تنبيه الطلاب والطالبات لما عند الدكتور عبد الله من الضلالات (٣-٤)
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
فهذا المقال الثالث أردت فيه بيان الحق ونصيحة الخلق ومنبهاً للطلاب والطالبات لما عند الدكتور عبد الله من مخالفات وضلالات وللتذكير أقول :
الدكتور عبد الله هو دكتور العقيدة في إحدى الكليات في الكويت، يعتقد ويدرس ويروج لعقيدة باطلة مخالفة للكتاب والسنة ومخالفة لعقيدة النبي ﷺ وأصحابه وسلف الأمة، فأقول وبالله أستعين :
أولاً: قبل الشروع في الرد على ضلالات الدكتور عبد الله أردت أن أبين عقيدة الكتاب والسنة التي هي عقيدة أهل السنة وسلف الأمة في علو الله تبارك وتعالى : لله عز وجل العلو المطلق بذاته وصفاته وقهره لجميع مخلوقاته.
ثانياً: الواجب أن نقول ونعتقد في الله ما دلَّ عليه الكتاب والسنة فالله تعالى أعلم بنفسه من خلقه ورسوله ﷺ صادق مصدق ﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ❊ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾ [النجم:٣-٤].
ثالثاً: أهل البدع يدعون العقلانية فضلوا وأضلوا وزعموا أن ظاهر نصوص الكتاب والسنة تخالف العقل لذا نسفوا نصوص الكتاب والسنة نسفاً والعياذ بالله.
رابعاً: الله تعالى فوق جميع خلقه كما قال تعالى ﴿ وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ ﴾ [الأنعام:١٨]، وقال: ﴿ يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [النحل:٥٠]، وليس فوق الله شيء من خلقه.
خامساً: الله تعالى غني عن كل شيء العرش والكرسي والسماوات، والأرض، والملائكة، والرسل، والإنس، والجن، فليس كونه فوق شيء من خلقه يكون محتاجاً إلى شيء من ذلك، بل هو الله الغني عن كل من سواه وغيره فقيره إليه، وهو الله الصمد الذي تصمد له جميع الخلائق.
سادساً: الله تعالى في السماء كما قال تعالى عن نفسه في كتابه: ﴿ أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ ❊ أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ ﴾ [الملك: ١٦-١٧].
سابعاً: ومعنى في السماء أي في العلو، وهذا العلو مطلق أي "كامل" فالله عالٍ في ذاته وصفاته وقهره لجميع مخلوقاته ولا يجوز أن نقصر معنى العلو على بعض معناه .
ثامناً: ويمكن تفسير كون الله جل وعلا "في السماء" أي " على السماء" "ففي" تأتي بمعنى "على" كما في قوله تعالى ﴿ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ ﴾ [طه: ٧١]، أي على جذوع النخل.
تاسعاً: لا تكاد تجد مسلماً متعلماً إلا وهو يحفظ قول النبي ﷺ : "الراحمون يرحمُهم الرحمنُ . ارحموا من في الأرضِ يرحمْكم من في السماءِ" [أخرجه الترمذي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، رقم (1924)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة رقم (925)]، ومعنى ارحموا "من في الأرض" أي من "على" الأرض،، يرحكم من "في" السماء، أي من "على" السماء، وهذا ظاهر وواضح وضوح الشمس في رابعة النهار، ليس دونها سحاب لا تخفى إلا على العميان.
عاشراً: الدكتور عبد الله وأمثاله من أهل الأهواء ينسبون زوراً وبهتاناً كلاماً باطلاً لأهل السنة وسلف الأمة فالواجب أن نوقفهم عند حدهم، ونحذر من باطلهم فنطالبهم بالدليل والمصدر الذي نقلوا منه إن كانوا صادقين، وبهذه الطريقة يظهر باطلهم جلياً لكل مريد للحق.
حادي عشر: ينبغي أن نتنبه لأمر في غاية الأهمية ألا وهو: إذا قال الدكتور عبد الله "أهل السنة والجماعة" فهو يقصد الأشاعرة والماتوردية ولا يريد بأهل السنة أتباع سنة النبي ﷺ ولا بالجماعة الذين اجتمعوا وأجمعوا على متابعة الرسول ﷺ.
وإذا قال الدكتور عبد الله "المجسمة" فهو يقصد أهل السنة والجماعة وسلف الأمة وبعد هذه المقدمة نأتي إلى ما سطره الدكتور عبد الله في مذكرته المقررة على الطلاب والطالبات في الكلية.
ثاني عشر: قال الدكتور عبد الله في مذكرته "خاصة في الرد على دعوى المجسمة كون الله جل وعلا في مكان وحيز كالعرش مثلا أو السماء الدنيا أو غير ذلك" انتهى كلامه.
قلت: في هذا العنوان من مذكرة الدكتور عبد الله كلام باطل من عدة وجوه وبيان ذلك أقول:
١- لمز أهل السنة بـ"المجسمة" تنفيراً للمسلمين من عقيدتهم وأهل السنة براء من هذا الوصف.
٢- افترى على أهل السنة بأنهم يقولون "الله تعالى في مكان وحيز" والحق أن أهل السنة وسلف الأمة ما قالوا ذلك، بل ولا استعملوا كلمة في مكان وحيز، إذ إنها كلمات مهملة في الكتاب والسنة لم تَثبت ولم تُنفَ، فلم يقل الله تعالى عن نفسه ولم يقل رسول الله ﷺ عن ربه بأنه في مكان ولا أنه في حيز ولا كونه جل وعلا ليس في مكان ولا حيز، فمثل هذا لا يثبته أهل السنة ولا ينفونه لعدم ثبوته في الكتاب والسنة وعدم نفيه، لكن إذا جاءهم منْ يثبته أو ينفيه فهم لا يوافقونه ولا يعارضونه إلا بعد الاستفصال منه فإنه أراد معنى صحيحاً وافقوه على المعنى الصحيح ونهوه عن إثبات أو نفى ما لم يثبت أو ينف بالكتاب والسنة ، وإن أراد معنى باطلاً انكروا عليه باطله .
3- ونقول للدكتور عبد الله: مَنْ قال مِنْ أهل السنة إن الله في مكان وحيز كالعرش أو السماء الدنيا كما تزعم ؟ حدد لنا اسم القائل وأين قاله واسم المرجع الذي نقلت منه عن قائله إن كنت صادقاً أما أن تفتري وتتقول على الأبرياء بغير برهان ولا سلطان فهذا مرفوض.
4- الذي قاله أهل السنة وسلف الأمة:
أن الله تعالى في السماء كما في قوله تعالى: ﴿ أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ ﴾ أي في العلو أو على السماء.
وقالوا الله تعالى مستو على العرش، كما قال تعالى ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾ [طه:٥]، أي علا على العرش.
وقالوا: ينزل ربنا إلى السماء الدنيا، كما قال ذلك رسول الله ﷺ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قال: " يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ فَيَقُولُ مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ" [أخرجه البخاري (1/384 ، رقم 1094) ، ومسلم (1/521 ، رقم 758)].
ثالث عشر : قال الدكتور عبد الله في مذكرته المقررة على الطلاب والطالبات: "الأدلة العقلية التي استدل بها أهل السنة والجماعة على بطلان دعوى المجسمة المذكور:
١- أنه تعالى لو كان متحيزاً في مكان كالعرش مثلاً أو السماء الدنيا أو غير ذلك للزم قدم الحيز والمكان فيلزم وجود قديم مع الله تعالى وهو كفر باتفاق" انتهى كلام دكتوركم يا طلاب ويا طالبات.
فاسألوه من قال بأن الله متحيز في مكان؟ اذكر اسمه وكتابه الذي ذكر فيه هذا الكلام، وسيظهر لكم افتراؤه وكذبه على أهل السنة والعياذ بالله، ثم لاحظوا في كلامه تكفيراً صريحاً لأهل السنة، كفرهم على قول ما قالوه ولا تلفظوا به. (سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ).
ثم يقول الدكتور عبد الله:
٢- "أنه تعالى لو كان في مكان كالعرش مثلاً أو السماء الدنيا لكان محتاجاً إليه ضرورة، والمكان غير الله تعالى فيلزم احتياج الله إلى غيره، والمحتاج إلى غيره ممكن الوجود لأن الاحتياج ينافي وجوب الوجود". انتهى كلام الدكتور.
قلت: قبل الرد على هذا الكلام الباطل أريد أن أبين للطلاب والطالبات أن مقصودهم بواجب الوجود هو الله تعالى، وممكن الوجود هو المخلوق، إذا فهمت هذا فتأمل ماذا يقول الدكتور عبد الله.
يقول: لو كان الله تعالى في مكان كالعرش مثلا أو السماء الدنيا، أو غير ذلك.
وأقول: أهل السنة ما قالوا الله في مكان بل قالوا الله تعالى فوق جميع خلقه والعرش سقف المخلوقات والله تعالى مستو على العرش كما قال تعالى ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾ وكون الله تعالى علا على العرش لا يلزم أن يكون محتاجاً إليه ضرورة كما يزعم الدكتور عبد الله ألا ترى أن السماء فوق الأرض عالية عليها وليست بحاجة إليها؟
فإذا كانت السماء وهي مخلوقة عالية على الأرض وهي مخلوقة أيضا ولا تحتاج إليها فمن باب أولى أن يكون الله تعالى وهو الخالق عالياً على العرش، وعلى جميع خلقه، ولا يحتاج إليهم، وهذا ظاهر والحمد لله رب العالمين.
ثم يقول الدكتور عبد الله: "لو كان الله تعالى في مكان كالعرش أو السماء الدنيا أو غير ذلك لكان المكان مستغنى عنه تعالى والمستغني عن الواجب مستغن عما سواه بطريق الأولى، فيكون واجباً والمفروض أن الواجب هو المتمكن لا المكان" انتهى كلامه.
قلت: والله إنني مستغرب جداً كيف يقرر هذا الكلام على الطلاب والطالبات وهو كلام فلسفي لا يفهمونه ولا يحتاجون إليه ومبنى هذا الكلام كله على فرية افتروها على أهل السنة وسلف الأمة فقد زعموا أن أهل السنة قالوا بأن الله في مكان والمكان ظرف له، وأهل السنة ما قالوا ذلك بل قالوا الله فوق جميع الأماكن المخلوقة فهو جل وعلا مستو على عرشه بائن من خلقه، ليس في شيء من خلقه، وليس شيء من خلقه فيه، فالخالق غير المخلوق.
ثم يقول الدكتور عبد الله: " حصوله تعالى واستقراره في مكان من مخلوقاته كالاستقرار على العرش أو النزول في السماء الدنيا حقيقة أو غير ذلك يستلزم الحلول وهو إما جواري كحلول الدهن فوق سطح الماء، أو ظرفي كحلول الماء في الكوز، أو سرياني كسريان ماء الورد في الورد، وهو يستلزم صحة مذهب الحلولية من غلاة الصوفية فلا نأمل بعدها أن يحل غيرها من المخلوقات" انتهى كلام الدكتور .
أقول : سبحان الله، ألم أقل لكم أيها الطلاب والطالبات أن هؤلاء المحرفة المعطلة هم الممثلة المشبهة ؟ فهم وقعوا في التمثيل والتشبيه فاعتقدوا أنهم إذا اثبتوا لله ما وصف به نفسه في كتابه فإنه قد مثلوا وشبهوا الخالق بالمخلوق فوجدوا أن المخرج من هذا هو التعطيل بالتحريف الذي يسمونه تأويلاً.
فقد ظنوا بالله ظن السوء إن كان مستوياً على عرشه، فهو حال في خلقه، إما كحلول الدهن فوق سطح الماء، مجاوراً له أو كحلول الماء في الكوز والكوز ظرف في داخله الماء، أو حلول سرياني كما يسري ماء الورد في عروق الورد، وبقي شيء واحد غفلوا عنه بل ضلوا عنه ضلالاً بعيداً وهو أن الله تعالى ليس كمثله شيء فهو مستوٍ على عرشه بائن من خلقه ليس مجاوراً لشيء من مخلوقات ولا حالاً فيها ولا ساريا فيها تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.
أخي القارئ الكريم لم أنته بعد من الرد على هذا الدكتور وأمثاله فتابعني بإذن الله في المقالات القادمة.
اللهم جنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، والحمد لله أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.