الكتاب و السُّنَّة و ما كان عليه سلف الأمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم النبين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإن عامة الطوائف التي تنتسب للاسلام تدعي ان مرجعها الكتاب والسُّنة ومع ذلك بينهم خلاف شديد، قد يبلغ الى ان يضلِّل أو يكفِّر بعضهم بعضاً، مما يدل على ان تمسكهم بالكتاب والسُّنَّة ليس تمسكاً صحيحاً ورجوعهم الى الكتاب والسُّنة ليس قويماً وذلك لأن كلاً منهم يفهم الكتاب والسُّنة بحسب فهمه وهواه فتفرقوا الى فرق وطوائف وأحزاب ومذاهب مخالفين بذلك قول الله تعالى {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105)} [آل عمران]، وقوله {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (53) فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ (54)} [المؤمنون]، وهدى الله تعالى من شاﺀ من عباده للنجاة من الغواية والضلالة فجنَّبهم سُبل الردى لما تمسكوا ودعوا وصبروا بالكتاب والسُّنة وما كان عليه سلف الأمة.
فما معنى سلف الأمة؟ ومن هم سلف الأمة؟ وما حكم اتباع سلف الأمة؟ وما الأدلة على ذلك؟
أولاً: سلف أي مضى، والأمة هي أمة محمد صلى الله عليه وسلم وهم من رضي بالله رباً وبالاسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً.
ثانياً: سلف الأمة هم الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم اجمعين ومن تبعهم باحسان من التابعين وتابعي التابعين، وفي الحديث: عن أبي هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «كل أمتي يدخلون الجنة الا من أبى»، قالوا: يا رسول الله، ومن يأبى؟ قال: «من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى» [صحيح البخاري- كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم- حديث: 6872].
ثالثاً: يجب اتباع سلف الأمة فيما يجب ويستحب اتباع سلف الأمة فيما يستحب.
رابعاً: الأدلة على وجوب اتباع سلف الأمة:
من الكتاب: قال تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115)} [النساء]، وسبيل المؤمنين أي طريق الصحابة، فتأمل لم يقل ﴿ وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ﴾ فحسب بل قال ﴿وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ﴾.
وقوله تعالى: { فَانْ آَمَنُوا بِمِثْلِ مَا آَمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا} [البقرة: 137]، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم.
ومنها قوله تعالى: {وَاذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا كَمَا آَمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آَمَنَ السُّفَهَاءُ} [البقرة: 13]، والمراد بالناس الصحابة رضي الله عنهم، فان قال قائل: وكيف نعرف ان المقصود في هذه الآيات هم الصحابة؟ فالجواب: لأن عند نزول القرآن لم يكن من أحد على الايمان الا الصحابة فتعين ان المقصود الصحابة وحدهم لا أحد غيرهم. < من السُّنَّة: وفي السُّنة أحاديث تدل على ذلك منها حديث الفرق الهالكة والفرقة الناجية. وفيه قال عليه الصلاة والسلام: ﴿من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي».فلم يقل عليه الصلاة والسلام من كان على ما أنا عليه اليوم فحسب بل قال أنا واصحابي.
ومنها حديث العرباض بن سارية المشهور وفيه: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاﺀ الراشدين تمسكوا بها».فلم يقل: سنتي فحسب، بل قال: وسنة الخلفاﺀ الراشدين، وهذا الحديث من الأدلة الدالة بوضوح شديد بأنه يجب علينا التمسك والرجوع الى الكتاب والسُّنة وما كان عليه سلف الأمة.
والخلاصة: ان اتباع سلف الأمة واعتماد فهمهم للكتاب والسنة وتطبيقهما تطبيقاً عملياً هو ذلك السبيل والمنهج الذي به يمتاز اصحاب الحق والهدى عن غيرهم من اصحاب الضلال والردى. وما اجمل ما قاله امام دار الهجرة الامام مالك بن أنس رحمه الله تعالى: (ما لم يكن يومئذ ديناً فلن يكون اليوم ديناً) أي ما لم يكن من أي اعتقاد أو عبادة أو منهج في زمن النبي صلى الله عليه وسلم واصحابه من الدين فلن يكون اليوم، أي بعد زمن النبي صلى الله عليه وسلم من الدين وذلك لأن الله تعالى قال في كتابه {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْاسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3].
والحمد لله أولا وآخراً وظاهراً وباطناً وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.