موقع الشيخ
حفظه الله
سالم بن سعد الطويل

تنبيه الطلاب والطالبات لما عند الدكتور عبد الله من الضلالات (٢-٤)

12 جمادى الآخرة 1435 |

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:

فهذا المقال الثاني أكتبه محتسباً للأجر والثواب من الله الملك الوهاب في التحذير من أحد دكاترة العقيدة في إحدى الكليات في الكويت، وهو الدكتور ( عبد الله )، الذي قرر على الطلاب والطالبات مذكرة نصر فيها عقيدة التفويض والتحريف، وزعم أنها هي عقيدة أهل السنة، بينما لمز عقيدة أهل السنة وسلف الأمة بأنها عقيدة التشبيه والتجسيم لينفر المسلمين منها.

ومن محاولات الدكتور (عبد الله) تلك المحاولة اليائسة التي زعم فيها أن أهل السنة يقولون:

(لله يدان حقيقيتان كأيدي البشر، وأن لله تعالى قبضة حقيقية ويميناً حقيقية كأقباض وأيمان البشر، وله كف حقيقية جارحة كأكف البشر) انتهى كلامه.

أقول: ﴿ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا ﴾ [الكهف : ٥].

ولبيان ذلك أقول للطلاب والطالبات :

أولاً: أسألوا الدكتور (عبد الله) مَنْ مِن أهل السنة قال بأن الله تعالى في ذاته أو صفاته أو أفعاله كالبشر؟ ﴿ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [البقرة: ١١].

ثانياً: الدكتور (عبدالله) يلبس الحق بالباطل، ويكتم الحق وهو يعلم.

نعم أهل السنة قالوا لله يدان حقيقيتان لكن ما قالوا كأيدي البشر .

وقالوا لله يمين حقيقية لكن ما قالوا كأيمان البشر .

وقالوا لله كف حقيقية لكن ما قالوا كأكف البشر .

وقالوا لله قبضة حقيقية لكن ما قالوا كأقباض البشر .

ثالثا: الواجب أن نصف الله تعالى بما وصف به نفسه وهو أعلم بنفسه من خلقه كما قال جل وعلا: ﴿ قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ ﴾ [البقرة: ١٤٠] ؟، لا شك الله أعلم فهو جل وعلا الذي قال: ﴿ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ ﴾ [المائدة: ٦٤]، وقال: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ﴾ [الشورى: ١١]، وقال: ﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [الزمر:٦٧].

رابعاً: ويجب أيضاً أن نصف الله تعالى بما وصفه به النبي ﷺ الصادق المصدوق الذي لا يتقوّل على الله تعالى بل هو كما قال تعالى: ﴿ بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ ﴾ [الصافات: ٣٧]، وقال تعالى: ﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ❊ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾ [النجم: ٣-٤].

فأهل السُّنة يصفون الله بما وصفه به نبيه ورسوله ﷺ مع نفي التمثيل، فيقولون لله يد يبسطها للتائبين تليق به سبحانه وتعالى، ليست كأيدي المخلوقين، لقوله تعالى: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ﴾ [الشورى: ١١].

خامساً: إذا عرفت هذا أيها القارئ الكريم تبين لك الفرق الكبير بين حقيقة عقيدة أهل السنة سلف الأمة وبين ما افتراه عليهم الدكتور (عبد الله) وأمثاله.

سادساً: لو لم تكن صفة "اليد" لله حقيقية على الوجه اللائق بالله تعالى لما وصف الله تعالى نفسه بها، ولو ما أراد الله تعالى ظاهر كلامه ليبين جل وعلا ذلك لعباده في كتابه وقد وصف الله كتابه بقوله: (حم ❊ وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ ﴾ [الدخان: ١-٢]، وقال: ﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآَنٌ مُبِينٌ ﴾ [يس : ٦٩ ]، وقال: ﴿ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ﴾ [النحل : ٨٩]، فهل يعقل أن القرآن المبين الذي هو تبيان لكل شيء لا يبين أنَّ يد الله ليس المراد بها اليد الحقيقية؟! (إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ ﴾ [ص: ٥].

سابعاً: لقد أرسل الله رسوله بالهدى ودين الحق وأنزل عليه الذكر وأمره جل وعلا أن يبين للناس ما نزل إليهم فقال: ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [النحل: ٤٤]، فهل يعقل أن الرسول ﷺ لم يبن للناس أن «يد الله» ليس المراد بها اليد الحقيقية وإنما المراد كما يقول المحرفة النعمة أو القدرة ؟! (إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ).

ثامناً: لقد أمر الله تعالى عباده أن يسألوا أهل الذكر إن كانوا لا يعلمون فقال: ﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [النحل: ٤٣]، فلماذا الصحابة رضي الله عنهم ما سألوا رسول الله ﷺ معنى «يد الله» ؟! ولماذا لم يؤثر عن صحابي قط أنه قال: ليس المراد «بيد الله» اليد الحقيقية؟ (إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ).

تاسعاً: هل يُعقل أن يمضي قرنان من الزمان وزيادة ولم يقل أحد من علماء المسلمين إن «يد الله» ليست يداً حقيقية وإنما هي النعمة أو القدرة حتى يأتي الأشاعرة والماتردية فيقولون ذلك؟! (إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ).

عاشراً: لو لم يرد الله تعالى أن له يداً حقيقية لما وصفها تعالى في كتابة ولا وصفها رسوله ﷺ في سننه بما لا يمكن وصف النعمة والقدرة به كاليمين والقبض أو البسط والكف والأصابع والتثنية.

فكلمة اليد إذا أُطلقت وأريد بها القدرة أو النعمة أو القوة لا يقال عنها يمين فتنبه لذلك أخي القارئ واحذرهم أن يخدعونك.

حادي عشر: العرب الذين نزل القرآن بلسانهم كما قال تعالى: ﴿ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِين ﴾ [الشعراء: ١٩٥]، لا يستعملون كلمة «اليد» بمعنى النعمة، إلا على وجه واحد، ألا وهو القطع عن الإضافة فيقول قائلهم : (لفلان عليَّ يد)، أي لفلان عليَّ نعمة وفضل تفضل به عليّ، ولا يقال: ( يد فلان علي )َّ فهذا لحن لم تستعمله العرب قط، وبقطع الإضافة خرجت إرادة صفة اليد إلى معنى النعمة.

ثاني عشر: بإمكان أي طالب أن يسأل الدكتور (عبد الله) أين يجد من كلام العرب شاهداً أطلقواً فيه «اليد» مضافة وأرادوا بها النعمة؟ فإذا عجز عن ذلك ولا أراه إلا عاجزاً تماماً فقل له لم يذكر الله تعالى «يده» في كتابه إلا وأضافها إلى نفسه فقال: «بيده» و«بيدي» و«يد الله» و«يداه مبسوطتان»، فيتعين حمل المعنى على اليد الحقيقية التي بمعنى «اليد» وليست بمعنى النعمة.

ثالث عشر: أن الله تعالى ذكر اليدين بصفة التثنية فقال: ﴿ قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ ﴾ [ص: ٧٥]، فلو أراد القدرة لقال «بيدِي» بالإفراد.

رابع عشر: لو كان المراد باليدين في قوله « مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ» القدرة لقال إبليس إنه أيضاً خلق بقدرة الله فهذه حجة أقوى من قوله: ﴿ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ﴾ [الأعراف: ١٢].

خامس عشر: لو كان آدم عليه السلام مخلوق بيد الله أي بقدرته لما كان له مزية على غيره لأن كل شيء مخلوق بقدرة الله تعالى .

وفي حديث الشفاعة المشهور أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الناس يوم القيامة يأتون آدم عليه السلام فيقولون له: «أنت الذي خلقك الله بيده وأسجد لك ملائكته» ولا يقولون مثل ذلك لا لنوح ولا لإبراهيم ولا لموسى ولا لعيسى عليهم السلام بل ولا يقولون مثل ذلك لنبينا محمد ﷺ .

سادس عشر : اليد صفة كمال في المخلوق، والإنسان بيدٍ أكمل من الإنسان بلا يد، والله تعالى هو الذي أعطى الإنسان صفة اليد، ومن المقرر أن معطي الكمال أولى بالكمال .

سابع عشر: أن الله تعالى وصف نفسه بصفات وأضافها إلى نفسه فقال في صفة اليد: «يد الله» و«يدًيَّ» و«يداه» ومن المعلوم أن الصفة إذا أضيفت فيكون معناها هي بحسب من أضيفت إليه ويلزم من ذلك التفاوت في الصفات بحسب التفاوت في الإضافات.

ثامن عشر: كل العقلاء يدركون بالضرورة إذا قيل «يد الإنسان» و«يد الدابة» و«يد الطائر» و«يد الباب» أنها أيدٍ متفاوتة ولا يلزم من إثباتها كلها التشابه والتماثل ولو اشتركت في كونها كلها «أيدي» فمن باب أولى إذا قيل «يد الله» و«يد الإنسان» أن التفاوت أظهر وأبين، لكن ما لنا حيلة مع المكابر إلا أن ندعو الله أن يهديه .

تاسع عشر: إذا حرّف المحرفون صفات الله تعالى كصفة اليد وغيرها فإن الحامل لهم على ذلك هو الهروب من التمثيل والتشبيه الذي توهموه لكنهم وقعوا بشرٍّ مما فروا منه، ولا استفادوا شيئاً من تحريفهم بصفات الله تعالى.

وبيان ذلك: أن المخلوقات منها ما له «يد» ومنها ما ليس له «يد» فإذا قالوا: ليس لله يدٌ حقيقية حتى لا نشبهه بالمخلوق الذي له يدٌ، فقلنا لهم : لقد شبهتم الله تعالى بالمخلوق الذي ليس له يد!!

فإن قالوا: الله ليس له يد ولا يشبه ولا يماثل المخلوق الذي ليسه له يد.

قلنا: سبحان الله كان الأولى والأوجب أن تصفوا الله بما وصف به نفسه مع نفي التشبيه والتمثيل، وقولوا لله يد ولا يشابه ولا يماثل المخلوق الذي له يد.

الحمد لله الذي عافانا من هذه العقائد الفاسدة التي لا توافق نقلاً صحيحاً ولا عقلاً صريحاً.

عشرون : حاول بعض الناس إيهام القراء بمحاولة فاسدة فزعم بأن عقيدة أهل الكويت هي عقيدة الأشاعرة، وهذا باطل بل افتراء محض، فأصلاً عقيدة الأشاعرة عقيدة كلامية مولدة من عقيدة المعتزلة وأجزم بلا أدنى تردد أن أكثر من ينتسب للأشعرية لا يعرفون الأشعرية وقد يتفاجأون هم أنفسهم إذا علموا أن الأشاعرة أنفسهم اختلفوا كثيراً فيما بينهم في تفسير كلام أئمتهم في مسائل العقيدة، فكيف يقال إن أهل الكويت على عقيدة الأشاعرة؟!

سبحانك هذا بهتان عظيم.

أخي القارئ ! لم أنتهِ من الرد والتنبيه على ما عند الدكتور (عبد الله) من الضلالات هو ومن على شاكلته ممن نشطوا مؤخراً فأسسوا مدرسة كما وصفوها أشعرية الإعتقاد وشافعية المذهب وصوفية الطريقة وإخوانية السياسة، وجعلوا لها مجلساً ثقافياً وجعلوا من دراسة علوم الآلة وسيلة لخداع المغرر بهم من الشباب المتحمس لطلب العلم.

فتابعوني في مقلات قادمة فإني مستعين بالله تعالى وحده في الرد على هؤلاء والتحذير منهم وكشف باطلهم.

اللهم جنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، والحمد لله أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

المقالات