موقع الشيخ
حفظه الله
سالم بن سعد الطويل

النصح والبيان للأخ عبدالعزيز بوطيبان (١)

19 صفر 1435 |

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:

فلقد كتبت مقالين انتقدت فيهما قطاع الافتاء في وزارة الأوقاف الكويتية على فتوى تجيز الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم ودعائه من دون الله تعالى، وبينت ان ذلك من الشرك الأكبر بالله عز وجل، لأن ذلك عبادة لغير الله تعالى، فـ«الدُّعاءُ هو العبادةُ» كما قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه الترمذي (3247) عن النعمان بن بشير رضي الله عنه.

وهذه المسألة على الرغم من وضوحها الا ان الأخ عبدالعزيز بو طيبان وفقه الله لكل خير أنكر عليَّ استنكاري لتلك الفتوى التي تدعو الى الشرك الأكبر الصريح الذي ليس فيه خلاف بين المسلمين، قال تعالى: {قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ (64) وَلَقَدْ أُوحِيَ الَيْكَ وَالَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65) بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (66)} [الزمر]، فالأخ بو طيبان كتب مقالاً في جريدة الوطن بعنوان (قطاع الافتاء مفخرة للكويت) بتاريخ 2013/12/14، والأخ عبدالعزيز بوطيبان لا أعرفه ولا أعلم تخصصه، ولا يضره ألا أعرفه، لكن واجب النصيحة دفعني لأكتب له ولغيره أحذر من الشرك بالله الذي هو أعظم ذنب عُصي الله به، وهو الذنب الذي لا يغفره الله لمن مات عليه ولقي الله به، والموجب لصاحبه الخلود في نار جهنم والعياذ بالله.

والذي يظهر لي ان الأخ (بو طيبان) لا يعرف الشرك، شأنه شأن كل من لم يهتم بدراسة التوحيد، لذلك ذكر في مقاله أنه يريد ان يدافع عن العلماء الذين يقولون بمشروعية ترديد بيت من الشعر يقول «يا رسول الله خذ بيدي» وقالوا: «لا بأس بالاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم في حياته وبعد وفاته ليشفع للمستغيث عند الله تعالى» فكيف نتصور عالماً لا يعرف ان دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره من الشرك بالله؟!

لقد قال الله في كتابه: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}، ولم يقل ادعوا رسولي ولا غيره وانما قال: (ادعوني) فأمره بدعائه جل وعلا ووعد بالاجابة فقال: (استجب لكم) ثم قال: {انَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي} أي عن دعائي، لأن الدعاء هو العبادة، ثم توعد الله عز وجل الذين يستكبرون عن دعائه ويدعون غيره بقوله {سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر: 60]، أي: صاغرين.

ويقول الله تعالى {وَاذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَانِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ اذَا دَعَانِ}، ولم يقل اذا دعا رسولي فبما ان الله قريب يجيب دعوة الداعي اذا دعاه لماذا ندعو غيره؟! ثم قال: {فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186]. وقال تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا (18)} [الجن]، فقوله (أحداً) نكرة في سياق النهي تفيد العموم، أي لا تدعو مع الله أي أحد ملكاً مقرباً، ولا نبياً مرسلاً ولا ولياً صالحاً ولا حياً ولا ميتاً، كما قال تعالى: {ولا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ ولا يَضُرُّكَ فَانْ فَعَلْتَ فَانَّكَ اذًا مِنَ الظَّالِمِينَ (106)} [يونس]، فقوله (لا تدع) لا تعبد ولا تسأل (من دون الله) وكل شيء فهو دون الله تعالى الملائكة والرسل والأولياء وغيرهم، (ما لا ينفعك) اذا دعوته وعبدته (ولا يضرك) اذا لم تدعه ولم تعبده، (فان فعلت) على فرض أنك فعلت (انك اذا من الظالمين) من المشركين الذين صرفوا العبادة والدعاء لغير الله.فالعبادة حق الله وحده فمن صرف الحق لغير مستحقه فقد ظلم لذلك، قال تعالى {لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ ان الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13)} [لقمان]، هذا التوحيد العظيم الذي للأسف يجهله كثير من الناس بل ومن المسلمين بل ومن الدعاة والدكاترة والمفتين.

وهذا والله أمر عجيب لكن كما قال تعالى {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ (40)} [النور]. لقد كان ابن عباس- رضي الله عنه- غلاماً فاستوعب قول النبي صلى الله عليه وسلم لأنه في غاية الوضوح لما قال له: «يا غلام احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، اذا سألت فاسأل الله، واذا استعنت فاستعن بالله» ولم يقل له صلوات الله وسلامه عليه اذا سألت فاسألني من دون الله بل قال: (اذا سألت فاسأل الله) لأن الله تعالى يكفيك عن كل أحد كما قال تعالى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} [الزمر: 36]، بلى الله يكفي عباده ويغنيهم عن كل من سواه.

فيا ليت يا أخ عبدالعزيز بوطيبان تتعلم التوحيد وتعتني به وتعرف عن الشرك وتحذر منه، وكما قيل: عرفت الشر لا للشر ولكن لتوقيه، ومن لا يعرف الشر من الخير يقع فيه.ولا يغرنك بعض الدكاترة وألقابهم حتى منهم من لم يدرس شريعة أصلاً، وانما دراسته تجارة أو ادارة ثم بالواسطات خدع ولاة الأمر وتم تعيينه مفتياً وأتى بالضلالات التي لا يعرفها أهل الكويت، فأساء لأهل الكويت وبدأ يبث السموم بين أبناء وبنات ورجال ونساء الكويت، حتى بلغ الأمر ان أفتى بجواز انتقال المسلم الى النصرانية، وأنه يجب ان نترك له حرية الاختيار كما صرح بذلك في جريدة «الوطن» يوم الخميس 2006/10/12، قال بالحرف الواحد: (يجب علينا ان نترك اتباع الديانتين- يعني الاسلام والنصرانية- لحريتهم في الاختيار فمن أراد من اتباع الديانتين اختيار أي دين فذلك راجع الى اختياره) انتهى كلامه الباطل.

ويلزم من كلام هذا الدكتور الغاء أحكام الردة والمرتدين، تلك الأحكام المجمع عليها والتي لا يخلو منها كتاب فقهي من كتب المذاهب الأربعة. فهل يا أخ عبدالعزيز بو طيبان مثل هذا الدكتور يصلح ان يكون مفتياً؟ الجواب عندك وعند رئيس قطاع المساجد الأخ أحمد العبيدلي.

وأما قولك لي يا أخ «بو طيبان«: (أولاً: يا شيخنا الفاضل قولك عن العلماء الأجلاء الموقعين على الفتوى أنهم مسؤولون عن فتوى تضلل المسلمين وتدعو الى الشرك بالله هذا أمر خطير وفيه تهمة عظيمة لهم، وتعني هذه التهمة اما انهم غير مؤتمنين على عقائد المسلمين أو أنهم ليسوا على علم بالدين، وكلا هذين الأمرين لا يؤهلهم لأن يكونوا أهلا للفتوى).

فأقول: نعم هذا لازم كلامي، وأنا ألتزم به فمن هؤلاء المفتين من ليس مؤتمناً على عقائد، وأيضاً ليس على علم بالدين، ومنهم ذلك الذي أشرت لك اليه آنفاً.

وأما سؤالك يا أخ (بو طيبان): فكيف اختارهم ولي الأمر وائتمنهم لسلامة عقيدتهم وغزارة علمهم الشرعي، وقد ارتضاهم الناس من أهل العلم والعامة قبل ان يعرفوا الشيخ سالم الطويل، ومنهم من توفاه الله كالشيخ حسن مناع رحمه الله؟ فالجواب: الذي اختارهم وغشَّ بهم المسلمين هم حزب الاخوان، الذين سيطروا على وزارة الأوقاف زمناً طويلاً فعيّنوا من أمثال هذا المفتي خريج كلية التجارة ليكون مفتياً في العقيدة، والله المستعان.

وأما قولك يا أخ بو طيبان: «)ثانياً: ان كان الشيخ الطويل يطمئن لرأي لجنة الافتاء لأي دولة من الدول العربية فنحن نحترمهم ونجلهم والامر فيه سعة).

فأقول: ليس بعد الكفر والشرك الأكبر ذنب، الفتوى تجيز دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في حياته وبعد وفاته وحضرتك تقول الأمر فيه سعة!! الله يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم المعصوم وللرسل الذين من قبله: (وَلَقَدْ أُوحِيَ الَيْكَ وَالَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65)) [الزمر]، وحضرتك تقول الأمر فيه سعة؟!

ألم تقرأ قول الله تعالى: }انَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (72){ [المائدة]، فالشرك هو أعظم ذنب عُصي الله به وهو اكبر الكبائر، والذنب الذي لا يغفره الله لمن لقي الله به، نسأل الله ان يعافينا منه صغيره وكبيره.

وأما قولك يا أخ بو طيبان: (ان مسألة التوسل والاستغاثة هي مسألة خلافية، منذ حدث هذا الخلاف في القرن السابع الهجري، وهذا أمر معلوم لجميع طلبة العلم فضلا عن العلماء- فان كان الشيخ الطويل لا يعلم بهذه المسألة فهذه مصيبة وان كان يعلمها فالمصيبة أعظم حيث كتم الحق في هذه المسألة، وأنكر على العلماء في مسألة خلافية، وقد قال العلماء: «لا انكار في خلاف»).

فأقول: المصيبة في كلامك والله الذي لا اله الا هو، فقد خلطت بين الاستغاثة بغير الله والتوسل، وهذا الخلط في كلامك اما عن جهل فهذه مصيبة واما عن قصد وعمد فالمصيبة اعظم.

فبين الاستغاثة والتوسل فرق كبير، فالاستغاثة معناها طلب الغوث وهو ازالة الشدة وهي أخص من الدعاء، ولا يجوز ان تستغيث بغير الله في أمر لا يقدر عليه الا الله، ولا بميت ولا بغائب، ومن فعل ذلك فقد أشرك بالله.

كذلك الاستعانة لا يجوز ان تستعين بمخلوق في أمر لا يقدر عليه الا الله ولا تستعين بميت ولا غائب، ولا بأس ان تستغيث بحي حاضر في أمر يقدر عليه كما في قوله تعالى (فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ) [القصص: 15]، ولا بأس ان تستعين بمخلوق حي حاضر في أمر يقدر عليه كما قال تعالى ({وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْاثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2]، وهذه الاستعانة بالمخلوق لا تعارض الاستعانة الخاصة بالخالق جل وعلا التي ذكرها الله بقوله {ايَّاكَ نَعْبُدُ وَايَّاكَ نَسْتَعِينُ (4)} [الفاتحة] أي نستعين بك وحدك.اذا عرفت هذا التفريق يا أخ (بوطيبان) فسيتبين لك الفرق بين الشرك الذي هو عبادة غير الله مع الله، وبين طلب الناس من رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا جاؤوا اليه وقالوا: يا رسول الله ألا تشفع لنا؟ أما التوسل فهو اتخاذ وسيلة، والوسيلة بمعنى وصيلة توصل الى المطلوب وهذه الوسائل منها مشروع ومنها محدث ممنوع الذي اشرت اليه يا أخ (بوطيبان) وقع فيه الخلاف هو التوسل وليس الاستغاثة بغير الله.

ثم التوسل المحدث الممنوع لم يكن يعرفه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ولقد أشرت اليه بنفسك بأن الخلاف وقع في قرون متأخرة وهو أخف كثيراً جداً من الاستغاثة بغير الله، وأراك يا أخ (بوطيبان) تذكر الاستغاثة ولا تذكر الدعاء مع ان فتوى الأوقاف نصت على ان الاستغاثة والدعاء للرسول صلى الله عليه وسلم في حياته وبعد وفاته لا بأس به هكذا زعموا والعياذ بالله.

أسأل الله ان يبصرنا واياك في ديننا ويرزقنا التوحيد الخالص ويجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن.

وللحديث بقية فتابعني في مقال قادم ان شاء الله تعالى، والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

المقالات