[ أخي الدكتور فواز العوضي حفظك الله تعالى إني سائلك ومشدد عليك بالمسألة ] (٢-٢)
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد :
فهذا المقال الثاني في التعقيب على ما كتبه أحد طلاب الأخ محمد بن عثمان العنجري والذي اعادوا نشره مرة أخرى باسم دكتور الشريعة فواز العوضي !!
ولستُ أدري - والله - كيف رضي الدكتور أن يلبس ثوبً غيره ؟ ولقد زعم بأني اطعن بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وسلم والعياذ بالله تعالى ﴿ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ ﴾ [الكهف: ٥].
أقول : أما الصحابة فحبهم دين وإيمان وإحسان ، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان ، الصحابة الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه الذين اصطفاهم الله من بين خلقه ليكونوا اصحاب عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم ، والطعن بهم من سمات اعداء الإسلام ، ولئن أخرّ من السماء على هامة رأسي فأتقطع إرباً إرباً خير لي من أن اطعن بأدنى أو اصغر صحابي ، ولكن لا يعني ذلك أن أقول إنهم معصومون ، وإلا ما الفرق بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في العقيدة الواسطية عن الصحابة رضي الله عنهم : ( وهم مع ذلك - أي أهل السنة - لا يعتقدون أن كل واحد من الصحابة معصوم عن كبائر الإثم وصغائره ، بل يجوز عليهم الذنوب في الجملة) انتهى كلامه.
وعلق الشيخ العلامة عبدالعزيز بن باز رحمه الله تعالى على كلام شيخ الإسلام فقال : ( خلاصة مذهب أهل السنة والجماعة في اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعما شجر بينهم : هو سلامة قلوبهم وألسنتهم ، ومحبتهم إياهم ، والترضي عنهم جميعا ً، وإظهار محاسنهم وإخفاء مساوئهم ، أي اخفاء مساوئ من نُسِب إليه شي من ذلك ، والإمساك عما شجر بينهم ، واعتقاد أنهم في ذلك بين أمرين : إما مجتهدون مصيبون ، وإما مجتهدون مخطئون فالمصيب له أجران والمخطئ له أجر الاجتهاد وخطؤه مغفور . وإذا قدر أن لبعضهم سيئات وقعت عن غير اجتهاد فلهم من الحسنات ما يغمرها ويمحوها "وليس في بيان خطأ من أخطأ منهم في حكم من الأحكام شيء من إظهار المساوئ ، بل ذلك مما يفرضه الواجب ويوجبه النصح للأمة") انتهى من تعليقاته رحمه الله على الواسطية.
وإني سائلك بالله العظيم يا دكتور فواز ومشدد عليك في المسألة ما معنى كلام الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى ( وليس في بيان خطأ من اخطأ منهم في حكم من الأحكام شيء من اظهار المساوئ بل ذلك مما يفرضه الواجب ويوجبه النصح للأمة ) ؟ اجب يا دكتور اجب واتق الله في جوابك .
نعم ما زال العلماء يقولون اخطأ الصحابة رضي الله عنهم بمخالفتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد وهُزِموا بسبب معصيتهم للرسول صلى الله عليه وسلم ، كما قال تعالى ﴿ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّون َ ﴾ [ آل عمران: ١٥٢]. قال إمام المفسرين ابن جرير الطبري رحمه الله تعالى: (حتى إذا جبنتم وضعفتم "وتنازعتم في الأمر" يقول: واختلفتم في أمر الله، يقول : وعصيتم وخالفتم نبيكم ، فتركتم أمره وما عهد إليكم… الخ ) انتهى كلامه.
ومازال العلماء يقولون أخطأ أبو ذر رضي الله عنه لما عيّرَ رجلاً بأمه وقال له : يا ابن السوداء فأنكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم وقال "يا أبا ذرٍّ، أعيرتَه بأمِه ، إنك امْرُوٌ فيك جاهلية ٌ، إخوانُكم خَوَلُكم ، جعلَهم اللهُ تحتَ أيديِكم ، فمن كان أخوه تحتَ يدِه ، فلْيُطعِمْه مما يأكُل ُ، وليُلْبِسه مما يَلبَس ُ، ولا تُكلِّفوهم ما يَغلِبُهم ، فإن كلَّفتُموهم فأعينوهم" (رواه البخاري في صحيحه رقم ٣٠ ، عن أبي ذر رضي الله عنه).
ومازال العلماء يقولون أخطأ الحسين بن علي رضي الله عنهما بخروجه إلى العراق ويردون على الذين يستدلون بخروجه على مشروعية الانقلابات ، وما زال العلماء يقولون اخطأ بعض الصحابة لما قال أحدهم يا للأنصار وقال الآخر يا للمهاجرين ، واخطأ من قال اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط ، واخطأ من قال ما شاء الله وشئت يا رسول الله وغير ذلك ، ولكنهم رضي الله عنهم حالهم كما وصف الله المتقين بقوله ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [آل عمران: ١٣٥].
وكما هو معلوم أن التائب من الذنب كمن لا ذنب له ، ولم يعتبر أحد من العلماء ذكر ذلك طعناً بالصحابة لا من قريب ولا من بعيد ولم يقل أحد أن هذا القول فيه فتح باب لأهل البدع للطعن بالصحابة .
فقولي (حتى الصحابة وقعوا في الحزبية ونهاهم الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك فانتهوا ) هذا من جنس ما يذكره العلماء من اخطاء الصحابة للاستدلال به لبيان الأحكام ، ولهذا ذكرت هذا المثال في معرض ذكر خطورة التحزب والرد على من ينكر التحزب والحزبية ويبرأ نفسه منها وكأن التحزب عليه شبه مستحيل فقلت : ليس الأمر كذلك فالتحزب أو التعصب حتى الصحابة رضي الله عنهم ما سلموا منه وذكرت قصة ( يا للأنصار ويا للمهاجرين ) ولما وقع ذلك من بعض الصحابة ثم نهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك وانكره عليهم بشدة ، انتهوا ، وليس في ذلك انتقاص ولا طعن ولا تسفيه ولا تقليل من شأنهم لا من قريب ولا من بعيد ، والأمر واضح وظاهر لكل من سلم قلبه من الأمراض والأحقاد والأغراض ، ولقد عرض بعض الأخوة كلامي هذا على الشيخ عبدالعزيز الراجحي احد اكبر طلاب الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى فقال : ( لا بأس به ، هذا الكلام صحيح وليس فيه طعن بالصحابة ) .
والشيخ عبدالعزيز الراجحي حفظه الله استدل بالحديث نفسه على ذم التحزب ونقلتُ كلامه في ردي على من اتهمني بالطعن بالصحابة ، كما استدل الشيخ العلامة مقبل الوادعي رحمه الله تعالى أيضاً بالحديث نفسه في ذم التحزب .
ولقد أصبح الأمر واضحاً جداً عند كل منصف أن الإخوة الذين يلقبون انفسهم بالسلفيين الخلص أرادوا الانتقام فحسب لأني انتقدتهم في قولهم عن بشار الأسد أنه (مسلم سني يصلي العيد كما شاهدوه في التلفاز ) !! وإلى الآن ما استطاع أحد منهم ينكر أنه قال بإسلام بشار الأسد بل وسنيته !!
أقول : وللأسف مع أني نقلت كلام الشيخين الوادعي والراجحي بالنص ومع ذلك اصروا على ما زعموه بأني اطعن بالصحابة !!
ثم أنني راجعت الشيخ الدكتور فلاح بن اسماعيل مندكار استاذ العقيدة في كلية الشريعة في جامعة الكويت - حفظه الله تعالى- وذكرت له كلمتي هل فيها طعن بالصحابة رضي الله عنهم فقال : ( لا بأس بها وليس في ذلك طعن ) انتهى .
ومؤخراً سئل الشيخ العلامة صالح اللحيدان عن قولي (حتى الصحابة وقعوا في الحزبية) هل هذا طعن بالصحابة؟
فأجاب وفقه الله بقوله : ( لا ، ليس في هذا طعن بالصحابة ) انتهى
وقال الشيخ ربيع المدخلي : ( لفظ الأنصار لفظ ممدوح ولفظ المهاجرين كذلك ، وأثنى الله على المهاجرين والأنصار لجميل صنعهم ، وكمال أفعالهم وقوة إيمانهم ، ولكنها لما استغلت عصبية سماها رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوى الجاهلية ، وقال ((إنها منتنة)) . فاللفظ الشريف النبيل إذا استغل لغرض دنىء يكون ذما لقائله ، ويدخل هذا اللفظ الإسلامي في إطار آخر هو إطار الجاهلية (…. أدعوى الجاهلية …) ماذا قالوا (يا للمهاجرين .. يا للأنصار) ولكن ما هو الحافز ؟! الدافع إليها التعصب والعنصرية ، فالرسول صلى الله عليه وسلم سماها جاهلية ووصفها بأنها منتنة ، ودعا إلى الأخوة والمحبة والألفة ، والتناصر على الحق ) انتهى من مجموع كتب ورسائل الشيخ ربيع المدخلي (422- 421/1)
وأنا الآن اسألك يا دكتور فواز العوضي ومشدد عليك المسألة اسألك بالله العظيم الذي يعلم ما في نفسك ولا تخفى عليه منك خافية ، هل كلامي يختلف عن كلام الشيخين الوادعي والراجحي أو مطابق لكلامهما ؟ وهل الشيخان الوادعي والراجحي طعنا بالصحابة رضي الله عنهم أو كلامي يعتبر طعناً وكلامهما ليس طعنا ً؟
ثم لو كان الأمر كما زعمت - غفر الله لك ولوالديك - بأني قد فتحت باباً لأهل البدع للطعن بالصحابة والعياذ بالله - فالشيخ مقبل الوادعي رحم الله اكبر مني واعلم مني واسبق بالقول والاستدلال بالحديث نفسه فلماذا اتهمتني ولم تتهمه ؟! أو الأمر كما قيل ( ابوي ما يقدر إلا على أمي ) .
يا دكتور قبل أن تجيب عن سؤالي تذكر تقوى الله عز وجل وتذكر وقوفك بين يديه تبارك وتعالى إذا سألك عما رميتني به .
ولزيادة إيضاح أقول : دعوى الجاهلية لا تجوز أليس كذلك ؟ فلو قال قائل احذروا دعوى الجاهلية فإنها خطيرة ولا تحسبوا أننا بعيدون عن الوقوع فيها ويجب أن لا نأمن على أنفسنا من الوقوع فيها حتى بعض الصحابة وقعوا في شيء من ذلك عندما قال رجل من الأنصار يا للأنصار وقال آخر من المهاجرين يا للمهاجرين، وسمع ذاك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال (ما بال دعوى جاهلية)…ثم قال : ( دعوها فإنها منتنة ) رواه البخاري (٤٩٠٥) لكن رسول الله صلى عليه وسلم نهاهم فانتهوا والسؤال يا دكتور فواز العوضي : من قال هذا الكلام عن الصحابة رضي الله عنهم هل يقال أنه طعن بالصحابة وفتح باباً لأهل البدع للطعن بالصحابة ؟
اظن المنصف سيقول حتماً لا يقال ذلك والحديث نص في ذلك ، اسألك بالله العظيم يا دكتور ما الفرق بين التحزب والتعصب الجاهلي ؟
انتظر الجواب منك أو ممن استغلك ويديرك من وراء جدر ، وأي جواب ؟ الجواب الذي تظنون أنه يخلصكم عندما تقفون بين يدي الله تعالى ويسألكم عما رميتم الناس به .
وأما ما اطلت به الكلام حول مسألة (استدل ثم اعتقد) فلا مناسبة له، فإني بحمد الله تكلمت بناء على ما درسته وتعلمته من عقيدة أهل السنة والجماعة وهو جواز ذكر بعض اخطاء بعض الصحابة لبيان الحكم الشرعي والتحذير من الوقوع بمثله وليس في هذا طعن بهم ، ثم لما حملتم كلامي ما لم يحتمل وجدت بأني لستُ أول من استدل بهذا الحديث ،
فالأصل هو الاستدلال بالحديث وهذا الذي فعلته ثم وجدت من سبقني بالاستدلال بالحديث نفسه على المسألة نفسها ، فلماذا تطيل الكلام بلا فائدة ؟ وأما قولك يا دكتور فواز ( بأن هذا صدر من غلامين صغيرين وليس من كبار الصحابة ولا من عامتهم كما يدل على ذلك صنيع سالم الطويل ) أو كما قلت فأقول : والله هذا الكلام استحي أن أرد عليه لضعفه الشديد وظهور سقوطه ولكن العجيب كيف تجرأت على التفوه به وأنت تحمل شهادة الدكتوراه ؟! لكنها الحزبية بئست المطية.
العدل العدل يا دكتور فواز قال الشيخ ربيع حفظه الله تعالى: ( نحن نبغض الخوارج ، ونعتقد أنهم شر الخلق والخليقة ، ومع ذلك لا نظلمهم لإيماننا بوجوب العدل الذي يفرضه الإسلام للمسلم والكافر ، فلا نحكم عليهم بناءً على الروايات الضعيفة ) انتهى كلامه من كتاب الذريعة إلى مقاصد الشريعة (١٨٨/١).
لعلي وضحت للقراء الخطأ الذي وقع فيه الأخ الدكتور فواز، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .غفر الله لي ولوالدي وللدكتور فواز ولوالديه وللمسلمين .
والحمد لله أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .