النصح والبيان للأخ عبدالعزيز بوطيبان (٤)
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
فلقد كتبت مقالين انتقدت فيهما قطاع الإفتاء في وزارة الأوقاف الكويتية على فتوى تجيز الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم ودعاءه من دون الله تعالى، وبينت ان ذلك من الشرك الأكبر بالله عز وجل، لأن ذلك عبادة لغير الله تعالى، فـ«الدُّعاءُ هو العبادةُ» كما قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه الترمذي (3247) عن النعمان بن بشير رضي الله عنه، وهذه المسألة على الرغم من وضوحها، إلا أن الأخ عبدالعزيز بوطيبان- وفقه الله لكل خير- أنكر علي استنكاري لتلك الفتوى التي تدعو إلى الشرك الأكبر الصريح الذي ليس فيه خلاف بين المسلمين، ولا يقول بجوازه إلا مشرك من الجاهلين، قال تعالى: {قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ (64) وَلَقَدْ أُوحِيَ الَيْكَ وَالَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65) بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (66)} [الزمر]، والأخ بوطيبان كتب مقالاً في جريدة «الوطن» بعنوان (قطاع الافتاء مفخرة للكويت) بتاريخ 2013/12/14، وهذا المقال الرابع في التعقيب فأقول وبالله أستعين:
أولاً: قال الأخ عبدالعزيز بوطيبان إن الفتوى التي صدرت من قطاع الإفتاء في وزارة الأوقاف الكويتية التي تجيز الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم موافقة لما عليه جمهور العلماء وأقول : هذا باطل، بل من قال ذلك فقد نسب لجمهور العلماء ما هم منه براء؛ لأن الاستغاثة بغير الله من الشرك الأكبر المخرج من ملة الإسلام، والواجب أن نستغيث بالله وحده لا شريك له. ومعنى الاستغاثة : طلب إزالة الشدة . وإنما يُستغاث بالله وحده كما قال تعالى: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (62)) [النمل]، وقال تعالى: (وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ) [الإسراء: 67]، أما الرسول صلى الله عليه وسلم فقد مات فلا يستغاث به والله هو الحي الذي لا يموت قال تعالى: (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30)) [الزمر]، وقال تعالى: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ) [آل عمران ]، فكيف يستغاث بالنبي صلوات ربي وسلامه عليه والله يقول: (قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا (20) قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا (21) قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا (22)) [الجن]، ولا أدري كيف يخفى على مسلم له عناية بالعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قامَ على الصَّفا فقال: « يا فاطمةُ بنتَ محمدٍ! يا صفيةُ بنتَ عبدِالمطلبِ! يا بني عبدَالمطَّلبِ ! لا أملكُ لكمْ منَ الله شيئًا. سَلُوني منْ مالي ما شئتُم ْ» [رواه مسلم، عن عائشة رضي الله عنها، رقم: 205]. فتأمل هذا لو كان دعاء النبي صلى الله عليه وسلم والاستغاثة به من المشروع أو المأذون به شرعاً لقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا فاطمة أو يا صفية ادعيني بعد وفاتي استجب لكِ واستغيثي بي بعد وفاتي أغيثك وسليني الشفاعة اشفع لك. لكن كل ذلك لم يقله النبي صلى الله عليه وسلم وإنما قال: (لا أملك لكم من الله شيئاً).
ثانياً: الأخ بوطيبان كأنه يريد التملص والتخلص من أصل الموضوع فذهب يقول: (يجب احترام الرأي المخالف والتأدب مع العلماء وحسن الظن بهم و و و الخ).
أقول: الرأي الآخر إذا كان مخالفاً للكتاب والسُّنة فلا اعتبار له، فكيف إذا كان شركاً بالله تعالى؟! هل تريدني احترم الشرك والعياذ بالله ؟ أما حسن الظن والاحترام فالحمد لله رب العالمين ما تكلمت معك إلا بكل أدب واحترام وأرجو من الله تعالى أن يهديك ويهدي مشايخك للتوحيد والإخلاص.
ثالثاً: وأما قولك يا أخي بوطيبان (لم يأت ولو بدليل واحد صريح من السنة يمنع التوسل والاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم في حياته وبعد وفاته) فأقول: الفتوى التي انتقدتها كانت عن الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم ودعائه في حياته وبعد وفاته وهذا نصها (ما حكم التغني وترديد الشعر الآتي: يا رسول الله خذ بيدي؟
الجواب: لا بأس بالاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم في حياته وبعد وفاته ليشفع للمستغيث عند الله تعالى. وعليه فلا مانع من الدعاء والاستغاثة باللفظ المسئول عنه) انتهى.
والملاحظ عليك يا أخ بوطيبان أقحمت موضوع التوسل وأعرضت عن الدعاء فتعيد وتكرر التوسل والاستغاثة ولا تقول الاستغاثة والدعاء والسر في هذا- والله اعلم- لأنك تعلم بأن القراء الكرام وعامة المسلمين لن يقبلوا منك لو قلت لهم يجوز دعاء النبي صلى الله عليه وسلم من دون الله فأخذت تتستر بالتوسل. لذلك سأعاملك بنقيض قصدك فلن اتكلم عن التوسل واكتفي بما قلته في مقالي السابق بأنه بدعة والبدعة هي الأمر المحدث الذي ليس عليه دليل فلا يُقال لمن حكم على عمل ما بأنه بدعة أين الدليل؟ بل الذي يثبت أن العمل الفلاني من السُّنة هو الذي يأتي بالدليل.
رابعاً: أما قولك يا أخ بوطيبان عن نفسك (لا أزعم أني من أهل العلم ولكني أرجو أن أكون طالب علم فأما تخصصي فهو البحث في قضايا الوسيلة في ضوء الكتاب والسنة).
فأقول: أما كونك لست من أهل العلم فصدقت . وأما قولك بأنك طالب علم . فنصيحتي لك أن تطلب علم التوحيد عند مشايخ وعلماء السنة المعروفين بحسن الاعتقاد وتجنَّب الصوفية وأصحاب الطرق المنحرفة، وأما قولك بأن تخصصك في قضايا الوسيلة فهذا تخصص عن نفسي لم اسمع به من قبل؛ لكن من المعروف أن التخصص مرحلة متقدمة وحضرتك ما زلت في مرحلة الطلب فاطلب العلم أولاً ثم تخصص بعد ذلك.
خامساً: اعتراضك يا أخ بوطيبان على أن ليس كل دعاء لا يجوز صرفه لغير الله وأن من معاني الدعاء النداء فاقول هذا الكلام لا محل هنا؛ لأنك اتفقت معي بأن الدعاء عبادة، بل ومن أعظم العبادات فكيف يتعبد به لغير الله عز وجل ولا يكون شركاً ؟! أما الدعاء الذي بمعنى النداء، فليس موضوع بحثنا وإنما موضوعنا هل يدعى بمعنى يسأل غير الله تعالى ؟ قطعا لا يجوز والله يقول : (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60)) [غافر]، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله»، وجميع العبادات من صلاة وزكاة وصيام وحج وغيرها من العبادات مشتملة على الدعاء بلسان المقال أو بلسان الحال لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم «الدعاء هو العبادة».
سادساً: أما قولك يا أخ بوطيبان (نعم لو كان من يدعو الرسول صلى الله عليه وسلم يعتقد فيه الربوبية وأنه يستحق العبادة وهو الذي يضر وينفع وله المشيئة النافذة من دون الله لقلنا نعم هذا شرك) انتهى.
فأقول: هذا كلام خطير جدا وأنا من البداية في المقالات السابقة قلت بأن الأخ بوطيبان لا يعرف التوحيد ولا تعلمه وظاهر جدا بأنه لا عناية له به، فظنّ أن الشرك لا يكون إلا مع الإعتقاد بأن المعبود مع الله له الربوبية وينفع ويضر و و و الخ، وهذا باطل ظاهر البطلان، ومن تأمل قليلاً وتدبر يسيراً ظهر له الحق جلياً ويا ليت الأخ بوطيبان يقرأ قول الله تعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ (69) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ (70) قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ (71) قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (72) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (73) قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آَبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (74) قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75) أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (76) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ (77) الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82) رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (83)) [الشعراء]. ومن المعلوم أيضا ان المشركين كانوا يعتقدون بأن الله خالقهم ولا خالق سواه كما قال تعالى: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (61)) [العنكبوت]، وقال تعالى: (قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (86) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (87) قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (88) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ (89) بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (90)) [المؤمنون].
سابعاً: أما الاستغاثة بالمخلوق بحجة أن له شفاعة فهذا مثل فعل المشركين الأوائل قال تعالى: (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (18)) [يونس]. والمشروع للمسلم أن يسأل شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم من الله تعالى لا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ كيف نسأل الشفاعة من غير مالكها والله يقول (قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا) [الزمر: 43]، وقال تعالى: (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ) [البقرة: 255].
ثامناً: المشركون الأوائل كفرهم الله تعالى لعبادتهم للأولياء الذين اتخذوه زلفى يتقربون بهم إلى الله تعالى لا لأن لهم الحق بالربوبية أو لأنهم ينفعون أو يضرون كما قال تعالى: (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى) [الزمر: 3]. تاسعاً: إن إبليس الرجيم لم ينكر ربوبية الله تعالى كما قال تعالى: (قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (12)) [الأعراف]، وقال (رب فأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) سورة ( ص ) ] وقال (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82)) [ص]، ومع إقراره هذا بالربوبية قد كفره الله تعالى فقال الله عنه: (إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (34)) [البقرة].
فيا ليت الأخ عبدالعزيز بوطيبان يتأمل هذا جيدا ويتدبره فالأمر خطير جداً لأن الشرك لا يغفره الله أبدا لمن مات عليه ولقي الله تعالى به، وللحديث بقية. والحمد لله أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.