رسالة لم يحملها البريد إلى الشيخ ناصر شمس الدين حفظه الله تعالى (٢)
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده أما بعد:
فهذه الرسالة الثانية أرسلتها للشيخ ناصر شمس الدين امام مسجد ضاحية القادسية وأحد طلاب الشيخ عبدالرحمن عبدالخالق، ولما كان الشيخ ناصر أحد القائمين على جمع التبرعات لدعم القتال في سوريا لبعض الأطراف سألته عن الطرف الذي يدعمه فأبى أن يصرح بذلك وحاد كما حاد زميله حجاج العجمي، وهو من طلبة الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق أيضا!!
وأرسلت له الرسالة التالية ووضعت عليها بعض التعديلات والتعليقات لعل الله ينفع بها الشيخ ناصر وغيره، إذ ليس المقصود الشيخ ناصر وحده وإنما ارجو أن يستفيد كل من وقف على رسالتي هذه.
من سالم بن سعد الطويل إلى الشيخ ناصر شمس الدين حفظك الله تعالى
السلام عليك ورحمة الله وبركاته.
أخي الكريم لقد سألتك سؤالاً صريحاً عن الجهة التي تدعمها في سوريا بأموال المتبرعين. وحدْتَ عن الجواب كما فعل صاحبك تلميذ الشيخ عبدالرحمن عبدالخالق (حجاج العجمي)!! فلم يصرح لا هو ولا أنت أي جهة تدعمون بأموال المتبرعين.
وقد تقول أو يقول صاحبك أو يقول غيركما أن هذا العمل القتالي في سوريا يفترض فيه السرية التامة فالمصلحة تقتضي ذلك.
فأقول: لو كانت أموالكم الخاصة فهذا شأنكم فكل إنسان سيسأله الله يوم القيامة عن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، لكن أموال الناس ليس من حقك ولا من حق غيرك أن تنفقوها في جهات لا يرغبون الإنفاق فيها.
ولا شك أن عامة المسلمين من المتبرعين إنما أرادوا بنفقتهم الأجر والثواب والتقرب بأموالهم الى الله الكريم الوهاب، فلا يرضون أن تذهب أموالهم لتنظيمات إرهابية تكفيرية يستبيحون دماء الأبرياء، أو ينفذون بها عمليات انتحارية، فأموال المتبرعين إذا ذهبت إلى هؤلاء كان فيها وزر وآثام ومن الأمانة التي أوجبها الله عليكم أن تصرحوا للمتبرعين أن أموالكم هذه لن تذهب للمنكوبين واللاجئين والأرامل والأيتام فحسب بل ستذهب أيضاً للمقاتلين، ومن الأمانة الواجبة أيضاً أن تبينوا للناس أن تبرعاتهم تذهب للمقاتلين ومن المقاتلين من يعتقد جواز تفجير الإنسان نفسه بما يسمى بالعمليات الانتحارية، وأيضاً يجيزون تفخيخ السيارات والقتل الجماعي حتى يكون كل متبرع على بينة من أمره بحيث يتخير إن شاء تبرع وإن شاء امتنع وإن شاء تبرع للجهة الفلانية أو لجهة أخرى أو لعمل آخر غير القتال في سوريا.
ثم يا شيخ ناصر قلت لي في رسالتك بالحرف الواحد: (جبهة النصرة تحمل فكر القاعدة وهم أقل شراً بكثير من داعش ولا ادعم فكر القاعدة فهو فكر منحرف) انتهى.
ثم بلغني أنك أرسلت رسالة إلى الشيخ فيحان بن سرور الجرمان حفظه الله تعالى تستنكر عليه دعوته إلى عدم دعم جبهة النصرة الإرهابية التكفيرية!! فلما سألتك عن هذا الأمر الذي ظاهره التناقض الشديد، أرسلت بالحرف الواحد قولك (أنا قلت لا أدعمهم وأعذر من يدعمهم لنصحهم والشيخ فيحان لا يدعمهم ويحذر ممن يدعمهم عرفت الفرق يا ذكي؟!) انتهى.
نعم فهمت كلامك جيداً لا سيما وأنك قلت سابقاً بأنك مع كل سني يقاتل ضد النصيري.
ولكنني سألتك سؤالاً فما اجبتني والذي يظهر لي إما لأن السؤال صعب ومحرج أو ليس عندك عليه جواب والآن اعيد عليك السؤال مرة أخرى: هل جبهة النصرة والقاعدة سنة أم خوارج؟ وما الفرق بينهم وبين داعش وقد خرجوا من رحم واحد؟ فأين جوابك؟
ثم يا شيخ ناصر وفقك الله لكل خير ما الفرق بين كلامك وكلام من منع الاستعانة بجيش التحالف (وعلى رأسهم امريكا) لتحرير الكويت؟ فلقد احتجوا بحجتك نفسها فقالوا امريكا دولة كافرة صليبية والعراق دولة مسلمة فكيف تستعينون بالكفار الصليبيين على المسلمين؟
اعلمُ جيداً أن السؤال صعب جداً لكن حاول مستعيناً بالله أن تجيب عليه فإن وجدت نفسك مخطئاً فارجع إلى الحق أولى بك من أن تتمادى بالباطل.
ثم يا شيخ ناصر لقد وضح لي تماماً الفرق بين قولك وقول الشيخ فيحان، وفي الحقيقة إن قول الشيخ فيحان أهدى من قولك بكثير؛ إذ لم يعد يخفى على أحدٍ أن جبهة النصرة والقاعدة ومن تفرع منهما يتوعدون المسلمين بالقتل متى سنحت لهم الفرصة وظفروا بالقضاء عليهم وعلى دولهم ويصرحون دائماً بأننا نعيش في دول تم الإتفاق على تقسيمها في اتفاقية "سايكس بيكو" بمعنى أنهم يريدون اعادة رسم الخرائط وتحديد الحدود من جديد وإقامة دولة الخلافة بمعنى إزالة سوريا والعراق والكويت والسعودية.
ويصرحون بتكفير حكامنا وحكام السعودية على وجه الخصوص وغيرهم ويدعون الشباب للخروج من طاعة علمائهم وولاتهم للالتحاق بهم فكيف تريد من الشيخ فيحان أن لا يحذر من دعمهم؟
بل أن الشيخ فيحان وفقه الله قد احسن بما صرح به فلم يلعب ولم يتلون لأن من حقنا أن ندفع عن انفسنا طغيان جبهة النصرة ولو كانت في وجه النصيري إذا كانت قد أعلنت العداء على دولنا وولاتنا وعلمائنا.
ولقد ضل من ضل في عام 2006 لما وقفوا مع ما يسمى بـ (حزب الله اللبناني) بحجة أنهم في وجه الصهاينة ووفق الله علماء السنة فأبوا أن يؤيدوا ذلك الحزب الباطني لعلمهم بعداوته للمسلمين.
وبالفعل دارت الدوائر وما هي إلا بضع سنين وإلا ما يسمى بـ (حزب الله اللبناني) يتوجهون بعددهم وعدتهم وأسلحتهم إلى أهل السُّنة في بلاد الشام ففعلوا بالمسلمين ما لم يفعله الصهاينة أنفسهم.
والتاريخ يعيد نفسه؛ فاليوم علماؤنا أفتوا بتحريم دعم داعش وجهة النصرة والقاعدة وما تفرع عنهم ولو تسموا بأسماء أخرى لكنهم يوافقونهم بالعقيدة والمنهج ولو كانوا بوجه النصيري أو غيره وذلك لخطرهم على المسلمين وتوعدهم المستمر، كقولهم (اليوم بلاد الشام وغداً بلاد الحرمين)، لذا لا يجوز مناصرتهم بأي نوع من أنواع المناصرة لا المعنوية ولا الحسية ولا بالأموال. ومن عاونهم وانفق عليهم أموال تبرعات المسلمين فقد خان الأمانة وغش المسلمين.
وليس في هذا الموقف أي مناصرة للنصيري كما يظن بعض الناس الذين زعموا أن مِنْ لازمِ عدم دعم جبهة النصرة تأييد للنصيري على المسلمين، كلا والذي لا إله إلا هو فأمر النصيري ظاهر وكفره لا يخفى إلا على جاهل أو مكابر، وأهل السنة على بصيرة من الله تعالى ليسوا مع النصيري الكافر ولا مع الخوارج المعتدين.
فاتق الله يا شيخ ناصر أنت وكل من يدعم الإرهابيين الخوارج التكفيريين المعتدين أو يرضى بدعمهم أو لا ينكر دعمهم أو يؤيدهم بأي اسلوب من أساليب التأييد سواء أكانوا من داعش أو جبهة النصرة أو القاعدة ولو كانوا في وجه النصيري الملحد الكافر ، فهؤلاء مفسدون في الأرض حتى لو لم نقل بكفرهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (فالذي يعتقد حل دماء المسلمين وأموالهم ويستحل قتالهم، أولى بأن يكون محارباً لله ورسوله، ساعياً في الأرض فساداً) [الفتاوى (28/ 480)].
وقد سُئل الشيخ العلامة الفقيه صالح بن فوزان الفوزان- حفظه الله تعالى- السؤال التالي:
السؤال: لو تعاونت دولة مسلمة مع دولة كافرة على القبض ممن يقومون بالتفجيرات في بلاد المسلمين، فهل يُعد ذلك من المظاهرة والمناصرة؟ أفيدونا بارك الله فيكم؟
الجواب: الاستعانة بالكافر في القبض على المخربين الذين في بلاد الإسلام لا بأس بها؛ لأن هذا من صالح الإسلام والمسلمين، كما يُستعان بالكفار في حرب المعتدين على المسلمين عند الضرورة.
وسئل حفظه الله أيضاً السؤال التالي: هل من فرح بسقوط بعض المفسدين في الأرض، ولو كان القابض عليه من الكفار، هل يُعد هذا من ولاية الكافرين؟
الجواب: المفسدون في الأرض لا يجوز العطف عليهم، وإذا قبضهم الكفار عرفنا أن هذه عقوبة من الله لهم، أن الله سلط عليهم الكفار عقوبة لهم، ولا نتعاطف مع المفسدين في الأرض، ولا يُعد هذا من موالاة الكفار، بل يُقال: هذه عقوبة من الله لهؤلاء المفسدين، سلط الله عليهم من هو أقوى منهم، {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}. [الإجابات المهمة على المشاكل الملمة (ص٣٠٤-٣٠٥)]
وقال الشيخ العلامة المفتي عبدالعزيز بن باز- رحمه الله-: (( أما أن يستعين المسلم بكافر ليدفع شر كافر آخر ، أو مسلم معتد، أو يخشى عدوانه ؛ فهذا لا بأس به..... وهكذا من يعتدي علينا، ولو كان مسلما أو ينتسب للإسلام، فإذا خشي المسلمون عدوانه جاز لهم أيضاً أن يستعينوا بمن يستطيعون الاستعانة به؛ لصد عدوان الكافر ، ولصد المعتدي وظلمه عن بلاد المسلمين وعن حرماتهم)). [ مجموع الفتاوى (١٨٦/٦)
ملاحظة مهمة جداً: نحن لسنا مع داعش ولا جبهة النصرة ولا القاعدة وأيضاً لسنا مع ما يسمى بـ (حزب الله اللبناني) ولا مع النصيري الباطني البعثي الكافر.
اللهم ادفع الظالمين بالظالمين واجعلنا اللهم من بينهم سالمين وجنبنا اللهم الفتن ما ظهر منها وما بطن.
والحمد لله أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.