أخوف ما أخاف على أمتي الأئمة المضلون
الحمدالله رب العالمين ولا عدوان إلا على الظالمين والعاقبة للمتقين والصلاة والسلام على خاتم المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد،
فلقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أخوف ما أخاف على أمتي الأئمة المضلون"رواه ابن حبان وصححه الالباني صحيح الجامع (1551) السلسلة الصحيحه (1582) . والمراد بالائمة «المضلون» هم المتبوعون من الأمراء والعلماء فَضَلَالُ هؤلاء ضلال لأمم وراءهم وقد ذكر الله تعالى في كتابه حال التابع والمتبوع يوم القيامة وكيف يتبرأ بعضهم من بعض ويلعن بعضهم بعضاً وما هذا الذي يذكره الله تعالى إلا تحذيراً لنا من أن نكون أئمة في الضلال ولكي نَحذر من اتباع أئمة الضلال فيضلونا عن الصراط المستقيم قال الله تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ) (سورة التوبة 34). فإن قال قائل هذا في أهل الكتاب. قلنا له نعم وهذه الأمة منها من سيتبع سنن أهل الكتاب كما في الحديث «لتركبن سنن من كان قبلكم» رواه أحمد والترمذي وغيرهما.احمد في المسند (21947) والترمذي (2335) وصححه الالباني صحيح الجامع (3601) فكما في أهل الكتاب أحبار ورهبان يضلون الناس ويصدون عن سبيل الله فكذلك في أمة محمدصلى الله عليه وسلم علماء السوء وعباد الضلالة يصدون الناس عن سبيل الله ويأكلون أموال الناس بالباطل، ( قال سفيان بن عيينة : كانوا يقولون من فسد من العلماء ففيه شبه من اليهود ومن فسد من العباد ففيه شبه من النصارى وكان السلف يقولون : احذروا فتنة العالم الفاجر والعابد الجاهل فإن فتنتهما فتنة لكل مفتون .(مجموع الفتاوى الكبرى لشيخ الاسلام ابن تيمية المجلد الثاني صفحة 137) .
أخي القارئ الكريم لقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم في صحيحه (2674) من حديث أبي هريرة رضى الله عنه أنه قال: (( من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً)). فهذا الحديث فيه بيان أن هناك دعاة إلى الهدى وآخرين دعاة إلى الضلالة ولكل اتباع وطلاب وتلاميذ، والفرق بين هؤلاء الدعاة وأولئك أن الفريق الأول يدعون إلى الهدى والمراد بالهدى هوالعلم النافع والعمل الصالح الذي أرسل الله تعالى به رسوله صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9)) (سورة الصف ـ 9). وبهذا يعرف طالب الحق أئمة الهدى الذين يتمسكون بالوحي والسنن وإذا تكلم أحدهم استدل بالآية والحديث وإذا ذكر الحديث اسنده إلى من أخرجه وتحقق من صحته ثم يذكر عمل الصحابة رضي الله عنهم وما كانوا عليه. بينما أئمة الضلال فهم أولئك الذين لا يقيمون للأدلة من الكتاب والسنة وزناً, فتارة يعرضون عن الوحي اعراضاً تاماً وتارة لا يستدلون بالكتاب والسنة إلا قليلاً وتارة يسندون إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يقله وتارة يردون النصوص بعقولهم كما تراهم أيضاً يحرفون النصوص القرآنية والأحاديث النبوية عن مراد الله ورسوله منها. كما انهم ينصبون العداء لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وعلماء الأمة الاعلام.
أخي القارئ العزيز اعلم أرشدك الله إلى الحق أن الله تعالى إذا أراد بعبده خيراً وفقه إلى صاحب سنة جلس إليه واستفاد منه واستنار بالحق الذى عنده وتمسك به وإذا أريد به سوء فإنه ينتهى إلى صاحب بدعة وصاحب هوى يتسلط عليه ويصده عن الحق وربما استعبده لنفسه فصار من «الرقيق الأبيض» الذى لا يقول لشيخه لم تفعل كذا أو تقول كذا وذلك لأن الشيخ رباه على السمع والطاعة من غير إعمال للعقل ولا استفادة من السمع والبصر كما يفعل مشايخ الطرق الصوفية بتلاميذهم ومريديهم ومن كلامهم المشهور: ما افلح مريد قال لشيخه لِمَ قط. لا إله إلا الله حقاً هؤلاء صم بكم عمي. ربما كان الناس قديماً تخفى عليهم بعض الحقائق عن أصحاب البدع والأهواء أما اليوم مع انتشار وسائل الإعلام بأنواعها فما بقى لأحد عذر يقول لا أدري. قلت لصاحب هوى ذات يوم أتعرف كتاب احياء علوم الدين قال نعم إنه لحجة الإسلام أبي حامد الغزالي. قلت: لقد ذكر فيه حكايات وكرامات وقال يجب التصديق بها ومن جملتها أن مريداً كان يقول لصاحبه لو رأيت أبا يزيد فقال إليك عني لقد رأيت الله فاغناني عن أبى يزيد!!! فقال الآخر: ويحك تقول رأيت الله فأغناك عن إبي يزيد؟! إن نظرة إلى أبي يزيد انفع من أن تنظر إلى الله سبعين مرةً. فلما ذكرت ذلك له قال هذا كذب كذب لا يمكن أن يقوله الغزالي قلت انظره في المجلد الرابع صفحة 354، فلما رآه ما زاد إلا تمسكاً (فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) (سورة الحج ـ 46(. وقال تعالى: (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ) (سورة النور ـ الآية 40). ورحم الله من قال:
لقد أسمعت لو ناديت حياً ** ولكن لا حياة لمن تنادى
ولو ناراً نفخت بها أضاءت ** ولكن أنت تنفخ في الرماد
أخي القارئ الكريم لا تعجب ممن التبس عليه الأمر بسبب التعصب أو الحزب أو لأجل الشهرة أو المنصب أو المال أو غير ذلك فالأعمى لا يرى الشمس وللاعمى عذره إن لم يرها فلا تعجب إذا صاحب الهوى لا يرى الحق لأنه أعمى بصيرة وإن رآه لم يتبعه. فأي عمىً أصاب هذا الإنسان الذي بلغ فيه الأمر حتى لا يميز بين علماء الهدى وعلماء الضلالة.
اخواني أهل السنة اسألوا الله تعالى الهداية لشاب مسكين (يدعى حمد. س) خرج من المعاصي إلى الأهواء ويعبث فيه بعض مشايخه ويوجهونه ويكتبون عنه فكم فرحنا لما ترك اللهو والمعاصي وكم حزنا عليه لما سقط في شباك أهل البدع والأهواء فلبسوا عليه وافسدوا فطرته حتى بلغ فيه الأمر أن احتار أين الله تعالى أهو في السماء مستوي على عرشه بائن من خلقه أم أنه ليس فوق ولا تحت ولا قدام ولا خلف ولا يميناً ولا شمالاً ولا ولا هكذا فعلوا بهذا المسكين وأنا اكاد أجزم أنه لما كان في لهوٍ سهوٍ ولعبٍ كان على فطرته يعرف أين الله تعالى فلما تتلمذ على أولئك النفر وتغيرت فطرته وأضاع ربه.
قال النبي صلى الله عليه وسلم لجارية ترعى الغنم: أين الله؟ قالت: «في السماء قال: ومن أنا؟ قالت: أنت رسول الله قال لسيدها: اعتقها فإنها مؤمنة» رواه مسلم) 537) بينما قيل لاستاذ دكتور في كلية الشريعة أين الله؟ فقال متهرباً عن الإجابة: (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ) وقيل لدكتور آخر أين الله؟ قال: سبحان من لا يسأل عنه بأين.
انظر أخي المسلم كيف فضلك الله تعالى على كثير ممن خلق تفضيلاً.. دكاترة يحملون شهادات عاليه تلك الجارية التي ترعى الغنم اسلم عقيدة منهم!! أتدري لماذا؟ لأنها على فطرتها قد تخرجت من مدرسة النبي صلى الله عليه وسلم أما هؤلاء فقد تخرجوا من مدارس الأئمة المضلين فأفسدوا فطرتهم وعقائدهم.
والحمدالله على نعمائه واحسانه وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.