موقع الشيخ
حفظه الله
سالم بن سعد الطويل

أهل السنة لا يتلونون ولا يحتارون

24 محرم 1428 |

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، والصلاة على من ختم الله به الرسالات، نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:



فأهل السنة هم الذين اتَّبعوا سنة النبي صلى الله عليه وسلم وتمسكوا بها، والمراد بالسنة: العقيدة الصحيحة والعبادة المستقيمة والأخلاق الحميدة.

وكل من تمسك بالكتاب والسنة وسار على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فهو على منهج الحق، ولقد اجتهد العلماء الذين هم ورثة الأنبياء، فبينوا في كتبهم عقيدة أهل السنة والجماعة وحفظوا للأمة العبادة المشروعة والآداب الشرعية والأخلاق والسلوك الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وبهم حفظ الله تعالى دينه الذي أنزله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، ومن أراد الله به خيراً فقهه في الدين، ووفقه إلى الصراط المستقيم، وشرح صدره لقبول الحق، والعمل به، والدعوة إليه، والصبر في سبيله.



أيها القارئ الكريم، اعلم رحمني الله وإياك أن لأهل الحق علامات وآيات تميزوا بها عن أهل الأهواء والمحدثات التي من أبرزها الثبات على الحق والصدق والاستقامة، فظواهرهم كبواطنهم، ينطقون بما يعتقدون، ويقولون الحق ولا يخافون في الله لومة لائم، وما ذاك إلا لأن مصدر التلقي عندهم هو الكتاب والسنة، قال تعالى (إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9) [الإسراء]، وقال تعالى(فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (43)) [الزخرف[ وقال تعالى (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (53)) [الشورى]، والآيات في هذا المعنى كثيرة، والصراط هو الطريق المستقيم الذي لا اعوجاج فيه، فمن سلك الصراط المستقيم وتمسك به -حتماً- فسيكون مستقيماً في عقيدته ومنهجه وعبادته وسلوكه وآدابه وأخلاقه، خلافاً لأهل الأهواء والبدع الذين تفرقت بهم مصادر التلقي بإتباعهم للعقائد والمناهج المحدثة، فانحرفت عقائدهم ومناهجهم وأخلاقهم، إذ لا يمكن أن يستقيم الظل والعود أعوج، وتدبر قول الله تعالى (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153) [الأنعام]، فالذين يتبعون سبيلاً واحداً مستقيماً سيجتمعون، ومن سيتبع سبلاً كثيرة سيتفرقون، وصدق الله تعالى (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا) [النساء- 122]. 

فمن علامات أهلِ السنة والجماعة أهلِ الحق والاتباع التوافقُ والائتلافُ والاجتماعُ ومن علامة أهل البدع الافتراقُ والاختلافُ وكثرةُ التنقل والإضرابُ والتناقضُ والتلونُ والحيرةُ، ويكفر بعضهم بعضاً، ويضلل بعضهم بعضاً، ولم يقتصر ضلالهم على عقائدهم، بل تجاوز ذلك إلى عباداتهم وأخلاقهم وسلوكهم؛ لأن الظاهر له ارتباط وثيق بالباطن، فتجد أهل البدع أكذب الناس وأكثرهم أكلاً للمال الحرام وطعناً بأعراض الآخرين، فإذا لم تستوعب ذلك فتأمل وتدبر حال المنافقين كما وصفهم اللهُ تعالى ورسولُه صلى الله عليه وسلم، فلقد خَبُثَتْ سرائرُهم، فظهر ذلك على ظواهرهم من الكسل في الصلاة والكذب والخيانة والغدر وإخلاف الوعد والفجور في الخصومة وغير ذلك، بينما قال الله تعالى في حق نبيه صلى الله عليه وسلم (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)) [القلم- 4]، وما ذاك إلا لطهارة باطنه عليه الصلاة والسلام، فخلقه كان القرآنَ كما وَصَفَتْه بذلك أمُّ المؤمنين عائشةُ رضي الله عنها، ليس هذا فحسب، بل انعكست طهارة باطنه عليه الصلاة والسلام حتى على هيئته وصورته ورائحته، فوجهه كان كقطعة قمر، ويده أنعم من الحرير والديباج، ورشحه أطيب من المسك، وكان إذا تنخم نخامة وقعت في يد بعض أصحابه قبل أن تقع على الأرض فيدلك بها وجهه وصدره كما في صحيح البخاري رقم : [2731-2732] وكان إذا توضأ كادوا يتقاتلون على فضل وضوئه.



أخي القارئ العزيز، فكلما كان الإنسانُ إلى الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم أكثَرَ وبه ألصقَ نال من الاستقامة والصلاح أكثر وأكثر ممن بعُد عن سنته، فمِن مقلٍّ ومن مكثرٍ، وميزان الاستقامة هو التمسك بالكتاب والسنة وما كان عليه سلف الأمة.



أيها القارئ الكريم، كلمة (لست أدري)) و(قد ضعنا) و(التبست علينا الأمور) و(احترنا) ونحوها من الكلمات التي تدل على الحيرة لا تجدها عند (السني) وأعني بالسني ما بينته آنفاً، وهو الذي يتمسك بالكتاب والسنة وما كان عليه سلف الأمة. 

أتدري لماذا؟ لأنه يهتدي بهدي الكتاب والسنة، فيعرف الحق من الباطل ويسأل أهل الذكر إذا كان لا يعلم، ويعرف ماذا يعتقد، وكيف يتعبد، وما هي حدود الله تعالى، ويعرف الحلال والحرام، ويعرف من يحب ومن يبغض ومن يوالي ومن يعادي.

فيشكر عند النعمة، ويصبر عند النقمة، ويسأل إذا جهل، ويعمل إذا علم، ويثبت عند البلاء فلا يلتبس عليه شيء، والحمد لله رب العالمين، بينما تجد أهل الأهواء والبدع تعصف بهم أهواؤهم ويحتارون ويتلونون، وسرعان ما يفتنون، فالنجاة تكون بالتمسك بالكتاب والسنة وما كان عليه سلف الأمة مع الحذر الكبير من أهل البدع والأهواء.



هذا واللهَ أسألُ أن يوفق المسلمين للعمل بكتابه وسنة نبيه، والحمد لله أولاً وآخراً، وصلى الله وسلم علي نبينا محمد وعلي آله وصحبه أجمعين.

المقالات