موقع الشيخ
حفظه الله
سالم بن سعد الطويل

من المسؤول عن فتوى تُضَلل المسلمين وتدعو إلى الشرك بالله ؟

14 ذو القعدة 1434 |

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد :

فلقد هالني الأمر لما قرأت فتوى صدرت من وزارة الأوقاف الكويتية - قطاع الفتوى تجيز الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم من دون الله ودعائه بعد وفاته !!

وكان الواجب أن يأتي الجواب موافقاً للتوحيد، وأنَّ الاستغاثة بالله وحده، وهذا هو الأصل في دين الله تعالى أن تكون العبادة لله وحده لا شريك له، لا لنبي مرسل، ولا لمَلكٍ مقرب، ولا لولي صالح، كما قال تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5)﴾ [البينة].

والاستغاثة معناها طلب الغوث؛ وهو إزالة الشدة، والنبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته لا يملك أن يزيل الشدة عن أحد، بل حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يستغيثون بالله وحده عند الشدائد، فيغيثهم الله جل وعلا، كما في قوله تعالى : ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ﴾ [الأنفال: ٩].

وقال تعالى ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ﴾ [النمل: ٦٢].

فالرسول صلى الله عليه وسلم لا يملك لنفسه، فضلاً عن أن يملك لغيره، أن يغيث أحداً، كما قال الله تعالى آمراً رسوله صلى الله عليه وسلم ﴿قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا ، قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا﴾ [الجن:٢١-٢٢].

والدعاء أجلُّ العبادات يجب أن يكون خالصاً لله تعالى ومن دعا غير الله فقد عبد غير الله، وقد سمَّى الله تعالى الدعاء عبادة، فقال : ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ [غافر: ٦٠]، فأمر بالدعاء بقوله: (ادعون ) ووعد بالاستجابة بقوله: (استجب لكم) ولم يقل ادعوا رسولي أو رسلي أو ملائكتي أو أوليائي، إذن لماذا يُدعى غيرهُ ؟!

وقوله: ( إن الذين يستكبرون عن عبادتي ) يدل على أن الدعاء عبادة، لذا قال : ( عن عبادتي ) أي عن دعائي، كما جاء في الحديث « الدعاء هو العبادة » [ رواه الترمذي، رقم (٢٩٦٩)، عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما ] .

والاستغاثة أخصُّ من الدعاء، وهي نوع من أنواعه : فالدعاء هو سؤال الله تعالى الحاجات عموماً والإستغاثة سؤال الله تعالى إزالة الشدة، فكل استغاثة دعاء وليس كل دعاء استغاثة .

إذا عرفنا هذا تبيَّن لنا أنه يجب أن ندعو الله وحده ونستغيث بالله وحده، ودعاء غير الله شرك وكذلك الاستغاثة بغير الله شرك .

ولا يشكل علينا قول الله تعالى عن رجل من بني إسرائيل أنه استغاثه بنبي الله موسى عليه السلام : ﴿ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْه ِ﴾ [القصص: ١٥]، فهذه استغاثة بمخلوقٍ حيٍّ حاضرٍ في أمر يقدر عليه وهذا لا بأس به، فهو كالإستعانة وهي طلب العون، فلا بأس أن تستعين بمخلوق حي حاضر في أمر يقدر عليه، كما قال تعالى : ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَان ِ﴾ [المائدة: ٢].

أما الإستعانة أو الإستغاثة بمخلوق ميت أو غائب أو على أمر لا يقدر عليه إلا الله، فهذا شركٌ بالله ، وفي الحديث المشهور قال النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله عنهما : « إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله» [رواه الترمذي، رقم (٢٥١٦)] .

وهذه من المسائل الظاهرة التي لا يسع المسلم أن يجهلها .

أخي القارئ والآن اقرأ معي هذه الفتوى الباطلة المُضللة الداعية إلى الشرك بالله والعياذ بالله، وللأسف أنها صدرت من وزارة الأوقاف الكويتية :

السائل : ما حكم التغني أو ترديد الشعر الآتي :

يا رسول الله خذ بيدي، هل هو استغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم من دون الله أم لا ؟

وهل هذه الاستغاثة شرك بالله أم لا ؟

وهل هذه الكلمات إطراء بالنبي صلى الله عليه وسلم المذموم الذي جاء في الحديث : « لا تطروني كما أطرت النصارى المسيح ابن مريم » ؟ أفتونا مأجورين .

الجواب : جمهور الفقهاء على أنه لا بأس بالاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم في حياته وبعد وفاته ليشفع للمستغيث عند الله تعالى .

وعليه فلا مانع من الدعاء والإستغاثة باللفظ المسئول عنه لأنه لا يخرج عن هذا الحدِّ المشروع وليس في ذلك إطراء مذموم، لأنَّ الشفاعة ثابتة للنبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة . والله أعلم .

انتهت الفتوى رقم (٣١٨٨) من كتاب مجموع الفتاوى الشرعية الصادر عن قطاع الإفتاء والبحوث الشرعية الجزء الحادي عشر صفحة ٣٦، طبعة وزارة الأوقاف الكويت .

أقول : هذه الفتوى اشتملت على الباطل والتضليل من وجوه :

١- قوله : لا بأس بالاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته .

٢- قوله : لا مانع من الدعاء والاستغاثة باللفظ المسئول عنه وهو ( يا رسول الله خذ بيدي ) .

٣- الكذب على جمهور الفقهاء بنسبة ذلك القول الباطل لهم .

٤- قوله إن هذا لا يخرج عن الحد المشروع .

٥-قوله : ( ليس في ذلك إطراء مذموم ) .

٦- تعليله بجواز دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم والإستغاثة به بقوله ( لأن الشفاعة ثابتة للنبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة ) .

٧-إقرار التغني بالأذكار والمديح لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

أقول: يؤسفني جداً أنَّ مثل هذا الباطل الظاهر الذي لا يخفى بطلانه على العامي فضلاً عن طالب العلم يفتي به مشايخ ودكاترة ومفتون ويتم نشره في كتاب فتاوى رسمي يصدر من وزارة الأوقاف وقطاع الفتوى ؟!

والذي نفسي بيده ما زلت متعجباً كيف تصدر وتنشر هذه الفتوى في بلد فيه غالبية ساحقة موحدة سنية ؟!

كيف يقول المفتي لا بأس بالإستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته ولا مانع من الدعاء والاستغاثة به ؟

أين هذا المفتي من قول الله تعالى : ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾ [الكهف: ١١٠] ؟!

أين هذا المفتي من قوله تعالى : ﴿وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾ [النور:٥٤] ؟

لم يكتف المفتي بالدعوة إلى الشرك الأكبر ، بل تجرّأ وكذب على جمهور الفقهاء ؛ فنسب إليهم أنهم يجيزون الإستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته، ولم يذكر المرجع الذي نقل منه قول جمهور الفقهاء .

والغريب في الأمر أنَّ السائل أو من ينقل عنه قد أوردَ في سؤاله الجوابَ الشرعيَّ الصحيحَ الصريحَ، وكأنه ينتظر الإجابة التي تقنع المخالف فأشار بسؤاله إلى أن قول القائل « يا رسول الله خذ بيدي » استغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم وأنه من الشرك بالله وأنه إطراء بالنبي صلى الله عليه وسلم كما أطرت النصارى المسيح ابن مريم- عليه السلام-. لكن للأسف جاء الجواب مخيباً للظن !!

ومما ينبغي التنبيه عليه أنَّ الشفاعة لا شكَّ ثابتةٌ للرسول صلى الله عليه وسلم، ولغيره من الرسل والملائكة والشهداء والصالحين وهذا لا يعني جواز الاستغاثة بالرسول صلى الله عليه وسلم ولا بغيره .

ولا شكَّ أنَّ الشفاعة حقٌ وهي بيد الله تعالى يؤتيها من يشاء كرماً وفضلاً، قال تعالى: ﴿ قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا ﴾ [الزمر: ٤٤]، ولا بأس أن يسأل المسلمُ اللهَ تعالى أن يشفع له رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول في دعائه : اللهم اكتب لنا شفاعة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، فهذا جائز .

أمَّا أن يُدعى رسول الله صلى الله عليه وسلم من دون الله أو يُستغاث به بحجة أن شفاعته ثابتة فهذا بلا أدنى شك من الباطل بل ومن الشرك بالله تعالى .

ومما لاحظته على كتاب الفتاوى الصادر من وزارة الأوقاف الكويتية ومن قطاع الإفتاء عدم ذكر اسم المفتي عند كل فتوى لكي يتحمل كل مفتٍ مسؤولية ما أفتى به ، وإنما ذكروا في مقدمة الكتاب أسماء أعضاء اللجنة فحسب !

وممن ذكر اسمه في لجنة الفتوى الشيخ حسن مراد مناع رئيساً، الدكتور خالد مذكور المذكور نائباً للرئيس، الدكتور عجيل النشمي عضواً، الدكتور عيسى زكي شقرة عضواً، الدكتور محمد عبد الغفار عضوا وآخرون .

والواجب على هؤلاء وغيرهم أن يتقوا الله تعالى ويبادروا بتصحيح الفتوى الشركية الباطلة وبيان الحق، كما يجب على من له الأمر بعد الله تعالى في قطاع الفتوى أن يصدر بياناً يذكر فيه بطلان الفتوى الآنفة الذكر .

أخي القارئ الكريم إليك فتاوى أهل العلم بما يتعلق بالمسألة نفسها، وهي مسألة الاستغاثة بالرسول صلى الله عليه وسلم وقول ( يا رسول الله خذ بيدي ) وقارن بينها وبين فتوى وزارة الأوقاف .

الفتوى الأولى :

فتوى رقم (٥٥٥٣)، من فتاوى اللجنة الدائمة، في المملكة العربية السعودية (١/ ٥٥)

السؤال: الاستغاثة بالأنبياء والأولياء والصالحين في حياتهم وبعد مماتهم في كشف السوء وجلب الخير والتوسل بهم أيضا في الحالتين لقضاء الحوائج والمآرب أيجوز ذلك أم لا ؟

الجواب:

أما الاستغاثة بالأموات من الأنبياء وغيرهم فلا تجوز، بل هي من الشرك الأكبر، وأما الإستغاثة بالحي الحاضر والإستغاثة به فيما يقدر عليه فلا حرج ؛ لقول الله سبحانه في قصة موسى : ﴿ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ ﴾ [القصص: ١٥].

أما التوسل بالأحياء أو الأموات من الأنبياء وغيرهم بذواتهم أو جاههم أو حقهم فلا يجوز، بل هو من البدع ووسائل الشرك .

وبالله التوفيق .

وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم .

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء عبد الله بن قعود عضو عبد الله بن غديان عضو عبد الرزاق عفيفي نائب الرئيس عبد العزيز بن عبد الله بن باز رئيس

الفتوى الثانية :

الفتوى رقم (٥٠٣٤)، من فتاوى اللجنة الدائمة، ( ١/ ١١ )

السؤال : ارجو أن تفتونا في جماعة يحلقون في المساجد ويذكرون الله ويذكرون رسوله ويأتون في أذكارهم ببعض الأشياء المنافية للتوحيد مثل قولهم بصوت واحد: وخذ بيدي يا رسول الله . يرددون ذلك ويقودهم أحدهم قائلا : يا مفتاحا لكنوز الله - يا كعبة لتجلي الله - أيا عرشا لاستواء الله - يا كرسيا لتدلي الله - فاغننا يا رسول الله ، أنت المقصود يا حبيب الله - أنت أنت يا رسول الله... إلى غير ذلك من هذا النوع المملوء بالشركيات .

الجواب :

أولاً : إن ذكر الله جماعة بصوت واحد على طريقة الصوفية بدعة، وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد » (الإمام أحمد (٦ / ٢٧٠)، والبخاري (٣ / ١٦٧)، و[مسلم بشرح النووي] (١٢ / ١٦)، وأبو داود (٥ / ١٣)، وابن ماجه ( ١ / ٧ ) .

ثانياً : أن دعاء غير الله والإستغاثة به لتفريج كربة أو كشف غمة شرك أكبر لا يجوز فعله ؛ لأن الدعاء والإستغاثة عبادة وقربة لله وحده، فصرفها لغيره شرك أكبر يخرج من الإسلام والعياذ بالله، قال تعالى : ﴿ وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ [يونس : ١٠٦] ﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [يونس : ١٠٧].

وقال تعالى: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا﴾ [الجن : ١٨] وقال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ ﴾ [المؤمنون : ١١٧]، إلى غير ذلك من الآيات الدالة على وجوب صرف العبادة لله وحده .

وثبت في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله » [سنن الترمذي صفة القيامة والرقائق والورع (٢٥١٦), مسند أحمد بن حنبل (١ / ٣٠٨ ).] الحديث، وقال عليه السلام : « الدعاء هو العبادة » [الإمام أحمد (٤ / ٢٦٧، ٢٧١، ٢٧٩)، وأبو داود (٢ / ١٦١)، والترمذي (٥ / ٣٧٤)، وابن ماجه (٢ / ١٢٥٨)] .

وبالله التوفيق.

وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم .

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء عبد الله بن قعود عضو عبد الله بن غديان عضو عبد الرزاق عفيفي نائب رئيس عبد العزيز بن عبد الله بن باز رئيس

والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

المقالات