يا دكتور سؤالك ليس محرجاً كما تظن !!
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان الا على الظالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فلقد استمعت كما استمع غيري الى مقطع مسجل انتشر أخيراً للدكتور عبيد الوسمي أستاذ القانون الوضعي، وقد وضعوا للمقطع المذكور عنواناً كالآتي: «د.عبيد الوسمي يطرح سؤال محرج لعلماء و مشايخ السلطة الذين يحرمون أي حراك معارض: ما حكم الشرع في رد الحكم بشرع الله؟».
فأقول وبالله أستعين، وعليه أتوكل واليه أنيب:
إن سؤالك قد تم الجواب عليه مراراً و تكراراً، بل ان العلماء قد قرروا حكم ما سألت عنه قبل سؤالك بقرون لكن لعلك في غفلة ومشغول بدراسة القوانين الوضعية وتدريسها، وجئت متأخراً ففاتك العلم النافع وانشغلت بما لا ينفع وفرحت بما عندك من العلم، وتظن أنك على شيء.
و الجواب عن سؤالك الذي ظننت أنه محرج فأقول: الحكم بما أنزل الله تعالى على عباده واجب أوجبه الله على عباده بنصِّ القرآن الكريم، ولا يجوز رده، و الأدلة كثيرة أشهر من أن تُذكر، و لا أظنها تخفى على مسلم، لكن قصدك ظاهر جداً لا يحتاج الى ذكاء لاستنباطه، اذ أردت من العلماء ان يصدروا حكماً لشخص بعينه، وهذا لا يلزم كما لا يخفى، وسأضرب لك يا دكتور عبيد الوسمي مثالاً يتضح به ما قد يخفى عليك وعلى غيرك.
فلو قال قائل: ما حكم تارك الصلاة؟ فسيكون الجواب: الصلاة واجبة وهي عمود الاسلام، ومن تركها فقد كفر، فعن أبي سفيان، قال: سمعت جابراً -أي جابر بن عبدالله- يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «انَّ بَيْنَ الرَّجُلِ وبَيْنَ الشِّرْكِ والكُفْرِ تَرْكَ الصَّلاةِ» [صحيح مسلم- كتاب الايمان- حديث:141]، ولقوله صلى الله عليه وسلم: «العَهدُ الذي بَينَنا وبَينَهُم الصلاةُ، فمن تَرَكَها فَقَد كَفَرَ» [رواه الترمذي في سننه رقم: 2621].
فأقول: يا دكتور أليس هذا كافياً دون ان أحدد في الجواب زيداً أو عبيداً بعينه ذلك الذي لا يصلي؟ أظن كل منصف سيقول: بلى.
وأما ما قرره الدكتور عبيد الوسمي -وفقه الله لهداه- بأن الذي يعرفه كما قال: (الخوارج الذي اعلم ان هم يخرجون بالسيف بالقوة بهدف نزع السلطة، وهذا الأمر لا يتوافر في الوضع اللي بالكويت، يعني الناس اللي تعترض لا طالعة بالسيف ولا الهدف منها اسقاط النظام، هم طالعين يعترضون فقط، وهذا شكل من أشكال الاعتراض) انتهى كلامه.
فأقول: قد أحسن من انتهى الى ما يعلم، والدكتور عبيد قال هذا حسب علمه كما صرح بذلك، فهو لا يعلم ان الخوارج بداية خروجهم الاعتراض بالكلام، ونهايته بالسيف ونزع السلطة، فنظرته كانت الى واقع الخوارج في نهايته وغفل عن واقعهم في بدايته، وهذا الأمر و ان كان واضحاً جلياً وتم نشره وتوضيحه مراراً وتكراراً الا ان الدكتور عبيد -حسب ادعائه- لا يعلمه، ومع استبعاد هذا الاحتمال لعلنا نلتمس له عذر الجهل لاسيما وهو رجل قانون بعيد جداً عن الجانب الشرعي، وهكذا عادة من تكلم في غير ما يحسنه أتى بالعجائب والغرائب والمتناقضات. ثم من وصفهم بعلماء السلطة في الحقيقة والواقع هم أبعد الناس عن السلطة وأزهد الناس بالمناصب الدنيوية، بل منهم من مات وبقيت فتاواه في تحريم المظاهرات والمسيرات والنقد العلني وتهييج الناس والدعوة الى المصادمات كأمثال الشيخ العلامة عبدالعزيز بن باز، والشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين، والشيخ المحدث العلامة محمد ناصر الدين الألباني.
وبالمقابل دعاة التهييج والمعارضة والمظاهرات والمسيرات ومن أيّد ما يُسمى بـ«الربيع العربي» هم أكثر الناس حرصاً على السلطة وحاشية الحكام وأرباب المناصب وهم أغلب مستشاري الحكام!! فليت شعري لو أنصف الدكتور عبيد الوسمي لما جازف بما قال و رمى الأبرياء بما لمزهم به، قال تعالى: {وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ اثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَاثْمًا مُبِينًا (112)} [النساء]، وهنا ثمة مسألة خطيرة جداً وهي ان حكم من رد الشريعة أو تحاكم الى الدساتير الوضعية هل ينطبق على الحاكم والحكومات دون غيرهم؟
الجواب: قطعاً لا، بل يدخل فيه دخولاً أولياً بلا أدنى شك الدكتور عبيد الوسمي ذاته، فهو من أكثر الناس دعوة الى التحاكم الى الدستور واعتماده مرجعاً في كل صغير وكبير على عُجَرِه وبُجَرِه، فلا توهم الناس بأن الحكومة أو الحاكم وحده يتحمل تعطيل شرع الله تعالى وأنتم من أشد الناس مطالبة بتحكيم الدستور ولو خالف شرع الله سبحانه وتعالى.
ان شرع الله تعالى هو دينه الذي أنزله لعباده وأمرهم ان يمتثلوه، حكاماً ومحكومين، حكومة وشعباً، رجالاً ونساء، أغنياء وفقراء، أغلبية وأقلية، عرباً وعجماً، لذا قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ انَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208)} [البقرة]، ويقول الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْاسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3]، فتدبر يا دكتور عبيد قوله تعالى (لكم)، ولم يقل للحكام ولا للحكومة فابدأ بنفسك واعمل بشرع الله تعالى ما استطعت لا ان تطالب الحكومة بتطبيق الشرع -وهذا حق- و تسمح لنفسك ان تنفلت من أحكام الله تعالى كما تشاء ويحلو لك، فهذا لا يجوز شرعاً ولا يقبل عقلاً، فالله تعالى سريع الحساب ولا يخفى عليه خافية، وسيحاسبك ويحاسب غيرك. ومثلك كمثل من قيل له: لا تسرق الدينار، فقال: ان فلاناً قد سرق المليار!! فهل هذا الجواب يبرر سرقة الدينار؟ قال تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)} [الزلزلة].
يا أخ عبيد حضرتك دكتور ومثقف ومتعلم كيف سمحت لنفسك ان ترد بهذا الرد؟ ردك هذا سيفتح باباً لكل صاحب باطل، فمن يعاكس النساء سيقول: غيري يزني، ومن يضرب الناس سيقول: غيري يقتل، ومن يعصي، سيقول: غيري يكفر، اذن ماذا نفعل هل نقرُّ كل باطل بحجة ان غيرنا يفعل مثله أو أكثر منه؟! يا دكتور عبيد، وفقك الله لهداه، ما أشرت اليه من ان شخصاً قال لك لا تثيروا الفتنة، فهذا حق وجزاه الله خيراً، وقد أحسن اليك بالنصيحة، وأنكر عليك وعلى غيرك ما تثيرونه هنا وهناك بأعمال قد تذهب بالعباد والبلاد الى فتن كقطع الليل المظلم والسعيد من اتعظ بغيره، والشقي من اتعظ به غيره.
وأخيراً أسأل الله ان يوفق الدكتور عبيد الى الحق وأن يبصره فيه، وأوصيه ونفسي بتقوى الله تعالى والتفقه في الدين والتوبة والنصوح من كل ذنب. اسأل الله تبارك وتعالى ان يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن. والحمد لله أولا وآخراً وظاهراً وباطناً وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.