أيها المخدوع: أكبر علماء أمة محمد ﷺ لم يكن فيهم أشعريٌّ واحدٌ
الحمد الله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
فلقد قرأت مقالاً لأحد الكتّاب ويبدو أنه ضحية لبعض دعاة العقائد الكلامية المحدثة فوجدته مخدوعاً ويريد أن يخدع الناس بما خُدِعَ به فذكر في مقاله بأنَّ عظماء أمة محمد ﷺ من الأشاعرة!! [جريدة الوطن عدد يوم السبت ١١ رجب ١٤٣٥ الموافق ١٠ / ٥ / ٢٠١٣ بعنوان (أحسن الظن فينا يا صاحب المقال)]، وهذا الذي زعمه ليس غريباً إذا صدر عمنْ لا علم له لكن الغريب حقاً أن يصدر عن منْ له عقل!!
إذ كل مسلم عاقل يعلم بالضرورة من غير مقدمات ولا كثير من الإقناعات ولا حاجة لسرد الأدلة والبراهين والآيات أن رسول الله ﷺ اعلم الناس بالله تعالى وبدينه وهو الذي اصطفاه الله تعالى وأنزل عليه الكتاب وآتاه الحكمة.
وفي الحديث عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: «كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إذا أمرَهم ، أمرَهم من الأعمالِ بما يُطيقون ، قالوا: إنا لسنا كهيئتِك يا رسولَ اللهِ ، إن اللهَ قد غفر لك ما تقدم من ذنبِك وما تأخر ، فَيغْضَبُ حتى يُعْرَفَ الغضبُ في وجهِه ، ثم يقولُ: إن أتقاكم وأعلمَكم باللهِ أنا» [رواه البخاري في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها، رقم (٢٠)].
وقد أخذ عنه العلم غضاً طرياً أصحابه الكرام عليهم من الله الرضوان، وقد أجمع العلماء على أن أعلم أمة محمد ﷺ بعده هم أصحابه رضي الله عنهم وأعلم الصحابة على الإطلاق خلفاؤهم الراشدون الأربعة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم اجمعين.
ثم علماء الصحابة كابن مسعود وعائشة ومعاذ بن جبل وأبي هريرة وابن عباس وابن عمر وغيرهم رضي الله عنهم اجمعين، ثم تلاميذهم وتلاميذ تلاميذهم من التابعين وتابعي التابعين كابن المسيب والزهري وطاووس والنخعي وعلقمة وسعيد بن جبير ومجاهد وعكرمة وقتادة ومكحول والفضيل بن عياض وعبدالله بن المبارك وغيرهم من المحدثين والمفسيرين والفقهاء كالطبري وسفيان الثوري وسفيان بن عيينة والأوزاعي والأعمش والحسن البصري وأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل والبخاري ومسلم رحمهم الله جميعاً، وخلق كثير آلاف من العلماء الذين لا يحيط بهم علماً إلا الله تعالى الذي خلقهم.
وأيضاً كل من عنده أولويات العلم وأبجدياته يدرك أن القرون الأولى الثلاثة هي خير القرون وأفضلها وهي العصور الذهبية الزاخرة بالعلم والعلماء الأكابر العظماء هي القرون المزدهرة بالمصنفات والمؤلفات والمختضة بالعلماء والأئمة الأعلام من المفسرين والمحدثين والفقهاء وكل من جاء بعدهم فهو عالة عليهم وهؤلاء لم يكن فيهم اشعري واحد قط لماذا؟ وكيف؟
لأنّ مؤسس مذهب الأشاعرة وهو علي بن اسماعيل أبو الحسن الأشعري- رحمه الله- لم يكن قد خُلِقَ آنذاك بعدُ، فقد ولد سنة ٢٦٠ هجرية وتوفي سنة ٣٢٤ هجرية أي ولد في الثلث الأخير من القرن الثالث وتوفي في الربع الأول من القرن الرابع فكيف يقال أكثر أو أعظم أو معظم أو أكبر علماء أمة محمد ﷺ اشاعرة؟!
أفلا تعقلون؟ وما لكم بالباطل تنطقون؟!
لو فكر هذا الكاتب قليلاً لاستحى أن ينطق بهذا الكلام فمثله كمثل من زعم أن نبي الله إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام كان يهودياً أو نصرانياً والله يقول: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [آل عمران: ٦٥]، فموسى وعيسى عليهما السلام ما خلقوا إلا بعد ابراهيم عليه السلام فكيف يكون تابعاً لهما؟ وقال تعالى: ﴿ أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة:١٤٠].
ثم هذا الكاتب المخدوع المسكين يريد أن يلمع مذهب الأشاعرة ويروّج له فقال: (إن الإمام أبو الحسن الأشعري رحمه الله تعالى وهو من نسل الصحابي أبو موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه) هكذا كتبها أبو الحسن وأبو موسى والصواب في هذا السياق أن يقول إن الإمام أبا الحسن ويقول: من نسل الصحابي أبي موسى.
وأقول: حسناً حسناً وإذا كان أبو الحسن الأشعري من نسل الصحابي أبي موسى رضي الله عنه فماذا يعني هذا؟
هل بالضرورة كل من كان من نسل صحابي يكون مستقيما في عقيدته؟!
كلا والذي نفسي بيده بل حتى لو كان من نسل نبي من الأنبياء فليس بالضرورة يكون ذلك دليلاً على صحة اعتقاده.
ثم هل كان الصحابي أبو موسى الأشعري رضي الله عنه اشعري العقيدة؟
كل عاقل سيقول لا، لكن اخشى والله أن يقول هذا الكاتب المخدوع: نعم كان أبو موسى رضي الله عنه على عقيدة ابنه أبي الحسن وإن ولد بعده بنحو ثلاثة قرون.
نعم لا استبعد أن يقول هذا، بل قد سُمِعَ لبعض الضُّلال من زعم أن الصحابة رضي الله عنهم كلهم كانوا أشاعرة !! وقال: الصحابة اشاعرة كما يقال قراءة حفص وهي قراءة النبي ﷺ وأصحابه، الله المستعان حقاً كما قيل: الجنون فنون.
بل والله هذا الهراء أسوأ من كلام المجانين؛ لأن المجانين مرفوع عنهم القلم أما هؤلاء الضالون المضلون فيكابرون في ضلالهم، فحفص بن سليمان بن المغيرة روى القرآن عن عاصم بن أبي النجود عن أبي عبدالرحمن السلمي عن عثمان بن عفان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأما العقيدة الأشعرية فليست كذلك.
فالأشعرية عقيدة محدثة ولدت في القرن الرابع ومخالفة لعقيدة النبي ﷺ واصحابه في معظمها لكن لا اقول إلا الحمد لله الذي عافانا.
نعم كل العقلاء يدركون أن الصحابة والتابعين وتابع التابعين إلى آخر القرن الثالث ليس فيهم شعرة من العقيدة الأشعرية، لأن عقيدة الأشاعرة إذ لم تولد بعدُ لا هي ولا صاحبها ما لكم كيف تحكمون؟يذكرني هذا الكاتب المخدوع بذلك المطرب التائب الصوفي الأشعري، الذي تاب من الطرب إلى الإنشاد في مسجد من مساجد وزارة الأوقاف في الكويت كما في المقطع المصور نُشَر عنه وحوله من يهز رأسه بالطرب المحدث المسمى بالمديح.
أقول ذكرني الكاتب بذلك التائب من المعصية إلى البدعة لما قام في أحد مساجد ضاحية مشرف في الكويت بعد صلاة الجمعة بعصبية يرد على خطيب المسجد الشيخ (عباس) رحمه الله امام المصلين قائلاً: (أنا اسأل الشيخ امامكم من شرح صحيح البخاري؟ أليس ابن حجر العسقلاني وهو اشعري؟ ومن شرح صحيح مسلم؟ أليس النووي وهو اشعري). أقول: سبحان الله هذا الآخر ضحية أيضاً خدعوه فلقنوه أن ابن حجر المتوفى سنة ٨٥٢ هجرية والنووى المتوفى سنة ٦٧٦ هجرية أشاعرة وفاتهم أن البخاري محمد بن اسماعيل صاحب الصحيح المتوفى سنة ٢٥٦ ومسلم بن الحجاج صاحب الصحيح المتوفى سنة ٢٦١ هجرية- رحمهما الله- لم يكونا اشاعرة، فانظر كيف استدل على استقامة عقيدة الأشاعرة بحجة عليلة واهية وهي كون شراح الصحيحين اشاعرة وفاته أن صاحبي الصحيحين ليسا على عقيدة الأشاعرة !!
لكن كما قال تعالى: ﴿ وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ ﴾ [النور: ٤٠].
اسأل الله تعالى كما هداه من الطرب والغناء إلى قراءة القرآن وتجويده أن يهديه إلى ترك البدعة والتمسك بالسنة.
ثم ذكر الكاتب في مقاله نحو عشرين اسماً لعلماء من الأشاعرة وسأذكرهم كما أوردهم لكن سأرتبهم واذكر تواريخ وفياتهم. ولاحظ أخي القارئ الكريم أن عامتهم بل كلهم من القرون المتأخرة وليس فيهم واحد من القرون الثلاثة الأولى وهذا أمر بدهي لأن أبا الحسن الأشعري مؤسس المذهب نفسه توفي في القرن الرابع ٣٢٤ هجرية.
أولاً : الأشاعرة في القرن الرابع والخامس:
١- ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺍﻟﻄﻴﺐ ﺍﻟﻘﺎﺳﻢ، ﺍﻟﻘﺎﺿﻲ ﺃﺑﻮ ﺑﻜﺮ ﺍﻟﺒﺎﻗﻼﻧﻲ توفي ٤٠٣ هـ
٢- ﺃﺑﻮ ﻣﺤﻤﺪ ﺍﻟﺠﻮﻳﻨﻲ ﺗﻮﻓﻲ ٤٣٨ هـ
٣- ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﺑﻦ ﻫﻮﺍﺯﻥ ﺍﻟﻨﻴﺴﺎﺑﻮﺭﻱ ﺍﻟﻘﺸﻴﺮﻱ توفي ٤٦٥ هـ
٤- ﺃﺑﻮ ﺍﺳﺤﺎﻕ ﺍﺑﺮﺍﻫﻴﻢ ﺍﻟﺸﻴﺮﺍﺯﻱ توفي ٤٦٧ هـ
٥- ﺃﺑﻮ ﺍﻟﻤﻌﺎﻟﻲ ﻋﺒﺪﺍﻟﻤﻠﻚ ﺍﻟﺠﻮﻳﻨﻲ (ﺍﻣﺎﻡ ﺍﻟﺤﺮﻣﻴﻦ) توفي ٤٧٨ هـ
ثانياً : الأشاعرة في القرن الخامس والسادس:
٦- ﺃﺑﻮ ﺣﺎﻣﺪ ﺍﻟﻐﺰﺍﻟﻲ توفي ٥٠٥ هـ
٧- ﺃﺑﻮ ﺍﻟﻮﻓﺎء ﺑﻦ ﻋﻘﻴﻞ ﺍﻟﺤﻨﺒﻠﻲ توفي ٥١٣ هـ
٨- ﺍﻟﻘﺎﺿﻲ ﺃﺑﻮ ﺑﻜﺮ ﺑﻦ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ توفي ٥٤٣ هـ
٩- ﺍﺑﻦ ﻋﺴﺎﻛﺮ توفي ٥٧١ هـ
ثالثاً :الأشاعرة في القرن السادس والسابع:
١٠- ﻓﺨﺮ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺍﻟﺮﺍﺯﻱ توفي ٦٠٦ هـ
١١- ﺃﺑﻮ ﺍﻟﻘﺎﺳﻢ ﺍﻟﺮﺍﻓﻌﻲ ﺍﻟﻘﺰﻭﻳﻨﻲ توفي ٦٢٣ هـ
١٢- ﺃﺑﻮ ﺍﻟﺤﺴﻦ ﻋﻠﻲ ﺍﻟﺸﻴﺒﺎﻧﻲ ﺍﻟﺠﺰﺭﻱ، ﻋﺰ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺍﺑﻦ ﺍﻷﺛﻴﺮ توفي ٦٣٠ هـ
١٣- ﺍﻟﻌﺰ ﺑﻦ ﻋﺒﺪﺍﻟﺴﻼﻡ توفي ٦٦٠ هـ
١٤- ﺃﺑﻮ ﺯﻛﺮﻳﺎ ﻣﺤﻴﻲ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻳﺤﻴﻰ ﺑﻦ ﺷﺮﻑ ﺍﻟﻨﻮﻭﻱ توفي ٦٧٦ هـ رابعاً : الأشاعرة في القرن السابع والثامن
١٥- أﺑﻮ ﺍﻟﺤﺠﺎﺝ ﺍﻟﻜﻠﺒﻲ ﺍﻟﻤﺰﻱ توفي ٧٤٢ هـ
١٦- ﺗﻘﻲ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺍﻟﺴﺒﻜﻲ توفي ٧٥٦ ﻫـ
١٧- ﻭﺍﺑﻨﻪ: ﺗﺎﺝ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺍﻟﺴﺒﻜﻲ ٧٧١ ﻫـ
خامساً : الأشاعرة في القرن الثامن والتاسع:
١٨- أﺑﻮ ﺍﻟﻔﻀﻞ ﺯﻳﻦ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻋﺒﺪﺍﻟﺮﺣﻴﻢ ﺍﻟﻌﺮﺍﻗﻲ توفي ٨٠٦ هـ
١٩- ﺃﺑﻮ ﺍﻟﻔﻀﻞ ﺃﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ ﺣﺠﺮ ﺍﻟﻌﺴﻘﻼﻧﻲ توفي ٨٥٢ هـ
سادسا : الأشاعرة في القرن التاسع والعاشر:
٢٠- ﻋﺒﺪ ﺍﻟﺮﺣﻤﻦ ﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﺑﻜﺮ، ﺟﻼﻝ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺍﻟﺴﻴﻮﻃﻲ توفي ٩١١ هـ
٢١- ﺷﻬﺎﺏ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺃﺑﻮ ﺍﻟﻌﺒﺎﺱ ﺃﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﺣﺠﺮ ﺍﻟﻬﻴﺘﻤﻲ ﺍﻟﺴﻌﺪﻱ توفي ٩٧٤ هـ
أخي القارئ الكريم والآن بعد هذا البيان يظهر لك تزوير الخادعين والمخدوعين الذين زعموا أن اكثر أو أعظم أو معظم علماء أمة محمد صلى الله عليه وسلم من الأشاعرة.
ثم اعلموا أن الخلاف بين أهل السنة والجماعة الذين هم سلف الأمة وبين الأشاعرة الذين يتسمون زوراً بأهل السنة ليس في باب الأسماء والصفات كما هو مُشاع فحسب بل في أبواب كثيرة وهذا ما يجهله حتى من ينتسب إلى الأشعرية ومنهم هذا الكاتب المخدوع كما سأبين ذلك إن شاء الله تعالى في مقال قادم فتابعني نفعني الله وإياك بالحق وثبتنا عليه.
والحمد لله أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.