دعوها فإنها منتنة
الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان الا على الظالمين والعاقبة للمتقين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإن كثيراً من الناس ابتلي بالتحزب ووقع بداء الحزبية، ذلك الداء الذي لا يكاد ينجو منه أحد بين مقلٍ ومكثرٍ، حتى من يذم التحزب ويحاربه تجده للأسف يقع فيما نهى عنه. وكثير من الناس يجمع حوله حزباً صغيراً أو كبيراً من الشباب والشابات ومن الرجال والنساء ويبدأ يربيهم على التحزب والتعصب لنفسه ولحزبه يرضون لرضاه ويغضبون لغضبه ويحبون من يحب ويبغضون من يبغض، ويجعلون أكثر نشاطهم من أجل شخصه أو حزبه أو فكرته، فلا يكاد يذكر لهم نشاط ولا يعرف لهم عمل الا في سبيل الحزب ومن أجله مما أفسد نياتهم ويخشى عليهم بطلان أعمالهم.
ولقد عظُم ضرر الأحزاب والحزبيين من خلال وسائل التواصل الحديثة كالتويتر ونحوه فأخذوا يجمعون كلمات من هنا وهناك تُقتطع أكثرها من سياقها ومناسبتها وانشغلوا بها عن طلب العلم ودراسة الكتاب والسنة والعبادة الشرعية التي خُلقوا من أجلها، فمن نصحهم أو خالفهم أو كان خارج حزبهم استباحوا عرضه وتكلموا فيه بالحق تارة وبالباطل تارات، فأحدهم ما ينتهي من الطعن في شخص الا وقد حضَّر نفسه للطعن بآخر، متجاوزاً بذلك كل القيم والأخلاق والأعراف، فلا يتورع بعضهم عن السب والشتم والقذف بالباطل ويسمون ذلك دفاعا واستباحوا الغيبة ويسمونها نصيحة، ويمشون بالنميمة ويسمونها تحذيراً، ويتجسسون ويتحسسون ويسمون ذلك توثيقاً. فلمّا لم يشغلوا أنفسهم بالخير شغلتهم أنفسهم بالشر، لا يوقرون كبيراً ولا يحفظون معروفاً، يفجرون في الخصومة فجوراً أذهل كثيراً من الناس، حب الانتقام للنفس عندهم ظاهر جداً مهما حاولوا اخفاءه لا يجدون لذلك سبيلاً. يصطادون بالماء العكر ويحملون قول القائل ما لا يحتمل، يسيئون الى من أحسن اليهم، ويتمادون بالاعتداء على من يعفو عنهم، يتخفون بأسماء مستعارة ويستثمرون كل فرصة لينقضوا على من كان خارج حزبهم، عندهم أزمة في الأخلاق وبعيدون عن آداب الاسلام، أحدهم لقب نفسه بـ(المعتصم بالله) ليتستر عن أفعاله السيئة المشينة، نسأل الله العافية.
أخي القارئ الكريم! ان كثيرا من الناس قد علم ومنهم من شاهد تلك الجريمة البشعة التي قام بها فئة من المجرمين في المستشفى العسكري في صنعاء -العاصمة اليمنية- التي هي جريمة بكل المقاييس والاعتبارات، فأين (المعتصم بالله) وأمثاله لا يستنكرون ذلك؟ أين الذين يبكون أو يتباكون على قتلى الأبرياء في بلاد المسلمين؟ لو حدث مثل هذا الحدث على ايدي البوذيين في بورما أو اليهود في غزة أو البعثيين النصيريين في سورية لكان ذلك أهون شراً باعتبار ان هؤلاء كفار لا يؤمنون بالله واليوم الآخر، لكن يقع ممن يزعم الاسلام ويريد اقامة دولة الخلافة، فهذا والله أبشع وأسوأ!! ولما تحمل تلك الأعمال من نفرة المسلمين عن الاسلام فضلاً عن الكفار.
أتمنى ان يظهر لنا على وسائل الاعلام مشايخ ودعاة الثورات والمظاهرات ويدينون هذا الارهاب ويعلنون توبتهم ورجوعهم الى الحق. وما يحدث اليوم في سورية ومصر وليبيا وتونس واليمن ما هو الا من نتائج الثورات وربيعهم المزعوم لأن هذه الأحزاب الاجرامية الارهابية ليس لها مكان ولا زمان الا في الدول المضطربة أمنيا، والله المستعان.
فائدة
الحزبية شرها عظيم لذا نهى الله عنها بقوله {وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32)}[الروم]، وقد ذكر بعض أهل العلم ان من عقوبة الله تعالى بهؤلاء كونهم يفرحون بتفرقهم وتحزبهم فهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا. ولقد صدر عن بعض الصحابة رضي الله عنهم شيء من ذلك فبادر النبي صلى الله عليه وسلم بالانكار عليهم إنكاراً شديداً لعلمه صلى عليه وسلم بخطورة ذلك التعصب والتحزب، ولقد عاب علي بعض الناس كلامي هذا وحمله على أني أطعن بالصحابة والعياذ بالله، ولئن أخرُّ من السماء خير وأحب إلي من أن أطعن بصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم. والحمد لله أني لست ممن انفرد بهذا القول بل سبقني اليه علماء أجلاء فضلاء واليك أخي القارئ الكريم كلامهم:
أولاً: قال الشيخ مقبل الوادعي:
(والشباب المسلم محتاجون الى رعاية أنصحهم جميعاً..... بالابتعاد عن الحزبية فان الحزبية تعتبر جاهلية حديثة النبي- صلى الله عليه وعلى آله وسلم- كما في «الصحيحين» من حديث جابر عند ان تخاصم أنصاري ومهاجري فقال الأنصاري: يا للأنصار! وقال المهاجري: يا للمهاجرين! فقال النبي- صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟! دعوها فانها منتنة».ويقول النبي- صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «من قتل تحت راية عمية يغضب للعصبة ويقاتل للعصبة فليس من أمتي» فالتعصب الحزبي يعتبر دسيسة ويغذى من قبل أعداء الاسلام، نحن مسلمون سمانا الله مسلمين، فرب العزة يقول في كتابه الكريم: {ان هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون}، ويقول: ﴿وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون}، فسبيل الله واحد، وسنة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - واحدة).
المصدر: (مقابلة في شأن الجهاد الأفغاني)، موقع الشيخ مقبل -رحمه الله- الرسمي على الانترنت.
ثانياً: قال العلامة عبدالعزيز الراجحي:
(ولما حصل خلاف في بعض الغزوات، لما كسع رجلٌ من المهاجرين أو من الأنصار -مهاجرٌ أنصاريًّا، أو أنصاريٌّ مهاجريًّا- نادى الأنصاري: يا للأنصار، ونادى المهاجريُّ: يا للمهاجرين، فلما تنادوا فيما يفيد التفرقة، هذا قال: يا للمهاجرين، وهذا قال: يا للأنصار، غضب النبي -صلى الله عليه وسلم- وقال: أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم! دعوها فانها مُنْتِنَةٌ وهما اسمان اسلاميان، لأن فيه تحزبا، لما كان فيه تحزب، المهاجرون هذا اسم أيش؟ اسلامي، الذين هاجروا وهم المؤمنون الذين هاجروا من مكة الى المدينة وتركوا أموالهم وديارهم، والأنصار الذين آووا المهاجرين، اسمان اسلاميان أليس كذلك؟ لكن لما كان فيه تحزب قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم! دعوها فانها منتنة أي: لا تتحزبوا، اجتمعوا.لماذا هذا ينادي المهاجرين وهذا ينادي الأنصار؟ فيه تحزب وفيه تفرقة).
المصدر: (التفريق بين الأمة وامتحانها بما لم يأمر الله به ولا رسوله)، موقع الشيخ الرسمي على الانترنت.
ثالثاً: قال العلامة ربيع المدخلي:
(والرسول الكريم يحذر يا أخوتاه، يحذر من التعصب للقبائل أو للعشائر قال رجل: يا للأنصار قال آخر: يا للمهاجرين، الأنصار لفظ شريف ورد في كتاب الله وفي سنة الرسول والمهاجرون كذلك، لكن لما استغلت هاتين اللفظتين في الدعوة الى الهوى والباطل فقال الرسول: ادعوى الجاهلية وأنا بين اظهركم، دعوها فانها منتنة).
المصدر: (محاضرة: التمسك بالمنهج السلفي)، موقع الشيخ الرسمي على الانترنت.
والحمد لله أولا وآخر وظاهرا وباطنا وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.