موقع الشيخ
حفظه الله
سالم بن سعد الطويل

النصح والبيان للأخ عبدالعزيز بوطيبان (٣)

18 ربيع الأول 1435 |

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:

فلقد كتبت مقالين انتقدت فيهما قطاع الافتاء في وزارة الأوقاف الكويتية على فتوى تجيز الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم ودعائه من دون الله تعالى، وبينت ان ذلك من الشرك الأكبر بالله عز وجل، لأن ذلك عبادة لغير الله تعالى، فـ«الدُّعاءُ هو العبادةُ» كما قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه الترمذي (3247) عن النعمان بن بشير رضي الله عنه، وهذه المسألة على الرغم من وضوحها، الا ان الأخ عبدالعزيز بوطيبان -وفقه الله لكل خير- أنكر عليّ استنكاري لتلك الفتوى التي تدعو الى الشرك الأكبر الصريح الذي ليس فيه خلاف بين المسلمين، ولا يقول بجوازه الا مشرك من الجاهلين، قال تعالى: {قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ (64) وَلَقَدْ أُوحِيَ الَيْكَ وَالَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65) بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (66)} [الزمر]، فالأخ بوطيبان كتب مقالاً في جريدة «الوطن» بعنوان (قطاع الافتاء مفخرة للكويت) بتاريخ 2013/12/14، وهذا المقال الثالث في التعقيب فأقول وبالله أستعين:

قال الأخ عبدالعزيز بوطيبان كلاماً في غاية الخطورة وهذا نصه بالحرف الواحد: (ان قطاع الافتاء قد أجاب على هذا السؤال باجابة لا لبس فيها بجواز الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم بضوابط وشروط.الفتوى رقم (3188)، (11/36) 10هـ. فالذي يستغيث بالنبي صلى الله عليه وسلم فانه مستغيث بالله حقيقة وبالنبي صلى الله عليه وسلم مجازاً) انتهى كلامه.

وأقول: هذا القول يفتح باب الشرك على مصراعيه، فكل من أراد ان يشرك بالله تعالى بامكانه ان يحتج بهذه الحجة العليلة بل الميتة، فقد يظهرُ لنا غداً من يدعو الهاً آخر من دون الله ويقول هذا مجاز!! والله يقول: {وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ الَهًا آَخَرَ} [القصص: 88]، ويأتي ثانٍ ويستعيذ بغير الله ويقول هذا مجاز!! والله يقول: {فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [الأعراف: 200]، وثالث يتوكل على غير الله ويقول هذا مجاز!! والله يقول: {فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} [النمل: 79]، ورابع يرجو غير الله ويقول هذا مجاز!! والله يقول: {لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ} [الأحزاب: 21]، وخامس يخاف غير الله ويقول هذا مجاز!! والله يقول: {فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ} [آل عمران: 175]، وسادس يرهب غير الله يقول هذا مجاز!! والله يقول: {وَايَّايَ فَارْهَبُونِ (40)} [البقرة]، وسابع يتقي غير الله ويقول هذا مجاز!! والله يقول: {وَايَّايَ فَاتَّقُونِ (41)} [البقرة]، وثامن يستغفر غير الله ويتوب اليه ويقول هذا مجاز!! والله يقول: {وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا الَيْهِ} [هود: 90]، وتاسع ينيب الى غير الله ويسلم له ويقول هذا مجاز!! والله يقول: {وَأَنِيبُوا الَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ} [الزمر: 54]، وعاشر يعبد غير الله ويستعين به ويقول هذا مجاز!! والله يقول: {ايَّاكَ نَعْبُدُ وَايَّاكَ نَسْتَعِينُ (4)} [الفاتحة]، ولا شك ان من كان له أدنى معرفة بالتوحيد يعرف بطلان هذا الكلام الذي لا أدري كيف يتلفظ به مسلم؟

أقول: لا شك هذا هو الضلال المبين ولا شك ان في هذا القول (فالذي يستغيث بالنبي صلى الله عليه وسلم فإنه مستغيث بالله حقيقة وبالنبي صلى الله عليه وسلم مجازا) دعوة صريحة للشرك بالله، شَعرَ قائلها أو لم يَشْعُر، نسأل الله العافية، فليتق الله وليتب اليه، اسأل الله العافية والسلامة.

و بعد ذلك أراد الأخ عبدالعزيز بوطيبان الاستدلال على جواز الاستغاثة بغير الله تعالى فقال: (كما في الحديث الصحيح الذي في البخاري عن يوم القيامة.«ثم استغاثوا بموسى ثم بمحمد») انتهى كلامه.

فأقول هذا الاستدلال في غير موضع النزاع لأن للاستغاثة حالتين، واليكم بيان ذلك:

الحالة الأولى: الاستغاثة بالمخلوق الحي الحاضر القادر، وهذا لا بأس به، كما استغاث صاحب موسى بموسى عليه السلام كما في قوله تعالى {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ} [القصص: 15].

الحالة الثانية: الاستغاثة بالغائب أو الميت أو في الأمر الذي لا يقدر عليه الا الله فهذه الاستغاثة لا تجوز الا بالله وحده ومن استغاث بغير الله فقد أشرك بالله تعالى وهذه الاستغاثة التي ذكرها الله تعالى في قوله: {اذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ الَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ الَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ان اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10)} [الأنفال]، فلا يجوز ان يقول قائل أيها المسلمون تعالوا نستغيث برسول الله صلى الله عليه وسلم أو ندعوه لينصر المسلمين المستضعفين اليوم في سورية أو فلسطين أو غزة أو بورما أو غير ذلك. كيف يستغاث بالنبي صلى الله عليه وسلم و الله يقول {وَمَا النَّصْرُ الَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} [آل عمران: 126]، ولم يقل وما النصر الا من عند الله ورسوله.

والآن بعد هذا التفصيل فلننظر في الحديث الذي أشار اليه الأخ بوطيبان وغيره من الأحاديث المشهورة بطلب الشفاعة من الأنبياء يوم القيامة هل هي تتنزل على الحالة الأولى أو الحالة الثانية؟ لا شك انها تتنزل على الحالة الأولى، فالناس يوم القيامة يأتون الى آدم ثم نوح ثم ابراهيم ثم موسى ثم عيسى عليهم السلام يستغيثون بهم ويطلبون منهم الشفاعة، فكلٌّ منهم يعتذر لأن المقام ليس مقامه، حتى ينتهوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول: أنا لها، أنا لها، فيسجد لله تعالى ويحمد الله ويثني عليه ثم يقول الله تعالى له: ارفع رأسك سل تعطى واشفع تشفع...الخ الحديث المشهور في الصحيحين والمعروف بحديث الشفاعة. وهذا لا يصلح به الاستدلال بتاتاً للحالة الثانية، أرجو ان يكون الأمر واضحاً.

ثم أقول: يا أخ بوطيبان لقد نقلت نقولات عن كتب الفقهاء المتأخرين ممن يجيز التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم، وان صح النقل فلا حجة لك بما نقلت عنهم لأن مسألتنا التي أنكرتُ فيها على لجنة الافتاء هي مسألة الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم ودعائه من دون الله في حياته وبعد وفاته وليست مسألة التوسل والفرق بين الأمرين كبير جداً، فلا داعي لتخلط بين الأمرين ثم تقول ان شئت سمه استغاثة أو توسلاً أو سمه ما شئت، فتجعل كأن الأمر مجرد خلاف في الاصطلاح ولا مشاحة في الاصطلاح، كلا بل الفرق بين الأمرين كبير جدا كما سبق ان وضحتُ ذلك. وظاهر من الكلام يا أخ بوطيبان أنك لا تعرف الشرك لأنك لم تدرس التوحيد ولم تعتن به {وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ الَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (213)} [البقرة].

اخواني الكرام لم يتم الرد، فتابعوني في مقالات قادمة ان شاء الله تعالى. والحمد لله أولاً وآخر وظاهراً وباطناً وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

المقالات