الغضب والانتقام لغير الملك العلام
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده أما بعد:
فإن الغضب والانتقام ليسا محمودين على اطلاقهما كما أنهما ليسا مذمومين على اطلاقهما، وانما يحمدان في حال، ويذمان في حال. ولبيان ذلك أقول:
إن كان لأمر شرعي يستحق الغضب والانتقام من أجله كان ذلك محموداً، وأما ان كان لأمر غير شرعي كأن يكون للنفس أو لعصبة أو لهوى أو لباطل، فحتماً سيكون مذموماً، لذا نجد ان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الغضب كما في حديث أبي هريرة رضي عنه ان رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم أوصني فقال: «لا تغضب» [أخرجه البخاري عن أبي هريرة، رقم (6116)]. ومع ذلك كان يغضب النبي صلى الله عليه وسلم كما في عشرات الأحاديث ولا منافاة بين ما نهى عنه وما كان يصدر عنه، ويظهر بيان ذلك جلياً في وصف أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- لرسول رب العالمين عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم كما في الصحيحين قالت: «ما ضرب رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ شيئًا قطُّ بيدِه. ولا امرأةً. ولا خادمًا.الا ان يجاهدَ في سبيلِ اللهِ. وما نِيلَ منهُ شيٌء قطُّ. فينتقمُ من صاحبِه. الا ان يُنتهك شيٌء من محارمِ اللهِ. فينتقمُ للهِ عزَّ وجلَّ» [أخرجه مسلم رقم (2328)].
فالواجب على المسلم ان يقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم فهو الأسوة الحسنة قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)} [الأحزاب] هكذا أنزل الله الآية وهكذا تُقرأ وليس: ولكم في رسول الله أسوة حسنة كما يقرأها خطأ كثير من الناس، والمقصود أننا لو نظرنا في حال أنفسنا بانصاف وتجرد لأدركنا ان اكثر غضبنا وانتقامنا ليس لله عز وجل بل قد يصل الأمر في كثير من الأحيان الى التطاول والسب والشتم واستباحة الغيبة وتبادل الاتهامات والقطيعة والعداوة بل ربما يصل الأمر الى التشابك بالأيدي بل والى رفع السلاح وسفك الدماء وما من شيء من ذلك لله تعالى الا قليلاً.
وأسوأ أحوال هذه الحال المزرية اذا ادعى أحدنا ان غضبه ديانة وانتقامه لله وانفعاله نصرة للدين وغفل هذا المسكين عن أمر عظيم وهو ان رب العالمين لا تخفى عليه خافية فيعلم الله الصادقين ويعلم الكاذبين والأسوأ حالاً على الاطلاق ذلك الذي لو أوقف بين الركن والمقام واستقسم برب الأرض و السماء هل غضبك وانتقامك لله؟ لأقسم على ذلك ويحسب نفسه أنه صادق وهو ليس كذلك! ليس بالضرورة لأنه منافق كلا ولكن قد يكون مفتونا قد اتبع هواه. وكم هو مخيف قول النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصف منتكس القلب فقال: «...لا يعرِفُ معروفًا ولا ينكرُ مُنكرًا الَّا ما أُشرِبَ مِن هواهُ....) [أخرجه مسلم، رقم (144)عن حذيفة بن اليمان]، وهذه حقيقة كثير من الناس اذا لامس الحدث هواه ثارت ثائرته وغضب غضباً شديداً وصرخ بأعلى صوته: منكر ظلم حرام فساد ضلال وو والخ تلك المفردات ومشتقاتها. بينما لو انتهكت محارم الله دون ان تمس هواه فكأن الأمر لا يعنيه، ثم تجده ان اعطي رضي وان منع سخط.
فيا أخي المسلم احذرُ نفسي واياك من ان يكون لنا نصيب من ذلك. والواجب علينا ألا نثق بأنفسنا فالنفس أمارة بالسوء ولنجتهد في تربية نفوسنا على الصدق مع الله والاخلاص لله والتواضع لعباد الله ونتابع أنفسنا ولنجعل نصب أعيننا دائماً ونتذكر ولا ننسى ان الغضب والانتقام المحمودين هما ما كان لله تعالى وحده لا شريك له.
أسأل الله تعالى ان يختم بالباقيات الصالحات اعمالنا وأن يغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا وما أسررنا وما أعلنا وما هو أعلم به منا. والحمد لله أولا وآخر وظاهرا وباطنا وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.