نعم أيها الكاتب المبطل: أهل الجنة يرون الله تعالى بأعينهم يوم القيامة (١)
الرد على «علي المتروك»
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين، وصلى الله وسلم وبارك على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فلقد نشر أحد الكتَّاب مقالاً بعنوان «هل يمكن رؤية الله يوم القيامة»، وأنكر في مقاله رؤية الله تعالى وشكّك المسلمين في ذلك، لذا رأيت من الواجب عليَّ أن أتصدى للرد عليه نصرة للحق، ونصيحة للخلق، ودحضاً للباطل الذي سطره في مقاله، والذي يمثل عقيدة المعتزلة والجهمية والروافض الباطنية، فأقول وبالله أستعين، وعليه أتوكل وإليه أنيب:
قال المبطل في مقاله: «سؤال يثور حوله الجدل والحيرة وهو هل يرى الإنسان الله بعينه المجردة يوم القيامة؟ وسيبقى هذا السؤال بلا إجابة حتى يرث الله الأرض ومن عليها» انتهى كلامه.
قلت: من أول عبارة نطق المبطل بالباطل المبين وناقض نفسه بنفسه، فقد أورد سؤالاً وزعم أن هذا السؤال سيبقى بلا إجابة حتى يرث الله الأرض ومن عليها، ومع هذا الزعم أجاب عن السؤال في مقاله ذاته والذي خلص فيه إلى أن الله تعالى -والعياذ بالله- لا يُرى ﴿سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ (16)﴾ [النور]. فكيف يقول إنه سؤال لا جواب عليه ثم يجيب عنه؟! والحق أن سؤاله لا يثور حوله الجدل والحيرة ولا هم يحزنون، بل هذا السؤال قد أثير منذ قرون طويلة وتم عليه الجواب المبين لكن ظن هذا المبطل لجهله بسنة النبي صلى الله عليه وسلم بل بسبب عدم إيمانه بها أن السؤال محير ولا جواب عنه إلا ما ذكره من فلسفة المعتزلة، بل كيف سيجيد الكلام في العقيدة وهو غير متخصص بالعلم الشرعي لا من قريب ولا من بعيد، وهذا شأن من تكلم في ما لا يحسنه، فعادة يأتي بالغرائب والعجائب والتناقض، فلقد أخرج البخاري في صحيحه (6088) ومسلم في صحيحه أيضاً (267) عن أبي هريرة، قال: قال أناس: يا رسول الله، هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال: «هل تضارون في الشمس ليس دونها سحاب»، قالوا: لا يا رسول الله، قال: «هل تضارون في القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب»، قالوا: لا يا رسول الله، قال: «فإنكم ترونه يوم القيامة كذلك...» [الحديث]. فمن تأمل هذا الحديث يجزم بأن المبطل لو كان يؤمن بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كتب في مقاله ذلك الاعتقاد الفاسد.
ثم هذا الكاتب المبطل جهل أو تجاهل الأحاديث المتواترة الكثيرة الدالة على ثبوت رؤية المؤمنين لله تعالى يوم القيامة، ليس هذا فحسب بل استبدلها بحديث باطل ما أنزل الله به من سلطان فزعم أن الله قال في حديث قدسي عن علة خلق الإنسان بقوله: «كنت كنزاً مخفياً فخلقت الخلق لكي أعرف»، وهذا حديث موضوع مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم [انظر: كشف الخفاء للعجلوني برقم (2016)]، ثم زعم الكاتب المبطل بكلام باطل كذب فيه على نبي الله إبراهيم الخليل عليه السلام، فقال: «لقد حدثنا القرآن الكريم عن معاناة إبراهيم الخليل عليه السلام، وهو يبحث عن ربه ويتحدث القرآن عن هذه الحادثة فيقول: ﴿فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (78)﴾ [الأنعام]، انتهى كلامه.
قلت: لم يكن إبراهيم عليه السلام شاكاً بالله تعالى ولم يكن يبحث عن ربه كما ظنَّ الكاتب المبطل وإنما فرض هذه المناظرة أمام قومه ليقيم الحجة البالغة عليهم لذا قال تعالى بعد سياق هذه القصة: ﴿وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آَتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (83)﴾ [الأنعام].
ثم زعم الكاتب المبطل زوراً وبهتاناً أن نبي الله موسى عليه السلام سأل الله تعالى رؤيته تحت إلحاح بني إسرائيل فقال: «أما موسى الكليم فتحت إلحاح بني إسرائيل قال: ﴿وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143)﴾ [الأعراف]. ومن سياق هذه الآية نرى أن موسى الكليم عليه السلام كان يعرف مسبقاً أنه لا يستطيع رؤية الله بعينه المجردة ومن هنا قال: أرني أنظر إليك أي اجعل عيني تستطيع أن تراك وكانت النتيجة كما روتها الآية الكريمة» انتهى كلامه.
قلت: وهذا الكلام فيه من الباطل ما فيه:
أولاً: من أين لك يا مبطل أن موسى عليه السلام سأل الله رؤيته تحت إلحاح بني إسرائيل؟ فالذي ذكره الله في كتابه أن بني إسرائيل أهلكهم الله بالصاعقة لما قالوا ﴿لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (55)﴾ [البقرة].
ثانياً: كيف تزعم أن موسى عليه السلام يعرف مسبقاً أنه لا يستطيع رؤية الله بعينه المجردة؟ بل الواجب أن نظن بموسى عليه السلام خيراً، فلو كان يعرف مسبقاً أنه لا يرى الله تعالى لما سأل الله تعالى ذلك.
ثالثاً: لو أن موسى عليه السلام سأل الله تعالى أمراً غير ممكن ولا حق له فيه لكان الجواب غير ما ذكر الله تعالى والدليل على ذلك أن نوحاً عليه السلام، لما قال: ﴿رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (45)﴾ [هود]، فاسْتَعْلَم عن حال ولده الذي غرق وقد وعده الله بنجاة أهله، وبما أن وعد الله حق ولا يخالف الميعاد فكيف غرق ابنه والله أحكم الحاكمين؟! فقال الله تعالى: ﴿قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ﴾ [هود: 46]، والله وعده الحق إذ قال: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آَمَنَ وَمَا آَمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ (40)﴾ [هود]، وهذا الولد ممن سبق عليه القول بالغرق لكفره وتكذيبه لأبيه عليه السلام، لذا قال تعالى: ﴿قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (46)﴾ [هود]، أي: أعظك تسألني هذا السؤال وأنت الذي دعوت على الكافرين بقولك: ﴿رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26)﴾[نوح]، أي صاحب دار، فكيف تسأل نجاة ابنك الكافر؟!
أقول: فلو كان موسى عليه السلام ليس له الحق بسؤال الله تعالى رؤيته لعاتبه الله تعالى كما عاتب نوحاً عليه السلام فتبين بهذا بطلان كلام الكاتب المبطل عندما قال إن موسى عليه السلام كان يعرف مسبقاً أنه لا يستطيع رؤية الله بعينه المجردة.
رابعاً: لو كان الله تعالى لا يرى بالعين المجردة كما زعم الكاتب المبطل لكان المناسب للجواب على موسى عليه السلام أن يقال: إني لا أُرى، لكن جاء الجواب بقوله تعالى: ﴿لَنْ تَرَانِي﴾ وفرق كبير بين الجوابين ولذلك لو كان الله تعالى لا يُرى بالعين المجردة لما قال الله تعالى: ﴿وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي﴾ [الأعراف: 143]، وهذا يدل على أن الله تعالى لا يُرى في الدنيا ولا يدل بوجه من الوجوه أن الله لا يرى يوم القيامة. لذا صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ لَنْ تَرَوْا رَبَّكُمْ عَزَّ وَجَلَّ حَتَّى تَمُوتُوا» [السنن الكبرى للنسائي- حديث:7509، السنة لابن أبي عاصم، حديث:346]. وأما ما زعمه أهل الباطل من أن «لن» تفيد نفي التأبيد كما في قوله تعالى (لن تراني) فهذا كذب على اللغة وأهلها. قال ابن مالك في ألفيته:
ومن رأى النفي بـ (لن) مؤبداً ***** فقوله اردد وسواه فاعضدا
وأقول أيضاً: والذي يؤكد أن (لن) ليست لنفي التأييد ما استدل به أهل العلم في قوله تعالى عن الكفار ﴿فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (94) وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ﴾ [البقرة: 94- 95]، وهذا في الدنيا لن يتمنوا الموت أبداً لكن في الآخرة إذا دخلوا جهنم فإنهم يتمنون الموت كما دل على ذلك قوله تعالى: ﴿وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ (77) لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ (78)﴾ [الزخرف]، وهكذا الشأن في مسألتنا فموسى عليه السلام لن يرى الله تعالى في الدنيا لكنه سيرى الله تعالى يوم القيامة في الجنة، نسأل الله أن يحشرنا وإياه ونبينا محمداً صلى الله عليه وسلم ويدخلنا جنته ونرى ربنا تبارك وتعالى.
قال الكاتب المبطل مشيراً إلى عقيدته الباطلة بأن الله لا يُرى فقال: (فهو يدرك الأبصار ولا تدركه الأبصار) انتهى كلامه.
أقول: يشير إلى قول الله تعالى: ﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (103)﴾ [الأنعام]، والحق أن هذه الآية لا تدل لا من قريب ولا من بعيد على نفي رؤية الله تعالى يوم القيامة بتاتاً وللعلماء في توجيه هذه الآية وجهان:
الوجه الأول: أن الإدراك غير الرؤية والمنفي غير المثبت فالذي نفاه الله تعالى الإدراك والذي أثبته الرؤية وبينهما فرق كما بين ذلك غير واحد من المفسرين، فالإدراك الوقوف على كنه الشيء أو الإحاطة به أما الرؤية فمعناها المعاينة. ومما يدل على ذلك ما ذكره الله تعالى في كتابه في قوله: ﴿فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62)﴾ [الشعراء]، أي لما تراءى جمع موسى عليه السلام وجمع فرعون فأثبت الله الترائي أي: رأى بعضهم بعضاً، قال أصحاب موسى عليه السلام (إنا لمدركون)، أي: سيحيطون بنا ويدركوننا، فقال موسى عليه السلام: كلا، قال ذلك ثقة بوعد ربه تبارك وتعالى الذي قال: ﴿لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى (77)﴾ [طه]، فنفى الإدراك مع إثبات الرؤية.
كما أنه تعالى يعْلمُ عنه عباده شيئاً من أسمائه وصفاته لكن لا يحيطون به علماً كما قال تعالى: ﴿وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا (110)﴾ [طه]، فنفى الإحاطة مع ثبوت العلم، وقد ذكر بعض أهل العلم أمثلة للرؤية من غير إدراك، كرؤية الشمس ورؤية الشخص من بعيد، فإنك ترى الشمس ولا تدركها وترى الشخص عن بعد ولا تدركه.
الوجه الثاني: ما ذكره البغوي في تفسيره عن ابن عباس رضي الله عنهما ومقاتل أنهما قالا: لا تدركه الأبصار في الدنيا وهو يُرى في الآخرة، وهذا الذي نفته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها لما قالت: من حدثك أن محمداً صلى الله عليه وسلم رأى ربه فقد كذب، ثم قرأت: ﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (103)﴾ [الأنعام]، [صحيح البخاري، حديث:4577]. فلقد كان جوابها على من سألها هل رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه؟ ولم يسألها السائل هل سيرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه، والفرق بين صيغة السؤالين ظاهر وواضح لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
أخي القارئ الكريم لم أنته من الرد على الكاتب المبطل فيما زعمه بأن الله تعالى لا يرى يوم القيامة فتابعني في المقال القادم إن شاء الله فلن أسمح للمبطل أن يشكِّك في عقيدة المسلمين.
والله أسأل أن يرزقني ووالدي والمسلمين لذة النظر إلى وجه الله الكريم، والحمد لله أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.