(إنَّمَا ذَلكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوّفُ أَوْلًيَاءهُ)
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى التابعين لهم إلى يوم الدين، أما بعد:
فإن الله تعالى أخبرنا عن العدو المبين الشيطان الرجيم أن من كيده وخطواته أن يخوفنا من أوليائه كما قال تعالى (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175)) (آل عمران). وللآية تفسيران:
الأول: أن الشيطان يخوفكم من أوليائه واتباعه وجنده وحزبه فقال الله تعالى (فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) ذكر نحوه ابن كثير رحمه الله في تفسيره.
الثاني: إنما سلطان الشيطان على أوليائه فيخوفهم فلا تكونوا من أولياء الشيطان الذين يخوفهم فيخافون منه.
وكلا التفسيرين محتمل ويمكن حمل الآية على المعنيين فلا منافاة، فالشيطان يخوف المؤمنين من أوليائه واتباعه وجنده والواجب على المؤمنين ألا يخافوا بسبب تخويف الشيطان، وكذلك أيضا الشيطان سلطانه على أوليائه واتباعه فيخافون منه.
أيها القارئ الكريم وبعد هذه المقدمة تعرف أن ما يسعى إليه شياطين الجن والإنس قديماً وحديثاً، تخويف المؤمنين وتخويف الموحدين وتخويف أهل السنة بين الحين والآخر من أن ينكروا عليهم شركهم وباطلهم وبدعهم وأهواءهم إنما هو من الشيطان ومن كيده، فتأمل وتدبر كتاب الله تعالى وقارن الحال اليوم تجد ذلك مطابقاً مطابقة تامةـ تخويف من الشيطان وثبات وتوكل من المؤمنين. تأمل قوله تعالى عن قوم إبراهيم عليه السلام لما أعلن براءته من عبادة كل ما يُعبدُ من دون الله كما في سورة الأنعام (فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79) وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (80) وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81) (الانعام) ثم حكم الله تعالى بين إبراهيم عليه السلام وقومه في بيان أي الفريقين أحق بالأمن، فقال (الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82)) (الأنعام). قال تعالى في حق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (36)) (الزمر).
وهذا كما أنه في المشركين السابقين كذلك حال المشركين اللاحقين فلا يكاد ينكر الموحد على عبّاد القبور والأولياء إلا قالوا: امسك عن هذا وإلا فعلوا بك كذا وكذا!! ويشبه هؤلاء أصحاب البدع والأهواء وبالمناسبة أقول إن كثيراً من أصحاب البدع تجد عندهم شركاً أكبر وأصغر وذلك بسبب العلاقة الوثيقة بين الشرك والبدعة. وتأمل هذا الكلام القيّم للإمام ابن القيم رحمه الله تعالى قال: «فلا تجد مشركاً قط إلا وهو متنقص لله سبحانه، وإن زعم أنه معظم له بذلك، كما أنك لا تجد مبتدعاً إلا وهو متنقص للرسول صلى الله عليه وسلم، وإن زعم أنه معظم له بتلك البدعة فإنه يزعم أنها خير من السنة وأولى بالصواب، أو يزعم أنها من السنة» (إغاثة اللهفان ـ 131).
ومن هذا أو قريب منه ما نسمعه هنا وهناك وبين حين وآخر أنه لا يجوز الكلام في أهل البدع ولا انتقادهم ولا التحذير منهم فتارة يقولون ما تكلم به أحد إلا وأصيب بمكروه، وتارة يقولون ما تكلم أحد بهم إلا وزاغ عقله أو ذهب دينه أو خسر عمله وأجره أو اقتص من حسناته يوم القيامة أو غير ذلك من المحاولات اليائسة لإسكات أهل السنة ولإقرارهم على بدعهم وأنّى لهم هذا، فإنها شنشنة نعرفها من أخزم، فلا ينطوي على أهل السنة كيدهم ومكرهم وسأذكر مثالين اثنين:
الأول: تلك الوصية المزعومة المكذوبة التي تظهر بين الحين والآخر والموقعة من الشيخ (أحمد) حامل مفاتيح المسجد النبوي وفيها أن من لم ينسخها ويوزعها على عشرة أشخاص سيحدث له كذا وكذا، وقد كتب الشيخ العلامة الإمام عبد العزيز بن بازـ رحمه الله تعالى رسالة بعنوان (تنبيه هام على كذب الوصية المنسوبة للشيخ أحمد خادم الحرم النبوي الشريف) (الرسالة الرابعة ـ 193/1 ).
الثاني: ما زعمه أهل البدع والأهواء من أن كل من انتقد كتاب إحياء علوم الدين للغزالي ستحل به مصيبة يخوفون بذلك أهل السنة ولعل الله تعالى ييسر لي في مقال قادم إن كان في العمر بقية اكتب تعليقا وتحذيرا من كتاب إحياء علوم الدين.
والله اسأل أن يوفقني وكل سني إلى نصرة دينه وإعلاء كلمته والحمد لله أولا وآخرا وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.