الدِّين والخُلق
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
فإذا تأملنا حديثاً من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي هو وحي أوحى الله تعالى به نجد معنىً لطيفاً دقيقاً أولى بالمسلم أن يعتنيَ به، ويراجعَ نفسه ليرى كم حظه من هذا الحديث النبوي الرفيع، وأعني بذلك حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض) [رواه الترمذي (1084) وهو في الإرواء (1868) والصحيحة (1022)].
أقول: أخي المسلم وأختي المسلمة لماذا جمع النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بين وصفين اثنين (الدين والخُلق)؟
يحتمل أن هذا من باب عطف الخاص على العام، فالخلق وإن كان فرداً وجزءاً من أفراد وأجزاء الدين، لكنْ عَطَفَهُ على الدين؛ لأهميته، نظير هذا قوله تعالى (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى) [البقرة- 238]، فالصلاة الوسطى هي صلاة العصر، وهي إحدى الصلوات، وداخلة في عموم قوله (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ) ولكن أفرد ذكرها، فعطفها على باقي الصلاة لأهميتها. فالخُلق لما كان مهماً جداً في الإنسان؛ عطفه على الدين، وإن كان هو من الدين.
ويحتمل أن الخُلق أمر زائد عن الدين أو التدين، وهذا أيضاً معنى لطيف ومطلب عزيز، والمتأمل لحال كثير من المتدينين يلاحظ مع كونهم متدينين إلا أن جانب الخلق ينقصهم كثيراً، كما قد تجد بعض الناس على خلق في تعامله مع الناس، ولو كان قليلَ التدين.
وفي هذا الحديث قال عليه الصلاة والسلام «إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه» فلا يكفي أن يكون الخاطب متديناً بصلاة وصيام ونحوهما، ولكن لا بد أن يتخلق بالأخلاق الحميدة الفاضلة. والحق أخي القارئ الكريم أن ثَمَّ ارتباطاً وثيقاً بين التدين والأخلاق، فكلما كان التدين حقيقياً بحيث يكون الإنسان مستقيماً في اعتقاده وعبادته ومنهجه؛ كان خلقه أقومَ و أجملَ، قال تعالى (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) [الأحزاب- 21]، فلقد وصف نفسَه عليه الصلاة والسلام بقوله كما في الصحيحين [البخاري5063 ومسلم 1108] «ألا إني أخشاكم لله وأتقاكم له» لذا قال تعالى عنه (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)) [القلم- 4].
أخي القارئ، وفقني الله تعالى وإياك إلى حسن الخلق لننظر في أخلاقنا، ولنراجع أنفسنا، كم لنا نصيب من الأخلاق الحسنة، والتي ما بعث الله تعالى نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم إلا ليتمم مكارمها. ما هو نصيبنا من التواضع، ومن الرحمة، ومن العفو، ومن التسامح، ومن إقالة العثرات، من حفظ اللسان، ومن العدل في الأحكام، ومن صيانة الأعراض، ومن لين الجانب، ومن بر الوالدين، ومن صلة الأرحام، ومن الإحسان إلى الجار، ومن كف الأذى، ومن إفشاء السلام، ومن احترام الكبير والعطف على الصغير، ومن ومن ومن...إلخ؟!
إن باب الأخلاق باب عظيم وواسع، فيا حسرتاه على أعمارنا التي تمضي، وربما تنقضي أعمارنا وما أخذنا من الأخلاق إلا قليلاً، وفي الحديث عن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن من أحبكم إليَّ وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنَكم أخلاقاً» [رواه الترمذي (2019) وقال حديث حسن وصححه الألباني 2018].
أخي المسلم وأختي المسلمة ويا دعاة إلى الله ويا طلبة العلم، هذه ذكرى لي أولاً ثم لكم ثانياً، فلنتق الله تعالى، ولنجتهد في تحسين أخلاقنا، فإننا بحق نعيش أزمة أخلاق، ولا حول ولا قوة إلا بالله، (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37)) [ق-37] أسأل الله تعالى أن يرزقني وإياكم حسن الخلق، والحمد لله أولاً وآخراً، وصلى الله و سلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.