موقع الشيخ
حفظه الله
سالم بن سعد الطويل

انشغال الدعاة بالسياسة عن إنكار المنكرات

8 ربيع الآخر 1434 |

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:

فإن انتشار المنكرات أمر خطير جداً على العباد والبلاد، قال تعالى: ﴿وَاذَا أَرَدْنَا ان نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (16)﴾ [الاسراء]، وفي الحديث، عن عروة بن الزبير، ان زينب بنت أبي سلمة، حدثته عن أم حبيبة بنت أبي سفيان، عن زينب بنت جحش، رضي الله عنهن، ان النبي صلى الله عليه وسلم، دخل عليها فزعاً يقول: «لا الَه الا الله، وَيْلٌ للعَرَبِ مِن شَرٍّ قَد اقترب، فُتحَ اليَوْمَ مِن رَدْمِ يَأْجُوجَ ومَأْجُوجَ مِثْلُ هَذه»، وحلّق باصبعه الابهام والتي تليها، قالت زينب بنت جحش: فقلت يا رسول الله: أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: «نَعم اذا كَثُرَ الخَبَثُ» [رواه البخاري - حديث: (‏3184)‏، ورواه مسلم- حديث: (‏5237)].

والواجب على دعاة المسلمين ألا يغيب عنهم ان تخليهم عن انكار المنكرات والتقاعس عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو أكبر سبب للهلاك، بل لا يكفي الصلاحُ من غير اصلاحٍ، قال تعالى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ (117)}[هود]، فقال الله تعالى: (مصلحون) ولم يقل (صالحون).

نعم أخي القارئ الكريم، لقد ضعفت الدعوة جداً، وأسأل نفسك منذ متى آخر مرة سمعت خطيباً أو داعياً يحذّر من التبرج والسفور؟ أو متى آخر مرة سمعت من يذكِّر الناس بحديث: «لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا، ومؤكله، وكاتبه، وشاهديه»، وقال: «هم سواء» [رواه مسلم- رقم:1598]، أو يذكّرهم بحديث: «صنفان من أهل النار لم أرهما، قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات، رءوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، وان ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا» [رواه مسلم، رقم: 2128].

بل أصبحنا لا نسمع الا قليلاً من يأمر الناس بالصلاة وينهاهم عن الاختلاط أو أكل الحرام، أو ينهاهم عن منكرات الأفراح والأعياد والمناسبات. الله المستعان، جل اهتمامات الخاصة والعامة بالانتخابات والمنافسات واللهو والغفلة والمسابقات والخمر والميسر الا من رحم الله تعالى، ومن المؤسف جداً ان كثيراً من الدعاة وطلبة العلم والمشايخ والمتخصصين في علوم الشريعة قد خاضوا مع الخائضين وتخلوا عن كثير من أحكام الدين حتى أصبح أحدهم يستدل بكلام الغربيين أكثر من كلام رب العالمين، ويدافع عن القوانين ويطالب بها أكثر من مطالبته بتطبيق الكتاب والسُّنة و إنّا لله و إنا اليه راجعون. بل أصبح الذي يدعو الى توحيد الله تعالى والتمسك بالسُّنة والاستقامة على أمر الله ورسوله منبوذاً من قِبَل كثير من الدعاة، هذا ان لم يحرّضوا عليه عامة المسلمين، وما ذاك الا ليخلوا لهم الجو، فيَصِلُوا الى ما يريدون ان يصلوا اليه باسم الدين.

حقاً نحن في خطر كبير وعلى شفا حفرة عميقة نوشك على الهلاك، فمن فتنة الى فتنة، ومن حرب الى حرب، ومن مصيبة الى أكبر من أختها، الا ان يتداركنا الله تعالى بتوفيق منه فنرجع الى ديننا، وفي الحديث قال الصادق المصدوق: «اذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا الى دينكم» [رواه أبو داود، رقم: 3462]. وفي هذا الحديث ذكر لنا النبي صلى الله عليه وسلم الداء والدواء.

أما الداء فخلاصته: تبايعتم بالعينة وهي الربا مع التحايل على حرمات الله، وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع: وهو الركون الى الدنيا وجعلها الهم الأكبر وتركتم الجهاد، أي: تركتم نصرة الدين فلا تجاهدون لا بالنفس ولا بالمال ولا بالدعوة ولا بالأمر بالمعروف ولا بالنهي عن المنكر.

النتيجة: سلط الله عليكم ذلاً وهواناً من عدوكم، من شياطين الجن والانس ومن الشرق والغرب.

الدواء والمخرج: حتى ترجعوا الى دينكم الذي خلقتم من أجله فتتمسكوا به كما أمركم.

أخي القارئ الكريم كم هو مؤلم ان يتراجع الدعاة عن الدعوة الى الله تعالى بانشغالهم في الدنيا فعليها يتنافسون ومن أجلها يغضبون، حتى ربوا عامة الناس على ذلك طمعاً في التوصل للسلطة ولو على حساب الدين، فلتتنبه لذلك ولنتدارك أنفسنا فالأمر خطير جداً، ولنتذكر قول الله تعالى: {انَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11]، وقوله: {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا (8) فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا (9) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آَمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ الَيْكُمْ ذِكْرًا (10)} [الطلاق].

أسأل الله ان يحفظنا ويحفظ بلاد المسلمين من الفتن ما ظهر منها وما بطن، والحمد لله أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

المقالات