موقع الشيخ
حفظه الله
سالم بن سعد الطويل

نعم أيها الكاتب المبطل: أهل الجنة يرون الله تعالى بأعينهم يوم القيامة (٥)

26 جمادى الآخرة 1434 |

الرد على «علي المتروك»

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:

فهذا هو المقال الخامس في الردِّ على الكاتب المبطل الذي زعم بأن الله لا يُرى، وذلك في أكثر من مقال له نشرها في جريدة «الوطن» بعنوان (هل يمكن رؤية الله يوم القيامة؟)، فرددت عليه بأربعة مقالات وهذا الخامس ولن يكون الأخير بإذن الله تعالى، فأقول وبالله أستعين وعليه أتوكل وإليه أنيب:

أولاً: لما ذكر الكاتب حديثاً موضوعاً أي مكذوباً على رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وضعه بعض الزنادقة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ونصه «ستكثر الكذابة من بعدي، فإذا جاءكم الحديث عني فاعرضوه على كتاب الله، فإن وافق فخذوا به، وإن خالف فاضربوه عرض الحائط».

أقول: ما استطاع الكاتب أن يُخَطئ قولي ويثبت صحة الحديث، لأن الحديث مكذوب لم يرد في أي كتاب معتمد، فأعرض عن انتقادي له وكأنه لم يره!! ثم ذكر أحاديث أخرى في معنى هذا الحديث كلها ذات أسانيد مظلمة لا يثبت منها شيء بل هي مخالفة للكتاب والسنة، فلو بدأنا بها وطبقنا ما دلت عليه على الأحاديث نفسها لكانت هي أولى الأحاديث بأن يُضرب بها عرض الحائط، وذلك لأنها ليست أحاديث أصلا، ولو فَرِح بها المبطلون المخالفون.

ثانياً: عقيدة المعتزلة والإباضية والزيدية وغيرهم التي تخالف الكتاب والسنة هي أولى بأن تُضرب بعرض الحائط، فهؤلاء لم ينفوا رؤية أهل الجنة لوجه الله تعالى فحسب، بل نفوا صفة الوجه لله تبارك وتعالى، بلا حجة، فإن ذكروا حجتهم ذكروا حججاً باطلة واهية ربما عجزوا أن يقنعوا بها أنفسهم فضلاً عن أن يقنعوا بها غيرهم.

ثالثاً: زعم الكاتب أن الآيات الدالة على ثبوت رؤية أهل الجنة لله تعالى هي من الآيات المتشابهة وليست من الآيات المحكمة!! وفي الحقيقة كلام الكاتب لا يخرج عن أحد أمرين، أحلاهما مُرٌّ: إما أنه لا يعرف الفرق بين المحكم والمتشابه أو أنه يكذب ويفتري. فالمتشابه هو ما كان خفي المعنى لأنه يحتمل أكثر من معنى والمحكم ما كان واضح المعنى، وقول الله تعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ﴾ أي يوم القيامة، ﴿نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ أي تنظر إلى الله تعالى، لأن «ناظرة» تعدت بحرف الجر (إلى) فأي احتمال يمكن أن يرد على هذه الآية غير المعنى المتعين الذي صرح به النبي صلى الله عليه وسمل بأحاديث متواترة منها قوله صلى الله عليه وسلم: «إنكم سترون ربكم عياناً» [رواه البخاري من حديث جرير بن عبد الله رقم: (7020)].

رابعاً: ثم ذكر الكاتب المبطل كلاماً هو من أقبح ما سطره في مقالاته الأربعة فقال بالحرف الواحد: «هل أن الله يراه الإنسان بالعين المجردة كما يدعيه أصحاب الرؤية.... وهذا يستلزم النقص والجسمية والتشبيه بالمخلوق أم أن الله تعالى ليس قابلاً للرؤية ولا يصح الإحاطة به فقد قال عن نفسه: ﴿إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ (54)﴾ [فصلت]، فكيف يظهر في جزء من مخلوقاته فيحيط به المحاط؟ وهل ظهور الله سبحانه وتعالى بوجهه فقط أو بجسمه فيتحول إلى جسم مادي، فيراه أهل الجنة يوم القيامة» انتهى كلامه.

قلت: هذا الكلام باطل من وجوه عدة، منها:

أن الذي قال إن الله تعالى يراه أهل الجنة ليسوا أصحاب الرؤية كما زعمت، وإنما قال ذلك الله في كتابه بقوله: ﴿إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ [القيامة: 23]، وقاله رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنته بقوله: «إنكم سترون ربكم عياناً» [سبق تخريجه]. لو كان إثبات رؤية الله تعالى يستلزم النقص والجسمية والتشبيه بالمخلوق كما زعم الكاتب لما أثبتها الله تعالى في كتابه وأثبتها رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته.

وأما قول الكاتب «أم أن الله تعالى ليس قابلاً للرؤية» فهذا باطل، إذ لو كان الله تعالى لا يُرى لما قال الله تعالى عن نفسه ﴿إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾، ولا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنته عن ربه: «إنكم سترون ربكم عياناً«. وقول الكاتب: «ولا يصح الإحاطة به فقد قال عن نفسه ﴿إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ (54)﴾ [فصلت]

أقول: ومن قال بأن الله يحيط به شيء أو يدركه أحد من خلقه؟ فالكاتب ما زال يراوغ بمحاولات يائسة وهروب واضح وخروج سافر عن موضوع البحث الأساسي، وهو رؤية الله تعالى وليس الإحاطة به ولا إدراكه.

وأما قول الكاتب: «فكيف يظهر في جزء من مخلوقاته فيحيط به المحاط؟»

فأقول: ومن قال بأن الله تعالى يظهر في جزء من مخلوقاته فيحيط به المحاط؟ عجيب أمر هذا الكاتب يتوهم كلاماً لم ينطق به أهل السنة ثم يستنكره عليهم!!

وأما قوله عن الله «كيف» فهذه قاصمة الظهر لأهل الأهواء من الأولين والآخرين، فكلما جاءهم الخبر عن الله ورسوله قالوا: «كيف»، وغاب عنهم بأن أمور الغيب لا يُسأل عنها بـ «كيف»، إذ لو كان الغيب تدرك كيفيته ما صار غيباً والله تعالى وصف عباده المؤمنين المتقين بأنهم يؤمنون بالغيب، فقال: ﴿هُدًى لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾ [البقرة: 2- 3]. والمؤمن إذا جاءه الخبر عن الله ورسوله يقول: آمنت، وصدقت، وتيقنت، ولا يسأل، فيقول: كيف وكيف؟ وإلا ما الفرق بين المؤمنين وبين الكافرين الذين أنكروا إحياء الله تعالى لهم وبعثهم وحسابهم، فقالوا: ﴿أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً (11) قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ (12)﴾ [النازعات]، وقالوا: ﴿مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ﴾؟

كان الأولى أن يسأل الكاتب أولئك الذين يدعون الأولياء من دون الله تعالى كيف يسمعهم وكيف يستجيب لهم إذا دعوه من دون الله تعالى؟ إن بعض الصالحين قُتل شهيداً مظلوماً منذ أكثر من أربعة عشر قرناً ولم يستطع أن يدفع عن نفسه القتل، فكيف يمكنه أن يستجيب لمن دعاه بعد موته وقد واراه التراب؟! كان الأولى بالكاتب أن يبحث في هذه المسألة العظيمة أولى من إنكاره لرؤية الله تعالى.

قيل لتائب من الشرك: كيف اهتديت للتوحيد؟ فقال: نظرت في حال المدعو من دون الله تعالى فوجدت أنه من المستحيل أن يُدعى بجميع اللغات وفي جميع القارات وفي كل الأوقات ثم يقضي للناس الحاجات، فلو كان كذلك فما الفرق بينه وبين رب الأرض والسماوات؟! قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (5)﴾ [الأحقاف]. الجواب: لا أحد أضل من هؤلاء.

وأما قول الكاتب: «وهل ظهور الله سبحانه وتعالى بوجهه فقط أو بجسمه فيتحول إلى جسم مادي فيراه أهل الجنة يوم القيامة».

أقول: أخي القارئ! هل مرَّ بك من الباطل في حياتك مثل هذا؟! هل أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم لما قرأوا قوله تعالى: ﴿إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ وسمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنكم سترون ربكم عياناً» قالوا: كيف نراه؟ وهل سيظهر لنا بوجهه فقط أو بجسمه؟ وهل سيتحول إلى جسم مادي فنراه؟ إلى آخر هذه التساؤلات القبيحة التي لا تليق بمؤمن يؤمن بالله واليوم الآخر، نسأل الله العافية.

ثم قال الكاتب المبطل كلاماً خطيراً جداً جداً ونصه: «وصف من طلب من النبي موسى رؤية ربه من السفهاء.... ثم قال: وذم الله تعالى من طلب الرؤية واعتبرها كفراً... واعتبرهم من المجرمين بحق الله تعالى.... إلى أن قال: وقال تعالى ﴿أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ﴾ الآية، ويبدو من هذه الآية وجه شبه بين مطالبهم ومطالب بني إسرائيل، ومن هنا فقد شدد القرآن النكير على هؤلاء واعتبر أن مطلب الرؤية خروج عن الملة، بقوله: ﴿ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ﴾« انتهى كلامه بحروفه لكن اختصرته فلم أذكر بعض الآيات.

أقول: السفهاء والمجرمون الذين ذمهم الله تعالى إنما هم الذين اشترطوا لإيمانهم بالله ورسوله موسى عليه السلام أن يروا الله تعالى، كما قال تعالى: ﴿ لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً﴾ [البقرة: 55]، أما مجرد الطلب فليس سفهاً ولا جرماً ولا كفراً، فإن لم يستوعب الكاتب ذلك فليتدبر قول موسى عليه السلام: ﴿قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ﴾ [الأعراف: 143]، ثم ليخبرنا عن حال موسى عليه السلام هل كفر بالله؟ ولا شك أن من حق المسلم أن يسأل الله تعالى لذة النظر إلى وجهه الكريم وليس هذا سفهاً ولا جرماً ولا كفراً.

أخي القارئ لم أنته من الرد على هذا الكاتب الذي يحاول التشويش على أهل السنة لذا سأستمر في الرد عليه إن شاء الله تعالى والله غالب على أمره، والحمد لله أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

المقالات