الرد الـشافي على دكتور الشريعة (٢)
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين وصلى الله وبارك على نبيه محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد: فلقد ذكرت لك أخي القارئ الكريم في مقالي السابق أن دكتوراً من كلية الشريعة في جامعة الكويت قد ألقى خطبة يوم الجمعة الموافق 19 شوال 1428هـ ـ 2007/11/9م وغلط في مسائل كبيرة وخطيرة وينبني عليها فساد وضلال طبقة من الشباب المتحمس...إلخ. وفي مقالي هذا أتمم ما قد بدأت به لبيان الحق والنصيحة للخلق، فأقول وبالله أستعين وعليه أتوكل وإليه أنيب.
اضطراب الدكتور الخطيب في بيان الفرق بين جهاد الدفع وجهاد الطلب
قال الدكتور الخطيب هداه الله إلى الصواب: إن أهل العلم يقولون إن الاستئذان واجب في جهاد الدفع لا في جهاد الطلب، في جهاد الطلب لا يقول به عاقل، لا يقول به عاقل، لو أن يهودياً أو نصرانياً دخل عليك في بيتك يريد أخذ عورتك أو امرأتك أو ابنتك تستأذن ولي الأمر؟ تستأذن والدك أو والدتك حتى تدافع هذا اليهودي لا يقول بهذا إلا مجنون، في جهاد الدفع لا استئذان لأحد لأن هذا عدو قد نزل فيجب أن يخرج. أ هـ
أقول: ظاهر على كلام الدكتور الخطيب الركاكة والعجلة في تقرير مسائل كبيرة مثل هذه المسألة، فلقد عجز أن يضبط الفرق بين جهاد الدفع وجهاد الطلب وعكس في تقريره، وهذا إما سبق لسان وهو الأقرب وإما ركاكة وعجز وهذا محتمل، لكن ما حال الشباب الذين يستمعون إلى مثل هذا الدكتور وهو يقرر مسألة كبيرة وعجز عن توصيل المعلومة بشكل صحيح ومفهوم؟!
الفرق بين جهاد الدفع وجهاد الطلب
أخي القارئ المقصود بجهاد الدفع هو أن يكون المسلم مطلوباً والعدو طالباً فحينئذ يجوز للمسلم أن يدفع العدو ويجاهده ولا يشترط لهذا النوع من الجهاد أي شرط لا الاستئذان ولا غيره، أما جهاد الطلب فهو الذي يكون فيه المسلم طالباً والعدو مطلوباً فهذا الذي يشترط له ولي الأمر ويجب فيه استئذان الوالدين.
أين ولي الأمر اليوم في نظر الدكتور الخطيب؟!
قال الدكتور الخطيب: إنما يستأذن من له حق الإذن في جهاد الدفع، في جهاد الطلب لا في جهاد الطلب لا في جهاد الدفع.
أقول: العبارة مضطربة من الدكتور كما يلاحظ عليها ولعل هذا سبق لسان وإنما أراد أن يكون إنما يستأذن من له حق الإذن في جهاد الطلب لا في جهاد الدفع.
والسؤال الذي يطرح نفسه: من الذي له حق الإذن في جهاد الطلب؟
أجاب الدكتور الخطيب على هذا فقال في سياق خطبته: يستأذن من يؤمن بالجهاد ويقر به ويعلم قدره ويعرف منزلته لا من أبطله وأفسده وحرفه هذا لا يستأذن. أ هـ
أقول: والآن نريد أن نسأل الدكتور الخطيب وفقه الله إلى الحق لو قال لك أحد الشباب يا حضرة الدكتور: وهل يوجد اليوم ولي أمر يؤمن بالجهاد ويقر به ويعلم قدره ويعرف منزلته ولم يبطله ولم يفسده ولم يحرفه؟ فإن كان في نظر الدكتور نعم يوجد فليعينه لنا حتى نستأذنه على الأقل وجوباً وليس شرطاً كما يقول، ولا يجوز للدكتور أن يكتم الحق وهو يعلمه وإن لم يوجد ولي أمر يستحق أن يستأذن فهذا الخطر العظيم الذي نتكلم عنه والذي يلزم منه الخروج للجهاد من غير استئذان لعدم وجود من يستحق الاستئذان وهنا الخطورة والفساد باسم الجهاد!!
ثم أريد أن أسأل الدكتور الخطيب السؤال التالي: ما حكم من لا يؤمن بالجهاد ولا يقربه ولا يعلم قدره ولا يعرف منزلته ويبطله ويفسده ويحرفه؟
أقول: لا شك هذا كافر حيث أنكر أمراً معلوماً في الكتاب والسنة فلم يؤمن به بل أبطله وأفسده وحرفه، والكافر لا يستأذن أليس كذلك؟!
أخي القارئ هل أدركت خطورة هذا التقرير؟! إن لم تستوعب هذا فاقرأ باقي كلام الدكتور الخطيب حيث يقول: ولذلك لا يستأذن الوالد الكافر لا في جهاد الدفع ولا في جهاد الطلب، لأن الكافر لا يؤمن بالقرآن لا يستأذن إنما يستأذن الأب المسلم الذي يؤمن بالقرآن ويؤمن بالجهاد. أ هـ
أقول: كلامه واضح لا يحتاج إلى توضيح!!.
هل الوالد الكافر له حق الاستئذان؟!
أخي القارئ حفظك الله من الفتن ما ظهر منها وما بطن، من القواعد المقررة عند أهل العلم أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا قال قولاً من غير استفصال فهذا يدل على العموم، أرجو أن تتدبر هذين الحديثين جيداً:
الحديث الأول: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رجلاً هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليمن فقال: (هل لك أحد باليمن؟) قال: أبواي، قال: (أذنا لك؟) قال: لا، قال: (ارجع إليهما فاستأذنهما فإن أذنا لك فجاهد وإلا فبرهما) [رواه أبو داود في سننه (2530) كتاب الجهاد باب في الرجل يغزو وأبواه كارهان وصححه الألباني في صحيح السنن].
الحديث الثاني: عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: أقبل رجل إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال: أبايعك على الهجرة والجهاد ابتغي الأجر، قال: (فهل لك من والديك أحد حي؟) قال: نعم كلاهما، قال: (فتبتغي الأجر من الله تعالى؟) قال: نعم، قال: (فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما) [متفق عليه واللفظ لمسلم وفي رواية لهما جاء رجل فاستأذنه في الجهاد فقال: (أحيي والداك)؟ قال: نعم، قال: (ففيهما فجاهد)].
أقول: ففي هذين الحديثين لم يسأل النبي صلى الله عليه وسلم هل والداك مسلمان أم ليسا بمسلمين، وإنما أمره بحسن صحبتهما والجهاد فيهما فمن أين للدكتور الخطيب أن يقول: (ولذلك لا يستأذن الوالد الكافر لا في جهاد الدفع ولا في جهاد الطلب)؟!.
إذا لم يكابر الدكتور الخطيب فليقرأ بتدبر قول الله تعالى (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ) [لقمان 15]، فهذا نص من كتاب الله تعالى لا لَبْسَ فيه ولا شك يدل على وجوب مصاحبة الوالدين بالمعروف ولو كانا كافرين.
هذه أدلتي فما أدلة الدكتور الخطيب؟!
تشابه بين قول الخوارج وقول الدكتور الخطيب
الخوارج هم الذين خرجوا على علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما وكفروهما واستباحوا دماءهما وكان من حججهم التي كفروا بها الصحابة قولهم إن علياً ومعاوية حكما الرجال ولم يحكما القرآن، والواجب تحكيم القرآن فجاءهم ابن عباس رضي الله عنهما وناظرهم وقال: هذا القرآن فيحكم بيننا ووضع مصحفاً وقال: قم يا قرآن واحكم بيننا فأدرك منهم من أدرك أن القرآن لا بد له من رجال يقرأونه ويتدبرون معناه ويستنبطون أحكامه ثم يحكموا به، والقصة مشهورة ومعلومة، والآن أخي القارئ الكريم اقرأ هذه الفقرة من خطبة الدكتور لتدرك الشبه الكبير بين قوله وقول الخوارج!!
قال الدكتور الخطيب: (طاعة النبي صلى الله عليه وسلم وطاعة الله تبارك وتعالى هي صمام الأمان، صمام الأمان من النزاع والفرقة والاختلاف [فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله و اليوم الآخر] لا ترده إلى الأمير ولا ترده إلى الزعيم ولا ترده إلى الرئيس ولا ترده إلى مسؤولك ولا ترده إلى شيخك، رده إلى الله لأن الشيخ قد يَهًمْ والمسؤول قد يخطئ وقد يفسد وقد يريد أن يحرف القرآن فارجع إلى القرآن) أ هـ
أقول: هذه تربية الدكتور الخطيب للشباب فلقد أوهمهم أن الرجوع إلى الله ورسوله ينافي الأخذ من المشايخ والعلماء مع أن الله تعالى يقول (فاسْأَلُواْ أَهْلَ الذّكْر إن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) [النحل43]. واستمع إلى قول الله تعالى (وَإذَا جَاءهُمْ أَمْر مّنَ الأَمْن أَو الْخَوْف أَذاعُواْ به وَلَوْ رَدُّوهُ إلَى الرَّسُول وَإلى أُوْلي الأَمْر منْهُمْ لَعَلمَهُ الَّذينَ يَسْتَنبطُونَهُ منْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّه عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إلاَّ قَليلاً) [النساءـ83]، قال الشيخ السعدي رحمه الله في تفسيره لهذه الآية: (هذا تأديب من الله لعباده عن فعلهم هذا غير اللائق. وأنه ينبغي لهم إذا جاءهم أمر من الأمور المهمة والمصالح العامة ما يتعلق بالأمن وسرور المؤمنين، أو بالخوف الذي فيه مصيبة عليهم أن يتثبتوا ولا يستعجلوا بإشاعة ذلك الخبر، بل يردونه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم، أهل الرأي: والعلم والنصح والعقل والرزانة، الذين يعرفون الأمور ويعرفون المصالح وضدها. فإن رأوا في إذاعته مصلحة ونشاطا للمؤمنين وسرورا لهم وتحرزا من أعدائهم فعلوا ذلك. وإن رأوا أنه ليس فيه مصلحة أو فيه مصلحة ولكن مضرته تزيد على مصلحته، لم يذيعوه، ولهذا قال: (لَعَلمَهُ الَّذينَ يَسْتَنْبطُونَهُ منْهُمْ) أي: يستخرجونه بفكرهم وآرائهم السديدة وعلومهم الرشيدة. وفي هذا دليل لقاعدة أدبية وهي أنه إذا حصل بحث في أمر من الأمور ينبغي أن يولَّى مَنْ هو أهل لذلك ويجعل إلى أهله، ولا يتقدم بين أيديهم، فإنه أقرب إلى الصواب وأحرى للسلامة من الخطأ. وفيه النهي عن العجلة والتسرع لنشر الأمور من حين سماعها، والأمر بالتأمل قبل الكلام والنظر فيه، هل هو مصلحة، فيُقْدًم عليه الإنسان؟ أم لا،فيحجم عنه؟) أ هـ
أخي القارئ تابع معي في مقال قادم إن شاء الله تعالى في الرد الشافي على دكتور الشريعة والله أسأل أن يهدي الدكتور الخطيب ويرده إلى صوابه ويحفظ شبابنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، والحمد لله أولا وآخر وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.