ألا تُحبون أن يتوبَ اللهُ عليكم ؟
الحمد لله التواب الرحيم الذي يحب التوابين ويحب المتطهرين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فقد كتب الله على عباده الخطأ والزلل والتقصير فكل بني آدم خطاؤون وفي الحديث القدسي قال الله تعالى: (يا عبادي انكم تخطؤون بالليل والنهار)، [أخرجه مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه (رقم 4780)]. وهذا و إن كان نظرياً عند كثير من الناس أمر مسلم به غير أنه في الواقع قلما يوجد من الناس من يكون منصفا ويقر بأخطائه! إن كثيرا من الناس كأنه بلسان حاله يقول: إنه معصوم لا يخطئ أبداً، وذلك لأن أكثر الناس يتبع هواه وتضعف نفسه بل وقد تأخذه العزة بالاثم فلا يتراجع عن ذنبه أو أخطائه لاسيما اذا انتشر خطؤه بين الناس، وأذاعه فيهم، فكيف اذا كان ذلك الخطأ قد اكتشفه غيره؟! وأكبر من ذلك اذا كان من اكتشف خطؤه خصمه أو عدوه؟ من هنا يحتاج -حقيقة- كل منا إلى أن يوطن نفسه ويعوّدها على قبول الحق و اتباعه مع التوبة النصوح من كل ذنب ارتكبه، والرجوع الى الحق خير من التمادي في الباطل. و ليس عيباً أن يخطأ الانسان و لكن العيب الاصرار على الذنب. قال تعالى في وصف عباده المتقين: {وَسَارِعُوا الَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) وَالَّذِينَ اذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ الَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136)} [آل عمران].
ومن الناس من اذا ظهر له الحق جلياً كابر عن اتباعه خوفاً من اهتزاز شخصه عند أتباعه فصار وللأسف الشديد ثبات شخصيته في نظر أتباعه أولى عنده من اتباع الحق. فسبحان الله أليس الأولى ان يتوب المسلم الى الله تعالى رغبة بمحبة الله تعالى التي هي اعظم من كل شيء؟ أين نحن من قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا الَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا} [التحريم: 8]؟ ألا تحبون أن يحبكم الله القائل: {انَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222)} [البقرة]؟
ومن الناس من يتلون في دينه فلا يقر له قرار، فما كان بالأمس كفراً أصبح اليوم من الايمان، وما كان بالأمس حقاً أصبح اليوم باطلاً ومن كان يحاربه بالأمس أصبح يدافع عنه اليوم. سبحان الله العظيم أين هذا من قول حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: «اياك والتلون في الدين، فإن دين الله واحد» أخرجه البيهقي وابن أبي شيبة.
فالذي أنصح به نفسي واخواني وكل مسلم أنه اذا اخطأ أحدنا فعليه التوبة النصوح وليتذكر قوله تعالى: {الَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70)} [الفرقان]. أسأل الله تعالى أن يوفقني و إخواني المسلمين إلى التوبة النصوح و يجعلنا ممن يستمع القول فيتبع أحسنه.
رسالة لم يحملها البريد
من سالم بن سعد الطويل إلى أخي الأصغر فارس الطاهر حفظك الله تعالى
السلام عليك ورحمة الله وبركاته،
أرجو أن تكون صادقا بوعدك الذي وعدتني إياه فتزورني زيارة أخوية لنتذاكر فيما بيننا حول المسائل التي يظن كل منا ان الصواب معه والخطأ مع غيره. وأحب أن انبهك الى بعض الامور قبل اللقاء الذي وعدتني به:
أولاً: حاول ان تتحرر من أي توجيه قد يوجهك به أي شخص يحاول ان يثنيك عن اللقاء الذي وعدتني به بمعنى تحرر من التبعية فأنت طالب علم مستقل تتبع الدليل لا تعتمد التقليد. وليكن الوفاء بالوعد الذي أوجبه الله ورسوله علينا أولى من سماعك لمن يثنيك عن التناصح والتزاور في الله.
ثانياً: ادخل في الانترنت على قوقل واكتب السؤال التالي (هل م.ع ليبرالي)؟، فإنك ستقف على مادة كبيرة جدا من مقالات وتصريحات تصل بها الى درجة اليقين ان الرجل مصنف اعلاميا بأنه ليبرالي بلا شك.
ثالثا: عن نفسي شخصيا لا اقول عن أي مسلم بانه ليبرالي ولو قال عن نفسه ذلك او قال عنه غيره وذلك حفاظا على ديني فلا مصلحة لي شرعية في تعيين مسلم بعينه بأنه ليبرالي.
رابعا: اذا لم تقتنع بأن (م.ع) مصنف اعلاميا بأنه ليبرالي فاسأل عن رأيه في الليبراليين؟ وهل يرتضيهم أو يخالفهم؟
خامسا: ما الفرق بين التحزب والتكتل؟ وما الفرق بين الحزب والكتلة؟
سادسا: هل يجوز شرعا تكوين حزب غير ديني كالليبرالي والعلماني والاشتراكي والوطني والديموقراطي والشعبي والتنمية ونحو ذلك؟
سابعا: هل التحزب المبتدع هو تحزب المتدينين كتحزب الاخوان والتراث ونحوهما فقط؟ واذا كان كل التحزب محظورا فلماذا الانكار على حزب دون حزب؟
ثامنا: هل تحزب غير المتدينين سنة أو بدعة أو لا سنة ولا بدعة أو محرم أو مباح أو مكروه أو ماذا تطلق عليه بالتحديد؟
تاسعا: هل التحزب حكمه واحد فالحزب الماركسي والبعثي عندك سواء؟
عاشرا: التحزب البدعي الذي يتحزبه المتدينون أو الدعاة هل حكمه سواء مثل حزب التحرير وحزب التبليغ وحزب الصوفية وحزب الاخوان وحزب التراث وحزب الامة وحزب السلفية العلمية؟
الحادي عشر: اذا فكرت بالزيارة واللقاء الذي وعدتني به فأرجو ان تدعم اجوبتك بنقولات عن أهل العلم.
الثاني عشر: اذا غيرت رأيك ولم يعد لك الرغبة في زيارتي او اللقاء المنتظر فيا ليتك تعتذر وتخبرني بذلك فقد طال انتظاري لك ولم تف بوعدك بعد! والاخلاف بالوعد لا يجوز شرعا كما لا يخفى عليك بصفتك طالب علم.
أسأل الله أن يشرح صدرك ويوفقك لكل خير.
أخوك المحب أبو سعد سالم بن سعد الطويل
و الحمد لله أولا و آخرا و ظاهرا و باطنا و صلى الله و سلم و بارك على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين.