«نعم يا شيخ عدنان عبد القادر لم تدع إلى سفك الدماء في مصر ولكن....»
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
فلقد قرأت كلمة للشيخ عدنان عبدالقادر - غفر الله له ولوالديه - قال فيها عن نفسه:
(من نسب لي أني دعوت إلى سفك الدماء في مصر فقد كذب ) انتهى كلامه .
وأقول: نعم يا الشيخ عدنان لم تدع إلى سفك الدماء في مصر، ولكن إذا كنت تفتي بمشروعية المظاهرات عند الضرورة- كما تقول- فهذه دعوة منك غير مباشرة إلى سفك الدماء.
لذا العلماء الذين حرّموا المظاهرات إنما حرموها لأنَّ مآلها إلى سفك الدماء والخروج على الحاكم المسلم، أو الخروج على الحاكم الكافر من غير قدرة كما هو الحال في سورية.
نعم يا شيخ عدنان لم تدع إلى سفك الدماء في مصر لكن هل أفتيت بمشروعية الاعتصامات؟
فمن أفتى بمشروعية الاعتصامات في مصر أو أيّدها أو حثَّ عليها فقد دعا إلى سفك الدماء شاء أم أبى.
كلُّ العالم شهد على أن ما حدث في مصر كان بسبب الإصرار على بقاء المعتصمين في الميدان، واستعدادهم للمواجهة مع الجيش والشرطة وقوات الأمن ولو قُتلوا وسُفِكت دماؤهم وزُهقت أرواحهم!!
نعم يا شيخ عدنان لم تدع إلى سفك الدماء في مصر لكن قلت بالحرف الواحد : (ذكرت مراراً أنَّ البغي في مصر كالغزو في الكويت) انتهى كلامك.
وأقول: هذه دعوة صريحة منك يا شيخ عدنان؛ فأنت تجيز للمصريين بل وتدعوهم لقتال الجيش المصري بقيادة وزير دفاعه، وأن هذا من حقهم كما قاتلنا صداماً وجيشه.
نعم الشيخ عدنان عبدالقادر لم يدع الى سفك الدماء في مصر؛ لكنه دعا إلى الوسائل التي تؤدي إلى سفك الدماء، ومن القواعد المقررة عند أهل العلم بالاتفاق: (أنَّ الوسائل لها أحكام المقاصد)؛ فبما أنَّ سفك الدماء في مصر حرامٌ فالوسائل التي تؤدي إلى سفك الدماء حرام.
وأنا أحسن الظن بأخي الشيخ عدنان؛ فأجزم بأنه لم يدع إلى سفك الدماء في مصر خوفاً من الله تعالى بأن يلحقه إثم- أحسبه كذلك والله حسيبه- لكن كان الواجب عليه أن ينهى عن وسائل سفك الدماء أيضا لا أن يدعو لها.
لقد قرر أهل العلم قاعدة عظيمة من قواعد الإسلام وهي قاعدة: سدُّ الذرائع.
وسدُّ الذريعة هو منع ما يتوصل به إلى الشيء الممنوع المشتمل على مفسدة.
إذن الواجب على الشيخ عدنان وغيره عملاً بهذه القاعدة أن يسدوا كُلَّ بابٍ من أبواب سفك الدماء، ولا يكفي النهيّ عن سفك الدماء فحسب؛ بل عليهم أن ينهوا المسلمين عن الاعتصامات والمظاهرات والثورات التي تُسفك بسببها من الدماء ما الله به عليم.
أخي القارئ الكريم تدبر قول الله تعالى: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا﴾ [البقرة: ١٨٧]، وقوله: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ﴾ [الأنعام: ١٥١]، وقوله تعالى: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا﴾ [الإسراء: ٣٢]، ستجد أنَّ الله تعالى نهى عن الاقتراب وهذا أبلغ من مجرد النهي عن الفعل لأنَّ من اقترب من الحرام وقع فيه كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم «كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه» [رواه البخاري (٥٢) ومسلم (١٥٩٩) عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما].
نعم لقد غشَّ دعاةُ الثورات المسلمينَ لما قالوا لهم اخرجوا بالمظاهرات السلمية- كما يزعمون- وبالفعل خرجوا ورفعوا شعارات في سورية وكتبوا فيها «الشعب يريد إسقاط النظام» وصاحوا صيحات بأعلى الأصوات «الحرية الحرية لا سنية ولا شيعية.. وحدة وحدة ديمقراطية»، وخرجوا بعد صلاة الجمعة فقالوا: جمعة الرحيل وجمعة الغضب وجمعة التحرير وجمعة كذا وجمعة كذا، حتى طالت عليهم الجُمع، وكادت تنتهي الأسماء، وكل يوم- وإنا لله وإنا إليه راجعون- يزداد حالهم سوءاً؛ فكم زُهقت الأرواح وسالت الدماء وهُتكت الأعراض، وتشرَّد الناس من منازلهم، بل ومن بلادهم، وأصبحوا عالة في الدول المجاورة يتكفَّفون الناس، وتدخَّلَ في شؤونهم العدوُ والصديقُ، وأصبحت الخسائر عظيمة جداً لا يعلم قدرها إلا الله تعالى، وما زال هناك بعض الأصوات تقول على استحياء- ومنهم من غير حياء- إنها ثورة مباركة وربيع عربي!! الله المستعان !!
أي بركة وأي ربيع بعد هذا الدمار والخوف والجوع ونقص الأنفس والثمرات وهلاك الحرث والنسل، وتسلط أعداء الإسلام على المسلمين؟!
وأكاد أجزم بأن كثيراً من الناس بعد أن ساهم في إثارة الفتنة وتسبَّب بالحرب يقول من نسب إليَّ أني دعوت إلى سفك الدماء في سورية فقد كذب!!
أليس كذلك يا شيخ عدنان؟!
أخي القارئ الكريم إليك هذا الحديث الصحيح الصريح الذي فيه بيانُ أنَّ المتسبب بالذنب يلحقه الذنب وإن لم يباشره.
فقد روى البخاري في صحيحه حديث رقم (5628) عن عبدالله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ من أكبر الكبائر أنْ يلعنَ الرجلُ والديه! قيل: يا رسول الله وكيف يلعنُ الرجلُ والديه؟ قال: يسبُّ أبا الرجلِ فيَسبُّ أباه، ويَسبُّ أمَه».
أقول: من تأمل هذا الحديث وجده ظواهراً جلياً أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم اعتبر من تسبَّب بلعنِ وسبِّ والديه هو لاعنٌ وسابٌّ لوالديه، نسأل الله العافية.
ولا يستهين المسلم بأي كلمة يتكلم بها أو مقال يكتبه أو تغريدة يغرّد بها فقد تبلغ الآفاق بلحظة واحدة فيكون لها أثر سلبي وإثارة للفتنة، أو شرارة حرب والواجب أن نكون ُدعاة خير نجمع ولا نفرّق، نؤلّف ولا نؤلب، ونهدئ النفوس ولا نثيرها، فالآن وقد خُلِع الرئيس المصري محمد مرسي- ولو بطريقة غير شرعية- وثبت أنه لا شوكة له واستسلم بلا مقاومة ولم يكن له منعة تمنعه، وليس معه لا جيش ولا شرطة ولا قوات أمن؛ فهل من الحكمة أو من السياسة الشرعية أن يُقال: اعتصموا في الميادين ولو قُتل منكم ألف ألف قتيل فليس بكثير!! وقتلاكم في الجنة وقتلاهم في النار، وبدأت الحرب بين الإسلام والكفر، و و و إلخ ؟!
لا شك أنَّ هذه التهييجات والإثارات ليس من ورائها إلا هلاك المسلمين وإضعافهم عسكرياً واقتصادياً وسياسياً واجتماعياً.
يا شيخ عدنان عبد القادر اعلمْ أنَّ السيسي لا يدري عنك ولا عن شيخك عبد الرحمن عبد الخالق ولا عن تلاميذه شافي ونبيل وحجاج وحامد، ولا استفتاكم ولن يستفتيكم إن هو حاكم شرعي أو غير شرعي، ولن يلتفت إلى شروطك الستة في الحاكم المتغلب تحققت أو لم تتحقق، فعليك بخاصة نفسك واذكرك بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت» [رواه أبو هريرة، البخاري (6018، 6019)، ومسلم (47)].
وتأكد من حقيقة بلغتني من مصر أنَّ بعض المقالات والكلمات والتغريدات التي تصدر عن بعض الناس من الخليج وغيره تزيد الفتنة في مصر وتفسد ولا تصلح.
فائدة : من هم (الخوارج القَعَدِيَّة)؟
هم الذين يهيِّجون الناسَ على حكامهم؛ بذكر مثالبهم والتشهير بعيوبهم؛ ويزينون الخروجَ عليهم، ولكنهم لا يرون الخروجَ بالسيف. قال الحافظ ابن حجر- رحمه الله-: «القَعَدِيَّة: الذين يزينون الخروج على الأئمة، ولا يُباشرون ذلك». [هدي الساري صـ 459].
وقال- أيضاً-: «والقعدية: قومٌ من الخَوَارِج كَانُوا يَقُولُونَ بقَوْلهمْ، وَلَا يرَوْنَ الخُرُوجَ بل يزينونه». [فتح الباري لابن حجر (1/432)].
وقال- أيضاً-: «القَعَدُ: الخوارج، كانوا لا يُرون بالحرب، بل يُنكِرون على أمراء الجور حسب الطاقة، ويدعون إلى رأيهم، ويزينون مع ذلك الخروج ويحسنونه». [تهذيب التهذيب (8/129)].
وقال السيوطي- رحمه الله-: «عِمْرَانُ بْنُ حِطَّانَ مِنَ القُعْدِيَّةِ الَّذِينَ يَرَوْنَ الخُرُوجَ عَلَى الأَئِمَّةِ، وَلَا يُبَاشِرُونَ ذَلِكَ». [تدريب الراوي (1/390)].
إذا عرفنا هذا فالواجب علينا أن نحذر كل الحذر من تحسين الخروج على الحكام ولما في ذلك من فساد الدين والدنيا والله المستعان.
وللحديث بقية إن شاء الله تعالى.
أسأل الله أن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .