هل يجوز شرعاً -لا دستورياً ولا قانونياً- أن ينفرد الحاكم بالحكم ؟!
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
فلقد زادت الفتن في بلاد المسلمين بعد الربيع الغربي الكافر الذي ابتدعه الغرب لاثارة الفتنة في بلاد المسلمين وللأسف اقتنع بل انخدع به كثير من السذج وضعاف العقول فحسبوا أنهم سيخرجون من الشدة الى الرخاء ومن الذلة الى العزة ومن الفقر الى الغنى وخرجوا بمظاهرات هنا وهناك وواجهوا حكوماتهم بصدور عارية وامكانات معدومة فسفكت من دماء المسلمين عشرات الآلاف وهتكت أعراضهم وتشرد الناس وانقطعت الأرزاق وانقطعت السبل ودكت البيوت بل والقرى والمدن وتراجعوا الى الوراء عشرات السنين فزادوا على ما هم فيه من بلاء ونقص الى أسوأ مما كانوا فيه وإنا لله وإنا إليه راجعون.
وفئة أخرى ماكرة خداعة استغلت هذه الأجواء فأججوها وأيدوا الثورات وزادوا فيها بل منهم من أفتى بجوازها ومشروعيتها بل وجعلوها فرحة وانتصاراً وعزة وحرية وكرامة وشرفاً!! كل ذلك المكر السيئ من أجل الوصول الى السلطة والاستيلاء على الحكم ولو على حساب أرواح وأعراض وأموال المسلمين.
لقد مضت سنة الله تعالى ومازالت وستبقى الى قيام الساعة بأن الحق والباطل يتصارعان وأولياء الله وأعداؤه يتحاربون ويتقاتلون كما قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا (31)} [الفرقان]، وقال تعالى: {وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ ان تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَانَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ} [النساء: 104]، فاليهود والنصارى والمشركون والملحدون والروافض والباطنيون وأهل البدع والأهواء والأحزاب الضالة يجتمعون جميعاً يداً واحدة على المسلمين بكل وسيلة للسيطرة عليهم وللاستيلاء على رقابهم ولن يرضوا بأقل من ان نكون تابعين لهم ولملّتهم كما قال تعالى {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة: 120]، وقال تعالى: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً} [النساء: 89]، وقال تعالى: {شَيَاطِينَ الْانْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ الَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا} [الأنعام: 112]، وقال تعالى: {انَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا انَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ (6)} [فاطر]. والواجب ان ننتبه لهذه الحقيقة ونحذر كل الحذر حتى يسلم لنا ديننا ونأمن على أنفسنا وأهلينا وأوطاننا وأمننا، والسعيد من اتعظ بغيره والشقي من اتعظ به غيرُهُ.
و اعلم أيها القارئ الكريم ان من أبرز أساليبهم الماكرة تركيزهم على أمر الدنيا مع اهمالهم لأمر الدين، فتجدهم يؤججون الناس ويزيدون في مأساتهم فلا يكادون يتوقفون عن عبارات وشعارات محدودة وهي رفع الظلم، الحرية، استرداد الأموال، العدالة، النهضة، الاصلاح، القضاء على البطالة، الديموقراطية، المشاركة في الحكم، وصنع القرار ونحو هذه الشعارات ثم في نهاية كل هذه المساعي لا نجد أي تغير يذكر الا أشياء يسيرة لا تكاد تُرى بالعين المجردة!! لأن الغاية عندهم الوصول الى الحكم والاستيلاء على السلطة كفانا الله والمسلمين شرهم.
أخي القارئ العزيز والذي أريد أن أنبه عليه في مقالي هذا ان الحاكم شرعاً من حقه ان ينفرد بالحكم اذا رأى المصلحة في ذلك ولا يلزمه شرعاً، تنبه أقول شرعاً لا دستورياً ولا قانونياً وانما أقول يجوز للحاكم شرعاً ان يحكم بقرار أو حكم يراه مناسباً لرعيته ويجب على الرعية السمع والطاعة له شرعاً وتحرم مخالفته شرعاً ولا يلزمه ان يشاركه الشعب أو يحكم معه أحد من رعيته أو مستشاريه ما لم يأمر بمعصية الله ورسوله، فحينئذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. والدليل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَانْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ الَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ان كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59)} [النساء]، وقوله تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَاذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ان اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)} [آل عمران]. وقد بين أهل العلم ان هذه الآية نصٌ في ان الحاكم له ان يحكم حكماً فردياً ولو خالف الشورى لأن المستشارين قد يختلفون بما يشيرون به على الحاكم فحينئذ لزاماً سيختار أحد الرأيين او يختار رأياً خارجاً عن رأي المستشارين.
و اعلم ان القائلين بأن الحاكم لا يحق له ان يحكم حكماً فردياً لا يملكون دليلاً من الكتاب والسُّنَّة يدل على ما ذهبوا اليه، وأكبر دليل على ذلك أننا نجدهم يلجأون الى الاستدلال بالقانون أو الدستور بل ربما خدعوا الناس فأقنعوهم بأن الديموقراطية الغربية هي الشورى الشرعية أو ان الشورى ملزمة وكل ذلك بعيد عن الحق ولكن هكذا يفعل المفلسون، كفانا الله شرهم.
وأيضاً أريد ان أنبه على أمر مهم فأقول: اذا أجاز الشارع الحكيم للحاكم ان ينفرد بالحكم ومنع الدستور أو القانون الحاكم من اتخاذ الحكم الفردي فأي الأمرين مقدم على الآخر؟ لا شك ولا ريب ان أمر الله ورسوله مقدم على الدستور والقانون وهذا الذي يجب على كل مسلم اعتقاده والإيمان به والعمل بمقتضاه وبعد ذلك يجب على الحاكم ان يحكم بما أنزل الله ويجتهد في تحقيق مصالح رعيته بما شرح الله له صدره غير غافل عن كونه راعياً في رعيته ومسؤول عن رعيته.
أسأل الله تعالى ان يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، والحمد لله أولاً وآخراً وظاهراً وباطنا وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.