نعم أيها الكاتب المبطل: أهل الجنة يرون الله تعالى بأعينهم يوم القيامة (٢)
الرد على «علي المتروك»
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
فهذه الحلقة الثانية في الرد على الكاتب المبطل الذي زعم بأن الله لا يُرى وذلك في مقال له نشره في جريدة الوطن بعنوان (هل يمكن رؤية الله يوم القيامة؟) فأقول وبالله أستعين وعليه أتوكل وإليه أنيب:
لقد استدل الكاتب بكلام فلسفي مشهور عن المعتزلة وأسلافهم مأثور ، وظن كما ظنوا بأنه كلام منطقي عقلاني وهو بعيد كل البعد عن العقل السليم الصريح فقال: (تثبت الأدلة العقلية أن الله لا يمكن أن يرى بالعين، لأن العين المجردة لا تستطيع أن ترى إلا الأجسام، وأقرب مثال على ذلك عدم القدرة على رؤية الهواء مثلاً فإذا لم يكن الشيء جسماً لا يمكن أن تراه العين، وبمعنى إذا تمكنا من رؤية شيء بالعين فلأن لهذا الشيء حيزاً وكتلة في حين أن الله سبحانه وتعالى أرفع من أن يتصف بهذه الصفات فهو وجود غير محدود ليس كمثله شيء)، إلخ كلامه.
أقول: هذا الكلام اشتمل على كثير من الباطل:
أولاً: زعم أن الأدلة العقلية تثبت أن الله لا يمكن أن يرى بالعين والحق الذي عليه المسلمون أن العقيدة تثبت بالأدلة النقلية أدلة الكتاب والسُّنَّة لا بالأدلة العقلية، وذلك لأن العقل قاصر محدود والعقول متفاوتة لا يمكن الاعتماد عليها في إثبات الأمور العقدية.
و للتوضيح: العقيدة هي الإيمان بالغيبيات كما وصف الله عباده المؤمنين المتقين في أول سورة البقرة فقال: ﴿ الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾ [البقرة: 1-3]، والغيب لا تحيط به ولا تدركه العقول فإذا ثبت بالأدلة النقلية أي بأدلة الكتاب والسُّنَّة بأن الله يُرى، وجب علينا الإيمان بذلك وإلا ما الفرق بيننا وبين الكفار؟!
والأمثلة على ذلك كثيرة جداً جداً اكتفي بذكر مثالين:
الأول: نحن المسلمون نؤمن بالإسراء والمعراج وهو أن الله تعالى أسرى بعبده -بجسده و روحه- ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الاقصى ثم عرج به إلى السماوات العُلا كل ذلك حدث في ليلة واحدة، ومن أنكر هذا بحجة أن العقل لا يثبت ذلك فقد كفر.
المثال الثاني: قيام الساعة وإحياء الله الموتى وبعثه إياهم خلقاً جديداً وغير ذلك مما أنكره المشركون وأثبته رب العالمين في كتابه وأخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته وآمن به المسلمون فهذه الحقيقة الكبرى يكذب بها الكفار المجرمون بحجة أن العقل لا يثبت ذلك.
إذا عرفت أخي القارئ الكريم هذا تبين لك بوضوح تام بطلان ما قرره الكاتب بقوله (تثبت الأدلة العقلية أن الله لا يمكن أن يرى بالعين).
ثانياً: إذا عجز العقل أو قصر عن إثبات حقيقة ما و دلت الأدلة من الكتاب والسُّنَّة على تلك الحقيقة التي عجز العقل أو قصر عن إثباتها وجب علينا الإيمان بالأدلة النقلية والاعتقاد بما دلت عليه. فمثلاً لو عقل الكاتب و أمثاله عجزت و قصرت عن أن تستوعب أن الله يرى يوم القيامة والله يقول في كتابه ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)﴾ [القيامة]، و قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنكم سترون ربكم عياناً» [رواه البخاري من حديث جرير بن عبد الله رقم: (7020)]، وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا دخل أهل الجنَّةِ الجنَّةَ، قال: يقول الله تبارك وتعالى: تريدون شيئاً أزيدكم؟ فيقولون: ألم تُبيِّض وجوهنا؟ ألم تُدْخِلنا الجنَّةَ، وتُنَجِّنَا من النَّارِ؟ قال: فَيَكْشِفُ الحِجَابَ، فما أُعطوا شيئاً أحبَّ إليهم من النَّظر إلى ربهم عزَّ وجَلَّ»، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا يزيد بن هارون، عن حماد بن سلمة، بهذا الإسناد وزاد ثم تلا هذه الآية: ﴿للذين أحسنوا الحسنى وزيادة﴾ [رواه مسلم من حديث صهيب، رقم: (292)]، وغيرها من الأدلة التي تبلغ حد التواتر فهل نخالف هذه الأدلة من أجل أن العقل الفلاني قصر عنها؟ أقول: لا يقول ذلك إلا من لا عقل له.
ثالثاً: النقل الصحيح لا يخالف العقل الصريح. فمتى ما صح الدليل عن الله أو رسوله فلا يمكن أن يخالف عقلاً صريحاً، نعم قد يرد دليل لا يصح كالأحاديث الموضوعة والمعلولة فتخالف العقل هذا ممكن لأنها ليست أدلة صحيحة، كما أيضاً ممكن أن تخالف العقول السقيمة المتلطخة بأفكار الفلاسفة، والمتدنسة بالعقائد الزائغة النصوصَ الصَّحيحةَ، أمَّا أن يتعارض نقلٌ صحيحٌ مع عقلٍ صريحٍ فهذا لا يمكن؛ لذا لا يقال إذا تعارض العقل والنقل فأيهما نقدم؟ بل نقول: أصلاً لا يتعارضان. نعم؛ الشريعة الإسلامية تأتي بما تحار به العقول لكن لا يمكن أن تأتي بما تحيله العقول، وذلك لأن العقل محدود فيحتار ويعجز عن إدراك ما هو فوق حدوده.
و سأضرب لك أيها القارئ مثلاً يرفع عنك اي إشكال قد يورده عليك المبطلون.
فأقول: لو مرت فوقك في السماء طائرة تسمع بأذنيك صوتها وترى بعينيك جرمها ثم ما زالت تبتعد عنك حتى لم تسمع صوتها ولا ترى جرمها، فهل يعني ذلك أنها سقطت أو انعدمت؟
الجواب: قطعاً لا، إذن أين ذهبت؟
ستقول ابتعدت بعيداً أكثر من مدى وحدود سمعي وبصري لذا لم أعد أسمعها ولا أراها.
فإذا قيل لك: لماذا؟
ستقول: لأن سمعي وبصري محدودان بطاقةٍ معينةٍ لا طاقة لها بإدراك ما بعد حدودهما.
أقول: وهكذا العقل له حدٌّ معينٌ وطاقةٌ محدودةٌ، فليس من العقل أصلاً أن ينكر العاقل ما لا يدركه عقله أو ما كان فوق حدود عقله، فإذا العقل عجز أن يدرك كيف سيرى المؤمنون ربهم يوم القيامة وذلك لأن قدرته محدودة فلا يعني ذلك أن الله لا يُرى يوم القيامة.
وعلى هذا المسلمون المؤمنون يؤمنون ويعتقدون اعتقاداً جازماً لا ريب فيه بأن الله تعالى يُرى يوم القيامة بدلالة الكتاب و السُّنَّة والعقل الصريح لا يُنْكِر ذلك لمجرد قصوره عن إدراك ما فوق طاقته.
رابعاً: قول الكاتب المبطل (لأن العين المجردة لا تستطيع أن ترى إلا الأجسام...).
فهذا باطل من وجوه:
هذا القول مخالف لأدلة الكتاب والسُّنَّة فلا يُلتفت إليه.
لا دليل على أن العين المجردة لا تستطيع أن تَرى إلا الأجسام.
الله تعالى قادر أن يخلق العين المجردة يوم القيامة على حال ترى فيها ما لا تراه في الدنيا.
خامساً: القاعدة عند المسلمين من أهل السنة و الجماعة أنهم يؤمنون بكل ما أثبته الله تعالى لنفسه في كتابه وأثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته كالحياة والسمع والبصر والعلم على وجه الكمال المطلق اللائق به تعالى من غير تمثيل، وينفون عن الله تعالى ما نفاه الله عز وجل عن نفسه في كتابه ونفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته كالموت والسَّنَةِ والنوم والعجز والظلم، ومع الإيمان بكمال ضده، فالله تعالى لا يموت ولا تأخذه سِنَةٌ ولا نوم، لكمال حياته وقيوميته ولا يعجزه شيء لكمال علمه وقدرته ولا يظلم أحداً لكمال رحمته وعدله وهكذا. كما ينفون، أي: المسلمون من أهل السُّنَّة والجماعة، كل صفات النقص عن الله تعالى المنزّه المقدس فهو (الملك القدوس السلام).
أما ما لم يثبت نفيه و لا إثباته و لا يدل على نقص لله عز وجل فهذا لا يثبتونه أهل السُّنَّة ولا ينفونه ويتأدبون بأدب القرآن ويمتثلون قول الله عز وجل ﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36)﴾ [الإسراء]، ومن الأمثلة على هذا النوع من الصفات (الجسم، الجهة، العرض، الحد ونحوها)، فالموقف الصحيح من مثل هذه الألفاظ لم يرد في الكتاب ولا في السُّنَّة؛ إذ لن تجد أن الله جسم ولا أن الله ليس بجسم فلا يجوز لنا أن ننفي ولا نثبت.
أما من جاءنا و قال إن الله جسم أو أن الله ليس بجسم فلا نقرّه ولا ننكر عليه و إنما نستفصل منه، فإن قصد معنى صحيحاً وافقناه و وجهناه إلى الإمساك عن هذا الإطلاق، وإن قصد معنى باطلاً أنكرنا عليه المعنى الباطل ووجهناه إلى ترك الباطل وإلى الإمساك عن هذا الإطلاق.
إذا عرفت هذا أخي القارئ الكريم تبين لك الأسلوب الباطل الذي يتبعه المعتزلة وقرره الكاتب في مقاله فقال: (إذا قلنا: أن الله يُرى بالعين...).
فأقول: لا يجوز ردُّ الأدلة الشّرعية من الكتاب والسُّنَّة المتواترة التي دلّت على رؤية أهل الجنة لله عزَّ وجلَّ يوم القيامة بهذا التعليل العليل؛ كونه جلَّ وعلا لا يُرى، لأنه إذا يُرى بالعين المجردة فهو جسم، والله ينزه عن أن يكون جسماً، إلى آخر هذه الكلام الباطل الذي ما أنزل الله به من سلطان.
أخي القارئ الكريم و بعد هذا يتبين لك بطلان قول الكاتب (وبناء على ذلك فإن القول بأن الإنسان لا يرى الله في هذه الدنيا ولكن المؤمنين يرونه يوم القيامة غير منطقي وغير مقبول) انتهى كلامه.
فأقول: بل الحق فيما قال الله ورسوله لا فيما تراه غير منطقي وغير مقبول، فأنت وأمثالك أولى بأن تحجبوا عن الله تعالى بسبب إنكاركم أن الله تعالى يراه المؤمنون يوم القيامة. قال تعالى: ﴿كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15)﴾ [المطففين].
أكتفي بهذا القدر وأشكر الإخوة المشايخ وطلبة العلم الذين تولوا الرد على الكاتب المبطل نصرة للعقيدة فجزاهم الله خيراً و هكذا يجب علينا ألا نسمح لمن هبَّ و دبَّ بأن يعبث بعقيدة المسلمين.
و الحمد لله رب العالمين و صلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.