موقع الشيخ
حفظه الله
سالم بن سعد الطويل

فتوى خالدة لشيخنا محمد بن صالح العثيمين رحمه الله

19 ذو الحجة 1427 |

الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين والعاقبة للمتقين والصلاة والسلام على خاتم المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:



فإن للفتاوى مواسم تتكرر فيها حسب حاجة الناس إليها، وهذا من فقه العالم بحيث يذكر الناس بما يناسبهم خلافا لمن لا فقه له ممن يشغل الناس بما لا ينفعهم.



أخي القارئ الكريم، لقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن من هذه الأمة من سيتبع سنن اليهود والنصارى وهذا على سبيل التحذير وليس بمجرد خبر. كما في حديث أبي سعيد رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه و سلم قال ( لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه ). قلنا يا رسول الله اليهود والنصارى ؟ قال ( فمن ) البخاري ]7320[ وإن من ابرز مظاهر متابعتهم مشاركتهم في أعيادهم وتهنئتهم بها!!

 وهذا ما وقع فيه وللأسف الشديد كثير من المسلمين فتراهم يشاركون مشاركة كاملة أو ناقصة للنصارى في ما يسمى بعيد ميلاد عيسى بن مريم - عليه السلام - الذي يزعم النصارى أنه (ولد الله) سبحانه الذي (لم يلد ولم يولد). 

قال تعالى (وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا (4) مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآَبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا (5)] الكهف [ ، وقال تعالى ( وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91) وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا (92) [مريم].

اعلم أخي القارئ رحمني الله وإياك برحمته الواسعة أن مسألة مشابهة الكفار مسألة مهمة وكبيرة من مسائل العقيدة لذا يجب على المسلم أن يحذر كل الحذر من الوقوع في مشابهة الكفار ليسلم بعقيدته من الزيغ والضلال، وقد كتب العلماء في هذه المسألة مصنفات ككتاب (اقتضاء الصراط المستقيم) لشيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى- وكتاب (أحكام أهل الذمة) لابن القيم - رحمه الله تعالى - وكتب شيخنا محمد بن صالح العثيمين- رحمه الله تعالى- وجزاه عنا خيرا. فتوى خالدة إلى ما يشاء الله تعالى يتذاكرها الناس كل عام في رأس السنة في حكم تهنئة النصارى بأعيادهم المبتدعة. 

وعلى الرغم من محاربة كثير من الجهات لهذه الفتوى ومخالفة المخالفين لها إلا أن الله تعالى كتب لها - كما يظهر لنا - الانتشار عاما بعد عام وجعل لها قَبولا عند كثير من المسلمين والحمد لله تعالى ولعل السبب في ذلك صدق الشيخ وإخلاصه فيما نحسبه والله تعالى حسيبه ولا نزكي أحدا على الله تعالى من خلقه وما نحن إلا شهداء الله تعالى في الأرض.

 وإنما يشاهد الناس هذا الإقبال الكبير على كتبه وأشرطته ويستفيدون من علمه وشروحه وفتاواه بصورة قلما تجد لها نظيرا.


أخي القارئ العزيز إليك نص الفتوى:



سائل يقول: ما حكم تهنئة الكفار بعيد الكريسماس وعيد رأس السنة الميلادية؟ وكيف نرد عليهم إذا هنأونا بها؟ وهل يجوز الذهاب إلى أماكن الحفلات التي يقيمونها بهذه المناسبة؟ وهل يأثم الإنسان إذا فعل شيئا مما ذكر بغير قصد وإنما فعله مجاملة أو حياء أو إحراجا أو غير ذلك من الأسباب؟ وهل يجوز التشبه بهم في ذلك؟

الجواب: 

(تهنئة الكفار بعيد (الكريسماس) أو غيره من أعيادهم الدينية حرام بالاتفاق، كما نقل ذلك ابن القيم - رحمه الله - في كتابه (أحكام أهل الذمة)، حيث قال: (وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق، مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم، فيقول: عيد مبارك عليك، أو عليك أو تهنأ بهذا العيد ونحوه، فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب، بل ذلك أعظم إثما عند الله وأشد مقتاً من التهنئة بشرب الخمر وقتل النفس وارتكاب الفرج الحرام ونحوه. وكثير ممن لا قدر للدين عنده يقع في ذلك ولا يدري قبح ما فعل، فمن هنأ عبداً بمعصية أو بدعة أو كفر فقد تعرض لمقت الله وسخطه انتهى كلامه رحمه الله. ( 

وإنما كانت تهنئة الكفار بأعيادهم الدينية حراما وبهذه المثابة التي ذكرها ابن القيم، لأن فيها إقراراً لما هم عليه من شعائر الكفر ورضى به لهم وإن كان هو لا يرضى بهذا الكفر لنفسه، لكن يحرم على المسلم أن يرضى بشعائر الكفر أو يهنئ بها غيره، لأن الله تعالى لا يرضى بذلك كما قال الله تعالى : إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ ]الزمر7[ وقال الله تعالى :( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ) [المائدة 3]، وتهنئتهم بذلك حرام سواء كانوا مشاركين للشخص في العمل أم لا.

وإذا هنأونا بأعيادهم الدينية فإننا لا نجيبهم على ذلك، لأنها ليست بأعياد لنا ولأنها أعياد لا يرضاها الله تعالى لأنها إما مبتدعة في دينهم وإما مشروعة ولكن نُسخت بدين الإسلام الذي بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم إلى جميع الخلق وقال فيه:( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85)) [آل عمران [

وإجابة المسلم دعوتهم بهذه المناسبة حرام، لأن هذا أعظم من تهنئتهم بها لما في ذلك من مشاركتهم فيها، وكذلك يحرم على المسلمين التشبه بالكفار بإقامة الحفلات بهذه المناسبة أو تبادل الهدايا أو توزيع الحلوى أو أطباق الطعام أو تعطيل الأعمال أو نحو ذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم :«من تشبه بقوم فهو منهم».

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه (اقتضاء الطريق المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم) : (مشابهتهم في بعض أعيادهم توجب سرور قلوبهم بما هم عليه من الباطل وربما أطمعهم ذلك في انتهاز الفرص واستذلال الضعفاء) انتهى كلامه رحمه الله.

 ومن فعل شيئا من ذلك فهو آثم، سواء فعله مجاملة أو تودداً أو حياء أو لغير ذلك من الأسباب، لأنه من المداهنة في دين الله، ومن أسباب تقوية نفوس الكفار وفخرهم بدينهم، والله المسؤول أن يعز المسلمين بدينهم ويرزقهم الثبات عليه وينصرهم على أعدائهم إنه قوي عزيز. والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أ.هـ


هذا والله أسأل أن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن وأن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح، والحمد لله أولا وآخرا وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

المقالات