أسباب ضلال أهل البدع و الأهواء
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإن أبرزَ أسباب ضلال وانحراف أهل البدع والمحدثات الذين يحدثون في الدين ما ليس منه ويتبعون أهواءهم بغير علم ثلاثةُ أسباب وهي:
الأول: عدم وجود الدليل.
الثاني: الدليل غير صحيح.
الثالث: الدليل غير صريح.
و أُفَصِّلُ هذا فأقول، وبالله أستعين، وعليه أتوكل، وإليه أنيب:
أن البدعة هي إحداثُ أمرٍ في الدين يحدثه المبتدع من هوى نفسه ويقصد به التقرب إلى الله تعالى غير مستند في بدعته إلى دليل من الكتاب والسنة، وهذا الابتداع والإحداث في الدين من كبائر الذنوب، بل هو من جنس الشرك بالله تعالى؛ كما قال عز وجل (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ) [الشورى21]، لذا وصف النبي صلى الله عليه وسلم البدعة بأنها «شر الأمور» «إن شر الأمور محدثاتها» كما في حديث جابر رضي الله عنه في صحيح الجامع [1353]. والبدعة قرينة الشرك؛ لذلك قلما تجد مبتدعاً قد تأصَّلت به بدعته إلا وعنده من الشركيات شيء قلّ أو كثر، أو تجده يقلل من شأن الشرك ويبرر لأهله. قال سفيان الثوري رحمه الله تعالى:- «البدعة أحب إلى إبليس من المعصية، والمعصية يتاب منها والبدعة لا يتاب منها» [اعتقاد أهل السنة اللالكائي 132/1].
أخي القارئ الكريم، اعرف وافهم هذا جيداً، واعتني به واجعله سلاحاً لك ضد أهل البدع والأهواء؛ أن من أثبت عبادة لله عز وجل لزمه إقامة الدليل على مشروعيتها، وهو المطالب بالدليل ولست أنت، ولا يلتبس عليك قول المبتدع (ما الدليل على أن كذا وكذا بدعة؟)، بل قل له أنت ما دليلك على أن كذا وكذا من العبادة المشروعة؟ ويكفي السنيَّ أن يقول الدليل على أن البدعة حرام، ولا يجوز التعبد بها (عدم وجود دليل عليها)، فلا يمكن أن نجد دليلًا لكل بدعة لنردها بعينها، وإنما بالدليل العام الذي ينهى فيه عن البدع كلها؛ كقوله صلى الله عليه وسلم «كل بدعة ضلالة» كما في حديث جابر رضي الله عنه صحيح الجامع [1353]، وحديث ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)). كما في الصحيحين البخاري: [2697] ومسلم : [1718]، فإذا قال المبتدع زوراً وبهتاناً (ليس ممنوعاً على الناس أن يذكروا الله بصيغ هم يخترعونها طالما أنها لا تناقض الشرع)، فقل له كذبت، بل ممنوع، لقد مَنع من ذلك الرسولُ صلى الله عليه وسلم وقال «وإياكم ومحدثات الأمور»، ولقد أكمل الله تعالى الدين، وأتمّ النعمة، فلا يجوز أن نخترع أذكاراً ولا صلوات ولا غيرها. وقل له كيف تقول ((لا تُناقِضِ الشرعَ))، والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن البدع فهي مناقضة للشرع من أصلها، فلو كنت تعقل ما تتكلم به ما قلت هذا القول المتناقض.
أخي القارئ، ما أجرأ المبتدعة على الله تعالى وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم وعلى دين الإسلام!! استمع إلى قول المبتدع: «الفرح بولادة النبي صلى الله عليه وسلم مشروع، وهناك أدلة كثيرة عليه» فسبحان الله أين هذه الأدلة الكثيرة؟! لقد عجز عن ذكر دليل واحد مع كثرتها كما يزعم، لكن قد اعتاد هو وأمثاله على ترويج البدع بمجرد الدعاوى من غير إقامة البينات. بينما نجد أن الله تعالى أقام الأدلة على وحدانيته بآيات لا تحصى، الآيات الكونية والشرعية وإقامة الأدلة الكثيرة على صدق رسله وأيدهم بالآيات، وهذا المبتدع يخترع بدعة ولا يملك عليها أي دليل ويَلْبِسُ الحقَّ بالباطل، ويكتفي بقوله (هناك أدلة كثيرة).
اعلم عزيزي القارئ، حفظني الله وإياك من البدع وأهلها أن أهل البدع والأهواء لا يملكون أدلة على بدعهم، وهذا مسلكهم في عموم بدعهم وضلالاتهم، فإن حُوصِروا وأَكْثَرَ عليهم الناسُ وطالبوهم بالدليل لجأوا إلى ذكر بعض الأدلة التي لا تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم إما أحاديث موضوعة مكذوبة، وإما أخبار منقطعة واهية هالكة، وإما أحاديث بأسانيد ضعيفة، فهم إما لا دليل لديهم، وإما لهم دليل لكن غير صحيح. لذلك نجد حماة الدين والعقيدة في القديم والحديث تصدوا للأحاديث الموضوعة والواهية والضعيفة وميزوا الخبيث من الطيب وهذه منقبة لأهل الحديث دون غيرهم من أهل الأهواء والبدع الذين لا يعرفون الصحيح من السقيم، فاعتمدوا في عقائدهم وعباداتهم على أدلة باطلة ومكذوبة وضعيفة، فضلوا وأضلوا، فهذان سببان لضلال أهل البدع، إما لا دليل لهم على بدعتهم، أو لهم دليل لكن غير صحيح.
وأما السبب الثالث وهو الأخطر على الإطلاق من أسباب ضلال أهل البدع والأهواء استدلالهم بالدليل الصحيح غير الصريح!! أخي القارئ الكريم، اعلم رحمني الله وإياك أن عامة خلق الله من الجن والإنس تأولوا تأويلات باطلة للأدلة الصحيحة، فخرجوا على الناس ببدعهم وضلالاتهم، فبحجة محبة الصالحين والتي أمر الله تعالى بها عبدوهم من دون الله تعالى، وبحجة تعظيم آل البيت اعتقدوا فيهم ما لا يليق إلا بالله وحده، وبحجة ذكر الله والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أحدثوا الموالد والرقص والترنم والغناء الجنوني، وزعموا أنه عبادة لله تعالى، وبحجة الجهاد في سبيل الله تعالى سفكوا دماء الأبرياء، وبحجة تنزيه الخالق عن المثيل والنظير أنكروا صفاته، سلبوه الكمال والجلال، وبحجة الغيرة على الدين كفَّروا المسلمين ونقضوا العهود والمواثيق، وبحجة الورع والزهد حرموا ما أباح الله تعالى من الطيبات التي أخرجها لعباده، وبحجة إيجاد البديل ابتدعوا في دين الله ما لم يأذن به الله، استدلوا بالأدلة المطلقة من غير تقيُّد، وبالأدلة المجملة من غير تفصيل، وبالأدلة العامة من غير تخصيص، واستدلوا بشرع مَن قبلنا على شرعنا، بدأهم إبليس لما استدل وقال (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (12)) [الأعراف]، وتابعه المشركون الأوائل فقالوا (لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آَبَاؤُنَا) [الأنعام-148]. فتأمل يا رعاك الله كيف اجتمع في قول هؤلاء الحق والباطل، فإبليس خلقه الله من نار وهذا حق، وآدم عليه السلام خلقه الله من طين وهذا حق أيضا لكن استدلال إبليس بهذا الحق على أنه خير من آدم عليه السلام؛ استدلال باطل. والمشركون قالوا (لو شاء الله ما أشركنا) وهذا حق؛ لأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، ولا يمكن لأحد أن يشرك بالله من غير مشيئته وإذنه، لكنْ إذنه الكوني القدري لا إذنه الشرعي، فإن الله - وإن شاء أن يكفر الكافر - لم يأمره بالكفر ولا يرضى له به؛ كما قال تعالى (إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ) [الزمر 7]. وهكذا المبتدع يجمع في بدعته حقاً وباطلاً، ولو اقتصر على الباطل ما استطاع أن يروّج بدعته، فهو يفعل فعل أهل الكتاب يلبسون الحق بالباطل أو فعل التاجر الغشاش الذي يخلط البضاعة الرديئة بالبضاعة الجيدة، ولو أظهر بضاعته السيئة ما استطاع أن يكسب المال الحرام وبشراهة وشراسة!! فتنبهوا يا أهل التوحيد يا أهل السنة من أساليب أهل البدع والأهواء، وحاربوهم بسلاح العلم النافع وما أجمل ما قال شيخ الإسلام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله تعالى - والعامي من الموحدين يغلب الألف من علماء هؤلاء المشركين؛ كما قال تعالى: (وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ) [ الصافات:173 ] [كتاب كشف الشبهات صفحه 11]. وصدق رحمه الله تعالى، فالمبتدع لا يواجه السني، بل يروغ منه كما يروغ الثعلب، ويلقي بسمومه من بعيد ومن وراء جدر، تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى، طرقٌ ومذاهبُ وعقائدُ لا يعملون إلا في الظلام، وفي النهاية ظهر أمرهم، وصوروا أنفسهم، فربما في السابق كان الناس لا يعرفون حقائقهم، لكن اليوم وقف الناس على أشرطتهم وصوروهم، وهم كما قالوا عن أنفسهم «يقومون بطقوسهم» نسأل الله العفو والعافية.
والخلاصة
أن أسباب ضلال أهل البدع والأهواء إما لأنه لا دليل لهم أو دليلهم ليس بصحيح أو صحيح لكن ليس بصريح، هذا وأسأل الله تعالى الثبات لي ولكل سني على الحق المبين وأن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، والحمد لله أولاً وآخراً، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.