ذم القصاصين
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فالقصاص هو الذي يسرد القصص، ويكثر منها، فتراه يسرد قصة تلو قصة معرضا عن القرآن الكريم والسنة النبوية وغافلا عن قوله تعالى: ( فَذَكِّرْ بِالْقُرْآَنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ (45) ) [سورة ق] ، وقوله تعالى: ( فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا(52) ) [سورة الفرقان] أي جاهدهم بالقرآن، وقوله تعالى: ( اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ (45) ) [سورة العنكبوت] ، وقوله تعالى: ( إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (91) وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآَنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ (92) ) [سورة النمل]
أخي القارئ، اعلم رحمني الله وإياك أن الإكثار من القصص أمر محدث، ما أنزل الله به من سلطان!! أخرج ابن أبي شيبة والمروزي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (لم يُقَص - بضم الياء وفتح القاف - على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا عهد أبي بكر ولا عهد عمر ولا عهد عثمان، إنما كان القصص حيث كانت الفتنة) [موارد الظمان صفحة (58)] وذكره السيوطي في [تحذير الخواص صفحة (245)]
عزيزي القارئ، ما الذي يجعل هؤلاء القصاص يستبدلون الذي أدنى بالذي هو خير؟ فأقول: لا شك أن الدوافع كثيرة، من أهمها:
عجزهم شبه التام عن الاستدلال بآيات القرآن والأحاديث الصحيحة، فتراهم إما لا يحفظونها أو لا يعرفون كيف يستدلون بها!! قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن مثل هؤلاء: (أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها....) [شرح اللالكائي لأصول السنة (139/1)] [والدارمي (47/1)].
فالقرآن عظيم وثقيل، قال تعالى: (إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً) [سورة المزمل (5)]، فهؤلاء القصاص لا يستطيعونه إذ لابد من حفظه وتلاوته تلاوة صحيحة مع الاستدلال به استدلالاً مستقيماً، وليس كذلك القصص، فلو قَدَّم فيها أو أخَّر أو أضاف أو حذف أو حرَّف فيها أو حتي لو كذب، فمن ذا الذي سيحاسبه على ذلك؟!
رغبة القصاص في الشهرة وصرف وجوه الناس إليه!! قال تميم الداري لعمر بن الخطاب رضي الله عنهما: «دعني ادع الله وأقص وأذكِّر الناس، فقال عمر: لا، فأعاد عليه فقال: أنت تريد أن تقول أنا تميم الداري فاعرفوني!! ذكره الطرطوخي ص(109) قال أبو الفضل العراقي: فانظر توقف عمر في إذنه في حق رجل من الصحابة-يعني تميماً الداري- الذين كل واحد منهم عدل مؤتمن، وأين مثل تميم في التابعين ومن بعدهم؟ ا.هـ تحذير الخواص ص223.
نزولاً من القصاصين عند رغبة العوام والجمهور؛ إذ النفوس الضعيفة تحب القصص والحكايات، بينما يستثقلون المواعظ والزواجر ومعرفة الأوامر والنواهي والحلال والحرام، فلما كان القصاص يعجبهم كثيراً تجميع الناس وكثرة المستمعين وجدوا من المناسب الإكثار من القصص وذكر الغرائب!! أخرج الإمام أحمد في الزهد عن أبي المليح قال: ذُكر ميمون القصاص فقال: ((لا يخطئ القاص ثلاثاً: إما ان يُسَمِّنَ قوله بما يَهْزُل دينه، وإما أن يعجب بنفسه، وإما أن يأمر بما لا يفعل )) ذكره السيوطي في تحذير الخواص ص (252-251).
ومن أكبر أسباب ظهور القصاص تزيين الشيطان لهذا الأسلوب، فتجدهم ينقلون كل ما هو غريب ولو كان باطلاً من أجل الإثارة، فلا يتورعون عن الكذب بل هم من أكذب الناس!! ذكر السيوطي في كتابه تحذير الخواص من أكاذيب القصاص ص265 قال: قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى: (أكذب الناس القصاص والسُّؤَّال) - بضم السين وفتح الهمزة مشددة - أي الذين يسألون الناس أموالهم فيخترعون القصص ليتصدقوا عليهم. (1)
أما مفاسد القصاصين فكثيرة منها:
أنهم بقصصهم وحكاياتهم يصدون الناس عن الكتاب والسنة تلاوة وتدبراً وتفقها واتعاظا واهتداء.
تعويد عامة الناس على الكذب وعدم التثبت والمبالغات والخيالات الزائفة.
يصرفون وجوه الناس إليهم دون العلماء العاملين والهداة المهتدين، فتجد العامة يجلسون للقصاصين ويزهدون بالأئمة الأعلام .
اغترار كثير من الناس بالقصاصين فيظن أنهم من أهل العلم والفقه والفتوى فيسألهم ويستفتيهم فربما أفتوا بغير علم فَضَلوا وأضلُّوا.
روايتهم للأحاديث الموضوعة والباطلة والضعيفة، وهذا من الكبائر لو كانوا يعقلون .
يصرفون الناس عن قصص القرآن والتي هي أحسن القصص، قال تعالى :( نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآَنَ ) [سورة يوسف (3)]
ومن أكبر المفاسد روايتهم لقصص الأنبياء فيكيلون فيها كيل بعير من الزيادات والإضافات حتى يصفوهم بما لا يليق بهم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
روايتهم للفتن التي جرت بين الصحابة رضي الله عنهم والنيل منهم وتنقصهم مع أن الواجب الإمساك عما جرى بين الصحابة.
والخلاصة: أن القصاصين قد أساؤوا إلى الإسلام، وخطرهم كبير على المسلمين، والواجب علينا التمسك بالكتاب والسنة وصرف الناس إلى علماء الهدى والعلم النافع، ونَحْذَر من القصاص ونُحَذِّر منهم. والله أسأل أن يوفق المسلمين لما فيه خيرهم وصلاحهم.
والحمد لله أولا وآخرا، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(1) مثل هذه القصص من حيث الغرابة ورغبتهم بجمع الناس سردهم لحكايات مضحكة تارة ومشتملة على الفضائح تارة والتشهير بأهل المعاصي تارة أخرى.