النصح والبيان للأخ عبدالعزيز بوطيبان (٢)
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
فلقد كتبت مقالين انتقدت فيهما قطاع الافتاء في وزارة الأوقاف الكويتية على فتوى تجيز الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم ودعائه من دون الله تعالى، وبينت أن ذلك من الشرك الأكبر بالله عز وجل، لأن ذلك عبادة لغير الله تعالى، فـ«الدُّعاءُ هو العبادةُ» كما قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه الترمذي (3247) عن النعمان بن بشير رضي الله عنه، وهذه المسألة على الرغم من وضوحها إلا أن الأخ عبدالعزيز بوطيبان وفقه الله لكل خير أنكر على استنكاري لتلك الفتوى التي تدعو الى الشرك الأكبر الصريح الذي ليس فيه خلاف بين المسلمين، ولا يقول بجوازه الا مشرك من الجاهلين، قال تعالى: {قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ (64) وَلَقَدْ أُوحِيَ الَيْكَ وَالَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65) بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (66)} [الزمر]، فالأخ بوطيبان كتب مقالاً في جريدة «الوطن» بعنوان (قطاع الافتاء مفخرة للكويت) بتاريخ 2013/12/14، وكتبت عليه تعقيبا بتاريخ 2013/12/22 وهذا المقال الثاني في التعقيب فأقول وبالله أستعين:
قال الأخ عبدالعزيز بوطيبان في نقده اياي: (لا يحق للشيخ سالم الطويل ان يفرض على قطاع الافتاء في الكويت ان يكون منساقا أو تابعا لأي جهة افتاء في العالم الاسلامي).انتهى كلامه.
أقول: الاسلام دين الله تعالى الذي أرسل الله به عبده ورسوله محمداً صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33)} [التوبة]، وهو الدين الذي أكمله الله وأتم به النعمة ورضيه لعباده ديناً كما قال تعالى {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْاسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3].
والاسلام دين واحد لا يختلف من مكان الى مكان ولا من زمان الى زمان فالتوحيد هو التوحيد قديماً وحديثاً، والشرك هو الشرك في الشرق والغرب، والحلال هو الحلال في الليل والنهار، والحرام هو الحرام في الشمال والجنوب، والحق هو الحق في بلاد العرب والعجم، والباطل هو الباطل في الكويت والسعودية، واللبيب بالاشارة يفهم، فقولك يا أخ بوطيبان: (فكل بلد له خصوصيته فمفتوه وعلماؤه اولى به) باطل ظاهر البطلان، وأكبر دليل على بطلانه ان المسلمين- وأنت منهم- مازالوا يستدلون بكلام علماء ليسوا في مِصْرِهم ولا عصرهم، فيقول المصري مثلاً: قال الامام أبوحنيفة، والامام أبوحنيفة كان في الكوفة، ويقول المغربي: قال الامام مالك، والامام مالك كان في المدينة.ويقول النجدي: قال الامام أحمد، والامام أحمد كان في بغداد.ويقول اليمني: قال الامام الشافعي، والامام الشافعي كان في العراق ثم مصر، وهكذا المسلمون كانوا ومازالوا يستدلون بفتاوى علمائهم ولو كانوا من خارج بلادهم وفي غير زمانهم، ولا ينكر ذلك الا مكابر.
فتبريرك يا أخ بوطيبان لبعض دكاترة وزارة الأوقاف الكويتية لتجويزهم الاستغاثة والدعاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته وبعد مماته لكونهم في الكويت هذا باطل، فدين أهل الكويت الاسلام والاسلام دين واحد، فليس للكوييتين دين غير دين الله الذي أرسل به رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم.
ثم لو سلمنا لك جدلاً بما ادعيته فلجنة الفتوى في وزارة الأوقاف الكويتية ليسوا جميعا كويتيين، فمنهم المصري ومنهم السوري ومنهم الفلسطيني، ومنهم الكويتي من أصل ايراني، ومن هنا دخلت على الكويت هذه الفتوى الشركية الباطلة، وهي جواز الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم ودعائه في حياته وبعد وفاته والعياذ بالله.
وأما قول الأخ بوطيبان: (ونحن نجل علماءنا ونحترمهم ونثق بديانتهم وعلمهم وأنهم لا يقلون عن غيرهم في ذلك).
فأقول: من حقك تجل علماءك وتحترمهم لكن أيضا نحن من حقنا اذا سمعناهم أو قرأنا من يضللون المسلمين ويجيزون الشرك بالله ان ننكر عليهم ونحذر من باطلهم، فدعاء غير الله تعالى شرك بالله لأن الدعاء عبادة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم «الدعاء هو العبادة»، فمن دعا غير الله يعني عبد غير الله تعالى.
وأما قول الأخ بوطيبان: (ولا نسمح لأحد ان ينال منهم خصوصا في مسألة فيها خلاف عند اهل العلم).
فأقول: ونحن لن نسمح لأحد يضلل المسلمين ويدعوهم الى الشرك بالله تعالى ويجيز لهم دعاء غير الله تعالى ويورطهم بالشرك الأكبر فيخسرون دنياهم وآخرتهم، ولا نسمح لأحد يمس جانب التوحيد والله تعالى أحق بالتوقير والتعظيم قال تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ الَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (5) وَاذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ (6)} [الأحقاف].
والشرك هو أكبر الكبائر وهو الظلم العظيم وهو أعظم ذنب عصي الله تعالى به وهو الذنب الذي لا يغفره الله لمن مات عليه ولقي الله به فكيف تريدنا نسكت عنه وعمن يدعو المسلمين اليه؟ ثم ليس الأمر كما زعمت ان الاستغاثة بغير الله تعالى ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم من دون الله في حياته وبعد وفاته من المسائل المختلف فيها، كلا والذي نفسي بيده ألم تقرأ قول الله تعالى {فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ الَهًا آَخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (213)}[الشعراء]، وفرق كبير بين الاستغاثة بغير الله تعالى ودعاء غيره من دون الله وبين التوسل، فمن قال: يا رسول الله خذ بيدي يوم تزل الأقدام، أو قال: يا رسول الله اغفر لي، أو قال: يا رسول الله ارحمني، أو يا رسول الله ادخلني الجنة، أو نجني من النار، أو يا رسول الله شافني، أو يا رسول الله ارزقني ولداً، ونحو ذلك، وبين من قال: اللهم ارزقني بجاه رسول الله أو بجاه محمد، ونحو ذلك، فالأول شرك بالله حرام بالكتاب والسنة والاجماع وبجميع الشرائع التي أنزلها الله قبل الاسلام، وأما قول القائل: بجاه رسول الله أو بجاه محمد فهذا المختلف فيه، والراجح أنه بدعة غير مشروعة.
وأنت يا اخ بوطيبان بين أمرين أحلاهما مرٌّ: اما ان الأمر قد التبس عليك لعدم عنايتك بالتوحيد دراسةً وفقهاً فلا تفرق بين الشرك والتوسل، واما أنك تتعمد التلبيس فتخلط الشرك المحرم بلا خلاف بالتوسل المختلف فيه.
فائدة: قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله في حكم التوسل بالرسول صلى الله عليه وسلم: (والثاني: السؤال به، فهذا يجوزه طائفة من الناس، ونقل في ذلك آثار من بعض السلف، وهو موجود في دعاء كثير من الناس، لكنّ ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك كله ضعيفٌ بل موضوع.وليس عنه حديث ثابت قد يظن ان لهم فيه حجة، الا حديث الأعمى الذي علمه ان يقول «أسألك وأتوجه اليك بنبيك محمد نبي الرحمة»، وحديث الأعمى لا حجة لهم فيه، فانه صريح في أنه انما توسل بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم وشفاعته، وهو طلب من النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء، وقد أمره النبي صلى الله عليه وسلم ان يقول: «اللهم شفعه فيّ»، ولهذا رد الله عليه بصره لما دعا له النبي صلى الله عليه وسلم، وكان ذلك مما يعد من آيات النبي صلى الله عليه وسلم.ولو توسل غيره من العميان الذين لم يدعُ لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالسؤال به لم تكن حالهم كحاله).[كتاب: قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة، طبعة رئاسة الافتاء].
وأما قولك يا أخ بوطيبان: (المفروض من الشيخ- سالم الطويل- ان يطرح المسألة للنقاش لا ان يتدخل في عمل القطاع ليوجهه حسبما يريد).
فأقول: لم أطرح المسألة للنقاش بل أنكرت تجويز اللجنة للشرك بالله لما قرأت كلام اللجنة بأن الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم ودعائه في حياته وبعد وفاته لا بأس به، ولا شك هذا من ابطل الباطل فأنكرته علناً كما نشروه علناً، وليست المسألة رأيا ورأيا آخر، وانما المسألة تخالف أصل دين الأنبياء جميعاً، فالشرك لم يأذن الله به يوماً من الدهر ولا يرضى به ولن يرضى به {فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُون }؟
أما قول الأخ بوطيبان: (ان لجنة الافتاء الكويتية تستطيع ان تسهب في الاجابة ولكن لعلمها بأن السائل يريد الحكم الشرعي ولا يريد التفاصيل لثقته باللجنة لذلك يكون الجواب مختصرا ومفيدا للسائل).
أقول: على العكس تماما لقد أراد السائل الجواب المختصر الشافي الكافي هل الاستغاثة بغير الله تعالى ودعاء غيره شرك أو لا؟
الجواب باختصار شديد غير مخل ان يقولوا: نعم شرك أو ليس بشرك وينتهي كل شيء.
وأما قول الأخ بوطيبان (ان هذه الفتوى جاءت لتؤكد ان التوسل والاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم كانا أمرا غير مستنكر عند اهل الكويت قديما، حيث لم يعترض احد على هذه الفتوى حين صدورها).
أقول: هذا الذي دفعني للكلام والاستنكار لما قرأت الفتوى الشركية الباطلة والتي قد مضى عليها ما يقارب عشرين سنة، وقد صدرت من جهة حكومية رسمية دون استنكار مع أنها مخالفة لأصل دين الاسلام ومناقضة للتوحيد ومعارضة لشهادة ألا اله الا الله زاعمين أنها غير مستنكرة عند أهل الكويت فكيف اسكت عنها؟!
ثم ظاهر جدا للمرة الثانية عن قصد أو غير قصد الخلط بين الاستغاثة بغير الله والتوسل.
وأما قول بوطيبان: (قول الشيخ الطويل: لايزال السؤال قائما لقطاع الافتاء، هل الاستغاثة بغير الله شرك ام لا؟
أقول: -القائل بوطيبان- ان سؤال الشيخ هذا فيه تعنت وجر القطاع الى الجدال وذلك لسببين: أولاً: ان الشيخ يريد من قطاع الافتاء ان يوافقه على ما عنده من علم في هذا السؤال، فيكون بذلك القطاع المستفتي والشيخ هو المفتي!
ثانياً: ان قطاع الافتاء قد أجاب عن هذا السؤال باجابة لا لبس فيها بجواز الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم بضوابط).
أقول: ليس في السؤال تعنت ولا هم يحزنون وانما أردت الجواب الصريح هل هذا شرك أو لا، ولستُ مستفتياً أصلا وانما المستفتي غيري قبل ما يقارب عشرين عاماً وانما كتبت مقالين استنكر على اللجنة فتواهم الشركية الباطلة.
قال بوطيبان: (فالذي يستغيث بالنبي صى الله عليه وسلم فانه مستغيث بالله حقيقة وبالنبي صلى الله عليه وسلم مجازا كما في الحديث الصحيح الذي في البخاري عن يوم القيامة.«ثم استغاثوا بموسى ثم بمحمد«....... الخ.
أقول: سبحانك هذا بهتان عظيم، وباذن الله في المقال القادم سأكتب رداً مفصلاً في ابطال هذا الشرك الصريح.
والحمد لله أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.