لو سكت من لا يدري لاستراح وأراح، وقَلّ الخطأ، وكثر الصواب (١)
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلقد استمعت إلى كلمة للأخ زيد بن حليس الدوسري - غفر الله له ولوالديه - لم يوفق فيها، بل أخطأ فيها أخطاء جسيمة، تمنيت لو أعاد النظر في كلامه وتراجع عنه قبل أن أضطر للرد عليه، لذا قبل أن أكتب الرد عليه راسلته أولاً، وأنكرت عليه كلامه، وانتظرته مدة كافية، لعله يعيد النظر في كلامه، ويتدارك زلاته، ويرجع عن تقريراته، والذي يظهر -وللأسف- أنه مصرٌ على كلامه ولو كان بطلانه واضحاً جلياً.
والأخ زيد ضعيف في العلم جداً، وأعرفه جيداً ولقد درّسته سنوات، ودرس عند غيري سنوات، لكن تحصيله قليل، ومستواه العلمي متواضع جداً، وهذا ليس غريباً فكما قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: (العلم مواهب) [الطبقات: ٢/ ٣٦٦]، وتمنيت بما أن تحصيله متواضع أن يعرف قدره ولا يتصدر للكلام، أو على الأقل إذا تكلم يتكلم بما يحسن ويحضّر جيداً، والذي يظهر لي - والله أعلم - أنه اكتسب هذه الخصلة - وهي الجرأة في الكلام والتصدر بلا علم - من فرقة التبليغ التي مكث فيها من عمره سنين!
فإن قال قائل: إذاً لماذا ترد عليه بما أنه ضعيف، لا سيما أنه غير معروف لا بعلم ولا بدعوة، والرد عليه قد يكون فيه إشهار له؟
فأقول: لقد سئل الشيخ الألباني السؤال نفسه لما كتب رداً على بعض الجهلة، فأجاب بجواب حكيم، إليك أخي القارئ الكريم نص كلامه:
[وإني لأعلمُ أن بعضاً من إخواننا دُعاة السنة - أو الحريصين عليها - قد يقولون في أنفسهم: أليس في هذا الرد إشهارٌ لهذا الجاهل وتعريف بهذا (الهدّام)!!
فأقول: فكان ماذا؟! أليس واجباً كشفُ جهل الجاهل للتحذير منه؟!
أليس هذا نفسه طريقَ علماء الإسلام منذ قديم الزمان لنقضِ كل منحرفٍ هجام ونقدِ كل متطاول هدام؟!
ثم؛ أليس السكوتُ عن مثله سبيلاً يغرر به العامة والدهماء والهمج الرعاع؟!
فليكن إذاً ما كان؛ فالنصيحة رأس الدين، وكشف المبطل صيانة للحق المبين {ولينصرن الله من ينصره} ولو بعد حِين]. انتهى كلامه رحمه الله من كتاب"النصيحة" ص ٧.
وأقول أيضاً: إن الأخ زيداً في الفترة الأخيرة تم تصديره، وبين الحين والآخر يبثون له بعض الكلمات والتعليقات والتقريرات، مع أنه لم يدرس دراسة نظامية شرعية، ولا نعلم إلى هذه الساعة أن أحداً زكاه أو نصح بتلقي العلم على يديه!!
وللإنصاف قرأت كلمة في مقالة لدكتور الشريعة الأخ فواز العوضي قال فيها: شيخنا زيد حليس!!
ولا أدري والله بم تمشيخ الأول على الثاني؟! وما العلم الذي استفاده الثاني من الأول؟!
والله المستعان!
قال الأخ زيد بن حليس في كلمة منشورة له: (فهؤلاء الذين تصدوا وتصدروا للدعوة وتوجيه الناس والشباب هؤلاء خونة، لا يريدون إلا مآربهم ومصالحهم، ولهذا ما علّموا الشباب الذين عكفوا عندهم ويتعلمون منهم، إنما يدندنون التوحيد التوحيد التوحيد ولا يعلّمونهم السنة، ولا يعلمونهم خطر البدعة). اهـ.
أقول وبالله أستعين وعليه أتوكل وإليه أنيب: هذا الكلام خطير جداً، وما كنت أتوقع أن أسمعه يوماً من الأيام يصدر مثل هذا الكلام من الأخ زيد! ولي عليه تعليقات:
أولاً: لايجوز اتهام الناس في نياتهم، ووصفهم بهذا الوصف الغليظ (خونة ولا يريدون إلا مآربهم ومصالحهم)، كان عليه- على الأقل- أن يستثني ويقول إلا من رحم الله، فالمسلمون فيهم خير كثير، وإن كانوا لا يسلمون من تقصير وفتور ونقص وبدع ولكنهم ما زالوا يدعون المسلمين وغير المسلمين ويغيثونهم ويعلّمونهم، وآثارهم الحميدة كثيرة، لا ينكرها إلا من ظلم نفسه، فلا يجوز أن يبخس الناس أشياءهم، وإنما من حقه أن ينتقد الباطل أو الخطأ أو التقصير الذي عندهم مع النصيحة لهم والرحمة بهم، قال تعالى: ﴿وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا ﴾ [الأنعام: ١٥٢]، وقال سبحانه: ﴿اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ [المائدة: ٨].
ففي وصفه لهم نسف كامل إذ اعتبرهم خونة ولا يريدون إلا مآربهم ومصالحهم، يعني ما عندهم شيء لله تبارك وتعالى، هل يعقل هذا؟!
غفر الله للأخ زيد ولوالديه.
ثانياً: قول الأخ زيد: (وإنما يدندنون التوحيد التوحيد التوحيد)، وهذا خطير جداً جداً، فالذين يعنيهم بأنهم يدندنون التوحيد التوحيد إما:
أنهم يتكلمون بالباطل ويسمونه توحيداً كالمعتزلة فالتوحيد عندهم هو نفي صفات الله تبارك وتعالى، أو كالخوارج والتوحيد وهو تكفير الحكام وعسكرهم ورعيتهم، أو كفرقة التبليغ والتوحيد عندهم هو إخراج اليقين الفاسد من القلوب على ذات الأشياء، وإدخال اليقين الصحيح على ذات الله، فإن كان الأخ زيد يقصد توحيد هؤلاء فالواجب أن ينكر عليهم توحيدهم الباطل لا أن ينكر عليهم دندنتهم حول توحيدهم.
وإما أن يقصد بالذين يدندنون على التوحيد أهل التوحيد الصحيح وهو الذي خلق الله الجن والإنس من أجله، وأرسل الرسل به وأنزل كتبه للدعوة إليه، وهو الذي لا تقوم القيامة ولا تحق الحاقة إلا لمحاسبة الخلق عليه، وهو التوحيد الذي خلق الله الجنة لمن حققه، وخلق النار لمن ضيعه؛ هذا التوحيد الذي هو إفراد الله بما يجب له من الربوبية والألوهية والأسماء الحسنى والصفات العليا، فالدندنة حوله من أعظم الحقوق وأوجب الواجبات وأحق الحتميات، فلا يعاب على من درّسه وحث عليه، وقضى عمره كله في سبيله، وأنفق كل ما يملك لتحقيقه، ولا وجه للإنكار عليه، حتى لو قصر في شيء سِواه، هذا إن كان ثّم شيء سِواه، لأن كل الدين الذي يدين به المسلم لله فهو من التوحيد، ولا ولن يكون خائناً من اعتنى بالتوحيد، فتَعلَّمه وعلّمَه وحث عليه، ودندن حوله ليله ونهاره، فقليل من الإنصاف مع شيء من التقوى يدرك القارئ والسامع خطأ الأخ زيد غفر الله له ولوالديه.
ثالثاً: يقول الأخ زيد: (إنما يدندنون التوحيد التوحيد التوحيد ولا يعلّمونهم السنة، ولا يعلّمونهم خطر البدعة) انتهى كلامه.
أقول: وهذا الكلام غريب جداً، لا يقوله طالب علم صغير، ولا وجود له خارج الذهن أبداً، لأن التوحيد هو السنة والسنة هي التوحيد، ولا يمكن لأحد أن يدرّس التوحيد الصحيح ويدعو إليه بلا سنة، ولا يمكن تحقيق السنة من غير تحذير من البدعة، فمن البدع ما ينافي التوحيد كبدعة الطواف في القبور وعبادتها من دون الله، ومن البدع ما لا تخلو من الشركيات كالموالد وبناء المساجد على القبور، فالسنة هي دين الله تعالى الذي أنزله على نبيه ورسوله محمد ﷺ ، وأساس هذا الدين هو التوحيد، لذلك لا يوجد أحد في تاريخ الإسلام من أول ما أرسل الله رسوله محمداً ﷺ إلى يومنا هذا يدعو إلى التوحيد الصحيح من غير أن يدعو إلى السنة ولا يحذر من خطر البدعة.
فمن لوازم الدعوة إلى التوحيد التحذير من الشرك، قال تعالى: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾ [النساء: ٣٦]، والعبادة لن تكون شرعية مقبولة حتى تكون على السنة، فلا أحد يدعو إلى السنة ويحذر من خطر البدعة مثل دعاة التوحيد الصحيح، لو كان الأخ زيد منصفاً لما قال: (توحيد توحيد توحيد) بنبرة المقلل من شأنه والعياذ بالله تعالى.
والذي يظهر لي أن الأخ زيداً لم يفهم التوحيد فهماً جيداً، وقد بلغني عن ثلاثة من الإخوة أنه عاجز عن تدريس كتاب التوحيد، شهدوا عليه بأنه يبدأ به ثم يخرج عن موضوع الكتاب، ويتكلم في الجماعات والجمعيات وما عندهم من تحزب حتى نفروا منه، ولعل مصداق ذلك كلامه هذا الذي انتقد فيه من يدرّس التوحيد بقوله: (يعني قاموا التوحيد التوحيد التوحيد، طيب وين السنة؟! التوحيد التوحيد، طيب وين السنة؟! وين السنة؟! وين الطاعة؟! وين الانقياد؟! وين الامتثال؟! وين نبذ الأحزاب؟! وين محاربة الجماعات؟! وين يبانهم؟! وين [ كلمة ما أدري ما هي] ؟! أبداً يقول لك التوحيد، ادرس التوحيد، تعلم التوحيد، ادرس التوحيد) انتهى كلامه.
أقول: حقاً الأخ زيد غير موفق بهذا الكلام، ولا يدري أن التوحيد هو السنة وهو الطاعة وهو الانقياد، وما ضل من ضل من الجماعات والأحزاب والفرق إلا لما ضيعوا التوحيد واستهانوا به وقللوا من شأنه واشتغلوا بغيره، والله ما كنا نسمع هذا الكلام وبهذا الأسلوب إلا من تلك الأحزاب والجماعات، كانوا وما زالوا يقولون قولتهم المشهورة للسلفيين: (التوحيد التوحيد، ما عندكم إلا التوحيد إلى متى؟!) ويرد عليهم علماؤنا فيقولون: (التوحيد أولاً وآخراً إلى أن ندخل الجنة بفضل الله ورحمته).
ثم لو سلمنا أن الذي انتقده الأخ زيد عنده تقصير في جانب من الجوانب، فلا وجه له أن ينتقده على عنايته بالتوحيد واهتمامه به وتدريسه وتكرار ذكره، لذا يجب عليه حقيقة أن يتقي الله في كلامه ويراجع أهل العلم، فلا أظن أن أحداً من أهل السنة يوافقه على كلامك ألبتة، وسيذكر ما أقول له.
ثم يقول الأخ زيد بن حليس غفر الله له ولوالديه: (لهذا انظروا شيخ الإسلام ابن تيمية جهاده كله منصب على محاربة أهل البدع عليه رحمة الله) انتهى كلامه.
أقول: لو كان يعرف معنى كلامه لما تلفظ به، فشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى كان يحارب أهل البدع الذين أخلوا بالتوحيد، فالمرجئة الجهمية، والمعتزلة القدرية والأشاعرة والماتريدية والغلاة الصوفية واليهود والنصارى والمجوس والملاحدة والمناطقة كل أولئك كانت انحرافاتهم في التوحيد، فجاهدهم شيخ الإسلام بالتوحيد ومن أجل التوحيد، ومثل ذلك فعل تلميذه ابن القيم رحمه الله تعالى.
حتى جاء الشيخ الإمام المجدد المجاهد محمد بن عبد الوهاب ليجاهد بالتوحيد وللتوحيد، وقد أكثر من ذلك واشتهر به وكتب كتابه المشهور المبارك (كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد)، وعاش على التوحيد ونحسبه مات عليه، وجاء من بعده أولاده وطلابه إلى يومنا هذا، وهم الذين يلقبونهم بعلماء الدعوة وأئمة الدعوة، أي دعوة التوحيد وهو أكثر ما اشتهروا به وأكبر ما برزوا به، وأشهر ما عُرفوا إلا به، فألفوا وكتبوا ونظموا وناظروا وراسلوا ونشروا وشرحوا ودرسوا وأوصوا بالتوحيد، وما عاب عليهم في ذلك أحدٌ إلا من كان أولى بالعيب منهم.
فاتق الله يا أخ زيد، فوالله الذي لا إله إلا هو إن كلامك يذكرني بقول الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق - غفر الله له - لما قال في حق علماء التوحيد: (إن طائفة العلماء في السعودية في عماية تامة وجهل تام عن المشكلات الجديدة وأن سلفيتهم تقليدية لا تساوي شيئاً) انتهى كلامه، والله المستعان.
ثم قال الأخ زيد بن حليس: (فإذاً يحذر، يحذر الأب، لا يفرح باستقامة ولده إلا إذا كان على السنة، مع ناس مؤتمنين، ناس معروفين، ناس مشهود لهم، أما والله فرح ابني استقام، يصلي، يشهد الصلوات، ما شاء الله يصوم الاثنين والخميس، هذا طيب، ولكن إذا اقترن هذا ببدعة، لا، هدم كل هذا الأمر، لا يقبل الله عز وجل منه) انتهى كلامه.
أقول: قولك هذا لم يقل به أحد من أهل السنة قط، بل هو أقرب لقول الخوارج والعياذ بالله، لأن الذي يهدم العمل كالصلاة والصيام إنما هو الشرك، كما في قوله تعالى: ﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾ [الزمر: ٦٥]، وقال تعالى: ﴿وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأنعام: ٨٨].
وهذه فائدة يا أخي زيد احفظها جيداً : (الشرك يهدم كل طاعة، والتوبة تهدم كل معصية). لو كان عند أي إنسان قليل من التقوى مع شيء من الإنصاف أو شيء من الحياء هذا أو هذا مع تجنب العجب والغرور لأدرك أن قوله: (هدم كل هذا الأمر) قول باطل، فظاهر كلامه أن الشاب لو وحد الله تعالى واستقام على أمره وحافظ على الصلاة وصام النوافل فضلاً عن الفرائض، وفرح به والده فبمجرد ذهابه إلى إحدى الجماعات،أو انتسابه لهم يهدم كل ذلك الأمر ولا يقبل الله منه!! أعوذ بالله ما أجرأه!! كيف عرف أن الله لا يقبل منه؟! لا أظن أن يقول بهذا القول أحد يعرف أبجديات العلم، أو له دراية في منهج السلف أو عقيدة أهل السنة. فالحمد لله الذي عافانا.
أخي الكريم لم أنته من التعقيب على كلامه، فانتظر المقال القادم إن شاء الله تعالى، والحمد لله أولاً وآخراً، وظاهراً وباطناً، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.