادة الزور ان يشهد الشاهد من غير تثبت ولا تبيّن، والدليل قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ان جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا ان تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6)} [الحجرات] لأن في الشهادة من غير تثبت ظلما للناس و ضياعاً لحقوقهم وتشويهاً لسمعتهم وقد تصل درجة الضرر ببعض من شهد عليهم بالباطل ان تسفك دماؤهم أو تتلطخ أعراضهم أو تختلط انسابهم أو يحصل لهم غير ذلك من الأضرار والمفاسد الكثيرة بسبب شهادة الزور وعدم التثبت بها.

ويزداد الإثم وتعظم البلية إذا كانت دوافع شهادة الزور دوافع دنيئة، كمن يشهد زوراً من أجل المال أو التعصب الطائفي أو الحزبي أو لقرابة و نحو ذلك، و إلى هؤلاء أقول: أين أنتم من قول الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ ان اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} (8) [المائدة].

فعلى المسلم ان يتقي الله ربه ويشهد بالحق ولو على نفسه أو أقرب الناس اليه، وليتجنب شهادة الزور وقول الزور ويتثبت قبل ان يشهد وليبادر بالتوبة النصوح من قبل ان يأتي { يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) الَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)} [الشعراء].

وعلى المسلم ان يخرج من مظالم الناس، فعن ‏أَبِي هُرَيْرَةَ ‏ ‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ‏ ‏قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: «‏مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لِأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ قَبْلَ ألا يَكُونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ، ان كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ وَانْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ» [صحيح البخاري- كتاب المظالم والغصب، باب من كانت له مظلمة عند الرجل فحللها له - حديث:‏2337‏]، ولا تقل فلان أحرجني وفلانٌ قريبي وفلان من حزبي أو من طائفتي فهذا لا ينجيك من حساب الله وعقابه، واعلم ان جسدك على النار لا يقوى.

أسأل الله أن يعصمني و المسلمين من الفتن و المحن ما ظهر منها و ما بطن، و الحمد لله أولا و آخرا و ظاهرا و باطنا و صلى الله و سلم و بارك على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين.

المقالات