عدنان عبد القادر.. مثالك ما ضربته إلا جدلاً
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد :
فلقد قرأت مقالاً مطولاً للشيخ عدنان عبد القادر نشره في جريدة «الوطن» بتاريخ 25/ 8/ 2013 وجدته قد غلط فيه غلطاً فاحشاً في تقريره لمسألة ولاية المتغلب، والذي حمله على ذلك- والله أعلم- اجتهاده الكبير لإثبات أحقية الرئيس المصري السابق محمد مرسي في الحكم تبعاً لشيخه عبد الرحمن عبد الخالق؛ الذي حثَّ المعتصمين في ميدان رابعة العدوية في القاهرة- رجالاً ونساءً- على الاستمرار في المطالبة برجوع الرئيس، ولو قُتل منهم ألف ألف قتيل، وزعم أن هذا ليس بكثير، وإذا قُتلوا فهم شهداء ولهم عند الله أعظم أجر الشهداء.
والعجيب في الأمر أنَّ عدنان عبد القادر وشيخه عبد الرحمن في دفاعهما عن مرسي أشد حماسة ربما من كثير من الإخوان المسلمين أنفسهم، وأعجب من ذلك أن الأخ عدنان ضرب مثلاً بصدام حسين واحتلاله للكويت، وأراد بذلك إلزام كل من خالفه برأيه، وأن الواجبَ قتالُ الجيش المصري كما قاتلنا جيش صدام.
وبهذا الرأي الفاسد يريد استمرار المواجهة بين بعض الشعب المصري الأعزل وبين الجيش والشرطة، ولو قامت حرب أهلية مدمرة، وأراد أيضاً صبغتها بصبغة شرعية؛ فدلّل على ما ذهب إليه بكلام متناقض لا دليل عليه من الكتاب والسُّنة.
فأقول: الأخ عدنان- عفا الله عنه- ما ضرب صدام حسين مثالاً إلا جدلاً، وإلا فما علاقة احتلال صدام للكويت بما يحدث في مصر؟
فكل العالم يعلم أنَّ احتلالَ بلدٍ لبلدٍ ليس كإزالة حاكمٍ لحاكمٍ.
ولبيان الفرق بين احتلال صدام للكويت وأحداث مصر أقول :
أولاً: صدام كان بعثياً- قلباً وقالباً- إلى أن مات، وهو كافر بذلك، حتى لو لم يعلم الأخ عدنان بكفره، أو لم يسمع بكفره فصدام من شعارات حزبه البعثي الملحد قولهم: «آمنت بالبعث رباً لا شريك له، وبالعروبة ديناً ما له ثاني». وكان ينشر هذه الشعارات في نشراته الحكومية الرسمية.
أما كون الشيخ ابن باز- رحمه الله تعالى- لم يعلن كفره إلا بعد أربعة أشهر، من احتلاله للكويت فلا يعني ذلك أنه لا يراه كافراً كما زعم الأخ عدنان، ولا يخفى على كل منصفٍ أنَّ الشيخ ابن باز كفّر صدام لأنه يتبنى أصول حزب البعث الكافر الملحد، لا لأنه احتلَ الكويت.
ولا يخفى على الشيخ عدنان ولا غيره أن احتلال الكويت ليس كفراً مخرجاً من ملة الإسلام، فلو كان الاحتلالُ كفراً مخرجاً من الملة، لكفر صدام من أول يوم احتل فيه الكويت، لكن لعله أورد هذا الإيراد لمجرد الجدل.
وأمّا قوله بأنَّ ( الشيخ ابن باز- رحمه الله تعالى- دعا صدام ليتصالح مع الكويت، وهذا يشير إلى أنه كان يرى إسلام صدام، ....إلخ )، فهذا كلام باطل؛ لأنَّ الصلح ينعقدُ بين المسلمين والكفار، كما تصالح النبي صلى الله عليه وسلم مع مشركي مكة في صلح الحديبية، ثم لا يخفى أيضاً أنَّ الإعلان بكفره - هو حاكم دولة عربية - ليس من الحكمة، ولا من المصلحة .
ولقد جرت العادة أنه لا يتكلم العاقل على صاحب ملة ولا مذهب باطل بحضرته، ما لم تقتض المصلحة ذلك، بل حتى قول الله تعالى: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)﴾ [الكافرون]، ليس المقصود منه أن تأتي لكافرٍ تريد دعوته للإسلام فتقول له : يا كافر .
والخلاصة: ما تعلّق به الأخ عدنان من كون صدام لم يكن كافراً بعيد جداً، وعدم تصريح ابن باز- رحمه الله- وغيره بتكفيره في بادئ الأمر ليس دليلاً على عدم اعتقاده بكفره، بل كان من الحكمة أن يُدعى صدام بالحُسنى للخروج من الكويت تجنباً للحرب المدمرة .
إذا عرفنا هذا تبيّن لنا بطلان كلام الأخ عدنان، فصدام لم يكن متغلباً؛ بل كان محتلاً يريد القضاء على الكليات الخمس في الكويت: (الدين، والنفس، والعرض، والمال، والعقل) ويريد فرض النظام البعثي الملحد الكافر .
لكن الغريب في الأمر أنَّ الأخ عدنان وكذا شيخه عبد الرحمن عبد الخالق كانا يدافعان عن صدام دفاعاً شديداً، ولقد لقبه عبد الرحمن عبد الخالق في أكتوبر 1988 بـ «البطل الصنديد»، و«حامي البوابة الشرقية»، ولقد ذكرت لهما بنفسي وأمام ملأ من الناس بأن صدام بعثي ملحد قتل الأبرياء في «حلبجة» بالكيماوي، وأرسلنا له صور القتلى الأبرياء لكنه أصرّ على أنه البطل الصنديد الذي يستحق الدعوة الصالحة.
بل وما زال عبد الرحمن عبد الخالق إلى لحظة كتابة هذا المقال لا يكفِّر صدام حسين، ولا سمعنا أنه كفّره من قبل ولا من بعد، بل لما سُئل بعد شنقه سؤالاً صريحاً : هل صدام كافر؟ قال: الرجل شهد أن لا إله إلا الله.. خلاص!!
وأنا على استعداد إذا رغب الأخ عدنان عبد القادر أن أرسل له كلام شيخه عبد الرحمن عبد الخالق ليسمعه بنفسه ولا أملك إلا أن أقول: يا أخ عدنان اتق الله، ولا تضرب صدام مثلاً لمجرد الجدال، وأرجو ألا تأخذك العزة بالإثم.
ثانياً: زعم الأخ عدنان عبد القادر- متوهماً وأرجو ألا يكون كاذباً- فقال: «انتشرت هذه الأيام فتاوى غريبة تمهد- بغير قصد من أصحابها- تمهد لأصحاب القلوب المريضة الانقضاض على حكم آل الصباح في الكويت وآل سعود في المملكة، وحكام الخليج ليحتج علينا بأنه متغلب فتجب بيعته ونكث بيعة آل الصباح..... إلى أن قال : ففحواها (أي الفتوى) لو أن رجلاً من الشعب حزبياً كان أو غير حزبي، عسكرياً أم غير عسكري، لو انقض على الحكم في الكويت فاغتصبه وتغلّب لوجب على أهل الكويت أن يبايعوه، وينكثوا لآل الصباح ويغدروا بالأمير ولا يفوا بعهدهم له، ولا يجوز لهم أن يمنعوا المغتصب من إمارته بحجة أن متغلب» انتهى كلامه.
أقول: هذه الفتوى ما سمعنا بها ولا انتشرت ولا نعلم مَنْ المفتي الذي أفتى بها، فمِنْ أين نقلها الأخ عدنان وزعم أنها تمهد لنكث البيعة، و و و إلخ ؟!
والله قليل من التقوى يمنعك من هذا التدليس الذي هو أشبه بالكذب الصريح، وإنا لله وإنا إليه راجعون .
كل هذه التفريعات والتهويلات تضربها جدلاً للتوصل إلى أن حكم مرسي باق ولا يجوز استبداله بحكم آخر، ويجب القتال في سبيله !!
مع أن السلفيين ما دعوا إلى المظاهرات ولا أيّدوها ولا تبنوا الثورات ولا روّجوا للربيع المزعوم، لكن غاية ما قالوا :
لا يجوز الاستمرار في سفك الدماء من أجل الحكم، فهم- أعني السلفيين- ليسوا مع ثورة 25 يناير، ولا مع ثورة 30 يونيو، فما بالك فقدت صوابك وأخذت تفتري على الأبرياء وتحرِّض عليهم؟
كنت أتمنى أنْ أجدَ في مقاله كلاماً علمياً بالأدلة الشرعية من الكتاب والسُّنة لعلنا نستفيد منه، لكن للأسف أكثره كلام جدلي لا ثمرة فيه، بل هو مجرد فرضيات كقوله : «ماذا لو كان عاكف أو بديع أو السيسي قائد العراق يومئذ وفعلَ فِعْلَ صدام تماماً، أكان يجب علينا أن نبايعه؟...» انتهى كلامه.
أقول: سبحان الله الأخ عدنان يظن أن كلامه هذا حجة محكمة بالغة تقصم الظهور وفي الحقيقة كلامه هذا في غاية التناقض، فبينما يقول: ( دعوا النوازل للعلماء )، يأتي ويطرح هذه الأسئلة في «تويتر» على عامة المسلمين ويقول ننتظر الجواب ممن تنتظره من العوام؟
سبحان الله إذا نزلت النوازل فإن الله يهيئ لها علماء الأمة يفتون فيها، فيا أخي عدنان لو حكم مصر مرسي أو السيسي أو غيرهما فهل من الحكمة أن تشعلَ الحرب في تلك البلد، وتدعو إلى مقاومة الجيش والشرطة ولو قُتل ألف ألف ؟
اتق الله أنت وشيخك وتذكروا قول الله تعالى ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (281)﴾ [البقرة].
وللحديث بقية والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين.