موقع الشيخ
حفظه الله
سالم بن سعد الطويل

على ماذا اتفقت الرسل؟

2 ذو الحجة 1435 |

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، أما بعد :

فلقد أرسل الله تعالى رسله وأنزل كتبه واجمع رسل الله تعالى في دعوتهم لأقوامهم على أربع مسائل عظيمة ما اختلفوا فيها ، قال تعالى : ( اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ ) سورة [نوح: 3-4] وهذا قول نوح عليه السلام وهو أول الرسل ولو تتبعنا دعوة كل رسولٍ ذكره الله تعالى في كتابه لوجدنا أنهم اجمعوا على مسائل أربع :

المسألة الأولى : التوحيد ، وهو عبادة الله تعالى وحده لا شريك له ، والتوحيد هو أعظم ما أمر الله تعالى به عباده ومن أجله خلق الله الجن والإنس كما في قول تعالى (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) [الذاريات: ٥٦]، ومن أجل التوحيد أرسل الله رسله وأنزل كتبه وشرّع الشرائع وحدَّ الحدود وفرض الجهاد ، وأحلّ الحلال وحرّم الحرام ، وعُقد الولاء والبراء والحب في الله والبغض في الله ، بل من أجل التوحيد خلق الله الدنيا والآخرة وخلق السماوات والأرض ، وخلق الجنة والنار ومن أجل التوحيد تحق الحاقة وتقع الواقعة وتقوم القيامة فهو أول واجب وأعظم واجب قد وُفق له الموفقون وغفل عنه الغافلون وضلّ عنه الضالون ، قال تعالى : (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ) [الأنبياء: ٢٥]، وقال تعالى (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) [النحل: ٣٦]، ومعنى التوحيد أي إفراد الله وحده لا شريك له بما يجب له من الربوبية والعبودية والأسماء والصفات ، وضده الشرك الذي هو أعظم ذنب عصي الله به وهو الذنب الذي لا يغفر الله لصاحبه إذا مات ولقي الله عليه وهو الذنب الذي يُحبط العمل ويُوجب لصاحبه الخلود في نار جهنم فلا يخرج منها أبداً والجنة على المشرك حرام، قال تعالى (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ) سورة [المائدة: ٧٢]. واصطلاح (التوحيد) اصطلاح شرعي جاء في السنة وليس كما زعم بعض الناس لما قالوا هو اصطلاح محدث ، والدليل حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال : لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل إلى أهل اليمن قال له : إنك تقدم على قوم من أهل الكتاب ، فليكن أول ما تدعوهم إلى أن ( يوحدوا ) الله تعالى، فإذا عرفوا ذلك، فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم ، فإذا صلوا ، فأخبرهم أن الله افترض عليهم زكاة في أموالهم ، تؤخذ من غنيهم فترد على فقيرهم ، فإذا أقروا بذلك فخذ منهم ، وتوق كرائم أموال الناس ] اخرجه البخاري (7372) وفي حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال: ( بني الإسلام على خمسة ، على أن يوحد الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصيام رمضان ، والحج ) أخرجه مسلم (19) وأيضاَ من حديث طارق بن أشيم الأشجعي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( من وحد الله تعالى ، وكفر بما يعبد من دونه ، حرم ماله ودمه ، وحسابه على الله عز وجل ) أخرجه الإمام أحمد (15875)

المسألة الثانية : طاعة الرسول ، فما من رسولٍ أرسله الله إلى قومه إلا وأمرهم أن يطيعوه وهذا من لازم توحيد الله وعبادته ، إذ ليس من المعقول أن يخلق الله تعالى الجن والإنس ليعبدوه ويفرض عليهم ذلك ولا يبين لهم كيف يعبدونه ، بل من كمال حكمة الله الحكيم أن رسل في كل أمة رسولاً يعلمهم كيف يعبدون الله وليقتدون برسولهم كما قال تعالى : ( وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ ) سورة [فاطر: ٢٤]، أي منذر وقال تعالى : ( إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا ) سورة [المزمل: ١٥] ، قال تعالى (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا ) سورة [الفتح: ٢٨]، وقال تعالى (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ) سورة [النساء]، وقال تعالى (وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) سورة [الحشر] وقال تعالى (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ) سورة [الأحزاب: ٢١]، والمقصود أن ما من رسول إلا وأمر قومه أن يطيعوه ويتبعوه .

المسألة الثالثة : الأمر بالتقوى ، التي هي عنوان سعادة الدنيا والآخرة قال تعالى: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ) [النساء: ١٣١]، تقوى الله التي تقتضي امتثال المأمور واجتناب المحظور والأخذ بالففضيلة ومجانبة الرذيلة فلو تتبعنا قصص الأنبياء والمرسلين في القرآن الكريم لوجدناهم جميعاً يأمرون أقوامهم بالتقوى .

المسألة الرابعة : الأمر بالإستغفار ، وهو طلب المغفرة وهو ستر العيّب والتجاوز عن صاحبه ، قال تعالى عن نوح أول الرسل أنه قال لقومه ( فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا ) سورة [نوح: ١٠]، ومن المناسب جداً أن يأمر الرسل أقوامهم بالإستغفار بعد أمره إياهم بالتقوى ، لأن العبد مهما اجتهد بالتقوى ولازم الاستقامة فإنه لابد أن يزل ويخطئ ويقصر فشرع الله لعباده الإستغفار ولذلك أمر جميع الرسل اقوامهم بالإستغفار . فاسأل الله أن يجعلنا من الموحدين المتبعين لرسول رب العالمين المتقين المستغفرين .

والحمد لله أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

المقالات