نعم أيها الكاتب المبطل: أهل الجنة يرون الله تعالى بأعينهم يوم القيامة (٤)
الرد على «علي المتروك»
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
فهذه الحلقة الرابعة في الردِّ على الكاتب الذي زعم بأن الله لا يُرى، وذلك في أكثر من مقالة له نشرها في جريدة «الوطن» بعنوان (هل يمكن رؤية الله يوم القيامة؟) فأقول وبالله أستعين وعليه أتوكل واليه أنيب:
و بعد ان قرر في المقال الأول بأن الله تعالى لا يُرى ولا يمكن ان يُرى بالعين المجردة وقمت بالرد عليه، عاد في المقال الثاني، وقرر ان المسألة فيها خلاف أو فيها قولان:
القول الأول: قول جمهور أهل السُّنة الذين ذهبوا الى اثبات رؤية الله تعالى في الجنة. والقول الثاني: وهو عدم رؤية الله تعالى وذكر ان من ذهب الى عدم رؤية الله تعالى يوم القيامة هم المعتزلة والاباضية والزيدية وذكر أنهم تأولوا أدلة الرؤية والحقيقة أنهم حرفوا أدلة الرؤية. و الى هنا الحمد لله هذا اقرار منه بأن عقيدة أهل السُّنة في رؤية الله تعالى يوم القيامة هي الايمان بأن أهل الجنة يرون الله تعالى يوم القيامة. كما أنه أقر بأن الذين أنكروا رؤية الله تعالى هم المعتزلة والاباضية والزيدية لكنه زعم ان جماعة من أهل السُّنة منهم عائشة رضي الله عنها ومجاهد وأبو صالح السمان وعكرمة ذهبوا الى القول بعدم رؤية الله يوم القيامة.
ولا شك أنه مطالب بأن يذكر للقراء من أين نقل عن جماعة من أهل السنة قولهم بانكار رؤية الله تعالى يوم القيامة، لكن أنّى له ذلك، فرؤية الله تعالى يوم القيامة عقيدة مجمع عليها، ولم يختلف عليها اثنان من أهل السُّنة والجماعة، وانما وقع الخلاف في مسألة رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه ليلة المعراج بأم عينيه وهذا الذي نفته أم المؤمنين عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا وزوجته في الجنة في الآخرة وهي رضي الله عنها ممن سيرى الله تعالى في الجنة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين.
نعم الراجح ان النبي صلى الله عليه وسلم لم ير ربه في الدنيا بعين رأسه لا في ليلة المعراج ولا في غيرها وما ذكره الكاتب من الأدلة على نفي رؤية الله تعالى لا علاقة لها بالبحث المتنازع فيه وهو رؤية الله تعالى يوم القيامة، فهي اما أدلة فيها نفي الادراك وهذا حق، فالله لا يدرك وسبق ان بينت بأن الرؤية أعم من الادراك، فالله تعالى يُرى لكن لا يدرك. وأيضا ساق أدلة وأقوالاً في نفي رؤية الله تعالى في الدنيا ونحن لسنا بصدد هذا البحث أصلاً لكن هي محاولة لترويج معتقده.
ومن محاولات الكاتب اليائسة أنه نقل كلاماً عن غيره فسر قول الله تعالى في حق الكفار {كَلَّا إنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15)} [المطففين]، بأنهم محجوبون عن ثواب ربهم واكرامه وأنعامه وعن كلامه لا عن رؤيته واستدل بقول الله تعالى: {وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (174)} [البقرة].
أقول: يا ليت شعري لو تدبر الكاتب أو غيره قليلاً لما استشكل هذا الاستشكال ولما قال هذا القول. فإن الكفار محجوبون عن ثواب ربهم واكرامه وانعامه وأعظم وأكبر اكرام من الله تعالى لأهل الجنة هو النظر الى وجه الله الكريم وليس بين قول الله تعالى: {كَلَّا إنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} وبين قوله تعالى: {وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} منافاة وليس في الآية الثانية تقييد للآية الأولى بل المعنى متطابق تماماً، فالكفار يوم القيامة محجوبون عن الله تعالى رؤية وكلاماً وثواباً والحمد لله رب العالمين. ثم بالمناسبة هنا سؤال يطرح نفسه على الكاتب وهو: ما الفرق بين رؤية العباد لله تعالى بأعينهم وسماعهم لكلام الله اذا كلمهم بآذانهم؟ فإذا كان الله يكلم أهل الجنة ويسمعونه بآذانهم المخلوقة وأنت تؤمن بذلك فما الذي يمنعك عن الايمان بأن أهل الجنة يرون الله تعالى بأعينهم المخلوقة؟
وأنا أستبعد انه يعتقد بأن الله تعالى يتكلم بحرف، وصوت كما يعتقد ويؤمن أهل السُّنة والجماعة بذلك، لأن الذين يتبعهم بنفي رؤية الله تعالى يزعمون بأن كلام الله مخلوق أو ان كلام الله معنى قائم بالنفس لا ان الله تعالى يتكلم كلاماً حقيقياً بحرف وصوت. ومن محاولات الكاتب انه زعم ان (ناظرة) بمعنى منتظرة فحسب، ثم ساق آيات ورد فيها فعل (نظر) ليستدل على ان (ناظرة) ليست بالضرورة معناها النظر الى وجه الله الكريم.
أقول والتحقيق ان فعل نظر اذا تعدى بنفسه من غير حرف جر فمعناه انتظر وأمهل ومثاله الآيات التي استدل بها الكاتب كقوله تعالى: {فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ (35)} [النمل]، وقوله: {هَلْ يَنْظُرُونَ الَّا ان يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَالَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (210)} [البقرة]، وغيرهما من الآيات. ويختلف معناه بحسب الحرف الذي يتعدى به، فاذا تعدى بحرف الجر (في) فيكون معناه تأمل وتفكر فتقول: نظرت في كذا، أي تأملت وتفكرت فيه، وهذا يستعمل كثيراً في التفكر في الشيء، ومنه قوله تعالى: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآَيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ (101)} [يونس]، أي: تأملوا، أما اذا تعدى فعل (نظر) بحرف الجر (الى) فمعناه الرؤية بالعين فتقول: نظرت الى الرجل أي رأيته بعيني، ومنه قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) الَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)} [القيامة]، أي: ترى وجه الله تعالى، ونسب النظر الى الوجوه لأنها موضع العيون كما قال تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} [البقرة: 144]، ويؤكد هذا حديث «انكم سترون ربكم عياناً» [رواه البخاري من حديث جرير بن عبدالله رقم: (7020)].
ولذلك نجد عامة المفسرين من الصحابة والتابعين وسائر علماء أهل السنة فسروا قول الله تعالى: {إلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} بالرؤية الى وجه الله الكريم. الا ما جاء عن مجاهد رحمه الله تعالى أو غيره أنهم قالوا: تنتظر منه الثواب، وهذا الذي ظفر به الكاتب وفرح به. والجواب عليه من وجوه:
الأول: لو سلمنا لك ان معنى الآية تنظر الى ثواب ربها فأعظم ثواب أهل الجنة هو النظر الى وجه الله الكريم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «اذا دخل أهل الجنَّةِ الجنَّةَ، قال: يقول الله تبارك وتعالى: تريدون شيئاً أزيدكم؟ فيقولون: ألم تُبيِّض وجوهنا؟ ألم تُدْخِلنا الجنَّةَ، وتُنَجِّنَا من النَّارِ؟ قال: فَيَكْشِفُ الحِجَابَ، فما أُعطوا شيئاً أحبَّ اليهم من النَّظر الى ربهم عزَّ وجَلَّ»، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا يزيد بن هارون، عن حماد بن سلمة، بهذا الاسناد وزاد ثم تلا هذه الآية: {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} [رواه مسلم من حديث صهيب، رقم: (292)].
الثاني: مجاهد رحمه الله تعالى في تفسيره للآية لم ينكر رؤية الله تعالى بل نقل عنه ابن أبي حاتم وابن كثير رحمهما الله بأنه ممن يثبت رؤية الله تعالى.
الثالث: رؤية الله تعالى ثبتت بالكتاب الكريم والأحاديث المتواترة، وجمهور المفسرين وأئمة الاسلام والمسلمين قالوا بها فلا يضرنا تفسير مجاهد رحمه الله تعالى.
والعجيب في أمر الكاتب أنه نقل من تفسير ابن جرير رحمه الله تعالى تفسير مجاهد للآية وترك تفسير غيره صريحاً كعكرمة رحمه الله تعالى وغيره ممن صرح بأن الآية المراد بها رؤية الله تعالى لكن لا يستغرب هذا الفعل فالبعض كما قيل: يذكرون الذي لهم ولا يذكرون الذي عليهم، لذا تجد الكاتب أيضاً ينقل أقوالاً وأحاديث موضوعة ويعرض عن الأحاديث المتواترة ومنها في الصحيحين «البخاري ومسلم». انظر ماذا يقول: (وقد احتج بعض الاخوة من دعاة الرؤية بأن قوله تعالى {ادخلوها بسلام ذلك يوم الخلود لهم ما يشاؤون فيها ولدينا مزيد}، فقال: لماذا نحمل الكلمات أكثر مما تحتمل ففسر المزيد برؤية الله) انتهى كلامه.
فأقول: الذي فسر المزيد برؤية الله تعالى ليس بعض الاخوة وانما هو بأبي وأمي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كما روى ذلك مسلم رحمه الله في صحيحه (رقم 292) من حديث صهيب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «اذا دخل أهل الجنَّةِ الجنَّةَ، قال: يقول الله تبارك وتعالى: تريدون شيئاً أزيدكم؟ فيقولون: ألم تُبيِّض وجوهنا؟ ألم تُدْخِلنا الجنَّةَ، وتُنَجِّنَا من النَّارِ؟ قال: فَيَكْشِفُ الحِجَابَ، فما أُعطوا شيئاً أحبَّ اليهم من النَّظر الى ربهم عزَّ وجَلَّ» حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا يزيد بن هارون، عن حماد بن سلمة، بهذا الاسناد وزاد ثم تلا هذه الآية: {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة}.
وأجزم بأن الكاتب علم بهذا الحديث لكنه أعرض عنه ليوهم القراء بأن تفسير المزيد والزيادة انما هو تفسير بعض الاخوة وليس تفسير النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك ذكر الآية التي في سورة {ق والقرآن المجيد} وهي قوله {ولديْنَا مَزِيد}، ولم يذكر الآية التي في سورة يونس وهي قوله: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس: 26].
أخي القارئ لم أنته من الرد على كلام الكاتب الذي يحاول التشويش لذا سأستمر في الرد عليه ان شاء الله تعالى ولأظهرن باذن الله للقراء ضعف كلامه والله غالب على أمره، والحمد لله أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.