رسالة لم يحملها البريد إلى إخواني السلفيين في روسيا
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
فإن أخاً لنا في الله من أهل السنة من روسيا أرسل إليّ رسالتين قال فيهما:
الرسالة الأولى: شيخنا سالم بن سعد الطويل
السلام عليك ورحمة الله وبركاته
عندنا سؤال يهمنا كثيراً: بعض الحكام المسلمين لدول الإتحاد السوفيتي سابقا لا يحكمون بالشرع مطلقاً، فمن الإخوة من يقول: «نحن لا نكفرهم لأن التكفير يُرجع فيه للعلماء، لكن في الوقت نفسه -من كانت هذه حاله- لا نعتبره ولي أمر شرعي ولا نقول له في أعناقنا بيعة، بحيث تنطبق عليه النصوص التي جاءت بالأمر والحث على طاعتهم وعدم ذكر أخطائهم… إلخ». ويا شيخ - حفظك الله - بعض الإخوة السلفيين يقول: «إن هذا الموقف هو موقف الحزبين، ومن قال بقولهم فهو حزبي متستر»، ثم تجدهم يوالون ويعادون على هؤلاء الحكام ويقولون: «من لا يقل عنهم أمراء المؤمنين فهو ضال مضل»، ويمتحنون الناس بهم، بل بعضهم يقول بوجوب الثناء عليهم. فما تعليقك على قول هؤلاء الأخوة؟
الرسالة الثانية: شيخنا بارك الله فيك، في قضية صارت سببا للفتن والافتراق بين السلفيين! القضية هي: أن بعض طلبة العلم من دول آسيا يُنَزّلون الأحكام العامة الواردة في السمع والطاعة لولاة الأمر والحكام والتي ذكرها العلماء في الحكام الشرعيين على الحكام الذين لا يقيمون لأحكام الشريعة وزنا، ينزلون هذا الحكم العام الذي يسمعونه من علماء المملكة العربية السعودية في حق ملك المملكة العربية السعودية على رؤساء دولهم، علما بأن النظام القائم في دول روسيا نظام علماني محض، ولا يحكم فيها بشرع الله لا في كثير ولا في قليل! ولا يؤمنون بالبيعة ولا يدعون الناس إليها، بل ربما ما سمعوا بها في حياتهم قط، فبعض الإخوة اعتماداً على قول بعض المشايخ أن الحاكم ما دام مسلماً ولايته صحيحة وهو حاكم شرعي، يجب له السمع والطاعة بالمعروف ويحرم الكلام عليه في العلن وذكر معايبه، بل يجب مدحه والثناء عليه، ينزلون هذا الحكم على رؤساء تلك الدول، لأن هؤلاء الرؤساء يعدون أنفسهم مسلمين، فهل يسوغ لهم القيام بذلك؟
ويا ليتهم توقفوا عند هذا الحد فحسب، فعتقدوا ذلك في قلوبهم ولأنفسهم، بل يلزمون جميع السلفيين بأن يعترفوا بصحة ولاية هؤلاء الرؤساء، ومن لم يعترف يُتهم بأنه منحرف في منهجه وأنه حزبي متستر، فهل يجوز لهم هذا؟
وهل التوقف في حكم شرعية هؤلاء الحكام يعد انحرافاً في المنهج؟ علماً بأن الإخوة لا يكفرونهم ولا يدعون إلى الخروج عليهم بل يقولون: «ينبغي طاعتهم في غير المعصية من باب المصلحة ودفع المفسدة».
وهل من الخطأ حين نقول ينبغي أن نرجع في هذه القضية إلى العلماء ليفتوا لنا في تنزيل الحكم العام على المعين؟ بارك الله فيك!
الجواب: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته.
أقول وبالله أستعين وعليه أتوكل وإليه أنيب: من المؤسف جداً يا أهل السنة أنكم تختلفون فيما بينكم وأنتم في روسيا تلك البلد التي كاد الإسلام أن يندرس فيها تماماً، فحتماً أنكم قليلون جداً كالشعرة البيضاء في ظهر الثور الأسود، حتى من بقي على إسلامه غالباً تجده منغمس بالتصوف أو عنده ضلالة بل ضلالات، ثم لما رفع الله عنكم البلاء وتحررت بعض بلادكم من الشيوعية الماركسية، رجع بعضكم على بعض، وبدأ يبدع إخوانه ويضللهم ويشكك فيهم!!
لا شك هذا لا يجوز.
إخواني الكرام أذكركم بكلمة جيدة نافعة للشيخ العلامة عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب - رحمهم الله تعالى - كتبها لإخوة كانوا قد اختلفوا فيما بينهم، قال لهم: «وقد بلغني أنكم اختلفتم في مسائل (أدى بكم) إلى النّزاع والجدال، وليس هذا شأن طلاب الآخرة: - فاتقوا الله، وتأدبوا بآداب العلم، واطلبوا الثواب من الله في تعلمه وتعليمه، واتبعوا العلم العمل، فإنه ثمرته في حصوله، كما في الأثر: «من عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم»، وكونوا متعاونين على البر والتقوى.
• ومن علامة إخلاص طالب العلم أن يكون صموتاً عما لا يعنيه: - متذللاً لربه. - متواضعاً لعباده. - متورعاً متأدباً. - لا يبالي ظهر الحق على لسانه أو لسان غيره، ولا ينتصر لنفسه ولا يفتخر، ولا يحقد ولا يحسد، ولا يميل به الهوى ولا يركن إلى زينة الدنيا» انتهى كلامه. الدرر السنية (١ / ٤٠٥-٤٠٦).
وعلى كل حال، إخواني الكرام نصيحتي لكم أن لا تلتفتوا إلى هؤلاء الذين هم في الحقيقة متحزبون، بدليل أنهم يلزمون المسلم بمتابعتهم بكل رأي يذهبون إليه، فإما أن تقول بقولهم وتكون تابعاً لهم وإلا أخرجوك من السلفية وضللوك وبدعوك ثم يعلنون الحرب عليك وينفرون الناس منك، وبالمقابل يحسنون الظن بكل الناس، ويعذرون كل الناس ويتورعون عن الكلام في أطغى الناس، ولا تكاد تسمع لهم كلمة إلا في مِنْ نصبوه هدفاً لهم لينالوا منه وينهشوا في عرضه، بمناسبة وفي غير مناسبة.
فمثلاً إخواننا هؤلاء يطلبون منكم أن تعتقدوا أن للعلمانيين بيعة في أعناقكم وتسمعوا وتطيعوا لهم، وأن تثنوا عليهم وتحبوهم وتوالوهم وتعادوا من أجلهم، وأن لا تنتقدوهم بالعلانية، وأن تظهروا محاسنهم، مع أنهم غالباً إن كانوا مسلمين تجدهم إما صوفية أو حلولية أو قبوريين!! سبحان الله!!
إخواني أرجو أن لا يضركم شيء إذا لم اعتقدوا أن لهؤلاء بيعة والحال كما ذكرتم، ولقد سمعت من الشيخ ربيع بن هادي المدخلي - حفظه الله تعالى - في إحدى زياراتي له في بيته في مكة يقول: «الحاكم إذا لم يحكم بالشريعة ولم يدع إلى بيعته على الكتاب والسنة فلا بيعة له»، والحكام كما ذكرتموهم في رسالتكم أنهم لا يحكمون بالشرع مطلقاً وحكمهم علماني محض فعلى ماذا يبايعون؟
وقل لهؤلاء الإخوة يأتوا بكلام للعلماء بخصوص هؤلاء الحكام بأعيانهم إن كانوا صادقين.
وقولوا لهم: نريد كلام الشيخ ربيع بن هادي المدخلي - حفظه الله تعالى - في مسألة بيعة الحكام الذين لا يلتزمون بالشرع بتاتاً، فحتماً هم عاجزون عن ذلك. أتدرون لماذا؟
لأن الشيخ ربيع يقول مثل هؤلاء لا بيعة لهم، وإنما البيعة تكون لمن دعاكم لتبايعوه على الكتاب والسنة.
أقول: طالبوهم بالبينة عن الشيخ ربيع، وقولوا لهم مَن مِن العلماء بدع من توقف في بيعة هؤلاء الحكام العلمانيين؟
فإن أصروا على تبديعكم وإخراجكم من السلفية وحكموا على كل من لم يعتقد البيعة بأنه متحزب متستر! أقول: فحينئذٍ ليس أمامكم إلا أن تقولوا حسبنا الله ونعم الوكيل، وأعرضوا عنهم وكأنهم غير موجودين، وادعوا الله لهم بالهداية والاستقامة واصبروا عليهم.
ثم اعلموا أنكم ستجدون غيرهم يكفرونكم إن بايعتم أو حتى لمجرد أنكم لم تكفروهم!! فهؤلاء بلاء وهؤلاء بلاء، فاصبروا وما صبركم إلا بالله.
وأوصيكم ونفسي بتقوى عز وجل واعتنوا بطلب العلم، وخصوصاً القرآن الكريم، ولتكن لكم عناية بالتوحيد والعقيدة وكتب السنة والحديث، ولينفر منك طائفة ليتفقهوا في الدين، وليرحلوا إلى بلاد المسلمين لعل الله ينفعهم وينفع بهم.
وعليكم بالدعوة إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة، ادعوا إلى الله عز وجل لا لأنفسكم ولا إلى حزب ولا إلى فئة، بل ادعوا إلى الله تعالى، كما قال تعالى: ﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [يوسف: ١٠٨].
قال الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى: «وفي وقتنا هذا ضعف أمر الجهاد لما تغير المسلمون وتفرقوا وصارت القوة والسلاح بيد عدونا، وصار المسلمون الآن إلا من شاء الله لا يهتمون إلا بمناصبهم وشهواتهم العاجلة وحظهم العاجل، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فلم يبق في هذه العصور إلا الدعوة إلى الله عز وجل والتوجيه إليه، وقد انتشر الإسلام بالدعوة في هذه العصور في أماكن كثيرة في أفريقيا شرقها وغربها ووسطها وفي أوربا، وفي أمريكا وفي اليابان، وفي كوريا، وفي غير ذلك من أنحاء آسيا، وكل هذا بسبب الدعوة إلى الله، بعضها على أيدي التجار، وبعضها على أيدي من قام بالدعوة وسافر لأجلها وتخصص لها». انتهى كلامه، مجموع الفتاوى (٣ / ١٢٢).
أسأل الله تعالى أن يؤلف بين قلوبكم ويصلح أحوالكم ويقينا وإياكم الفتن ما ظهر منها وما بطن، والحمد لله أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.