يا دعاة الوضوح لستم بواضحين [٣]
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
فلقد انتَقَدْتُ في مقالي السابق - في التعقيبات على دعاة الوضوح - كلمةً قالها أحدهم - ولا أرغب بذكر اسمه - وذلك لأسباب أحتفظ بها لنفسي، فأعتذر للقراء الكرام عن عدم ذكر اسمه، وسأكتفي بالرمز له بـ(ب.ب).
وقد سئل الأخ الكريم (ب.ب) عن الشيخ عبد الرزاق بن الشيخ العلامة المحدث عبد المحسن العباد البدر - الأستاذ الدكتور في الجامعة الإسلامية والمدرس في المسجد النبوي - السؤال التالي: هل يجوز الاستماع لدروس الشيخ عبد الرزاق البدر؟
فأجاب بعد ما ذكر أن الأسئلة الموجه له كثيرة - طبعاً أكثرها إن لم تكن كلها عن حال فلان وفلان - قال: (أما عبد الرزاق ما أنصح، فيقول الإخوان يأتي لجمعية إحياء التراث كان كثيراً، والسلفي إذا ينزل عند الحزبيين ويترك إخوانه السلفيين كيف أحضر دروسه؟!) انتهى كلام الأخ (ب.ب).
أقول: الذي يظهر لي - والله أعلم - أن الأسئلة تأتيه من الخارج، والذي يرجح هذا أن الشيخ عبد الرزاق البدر معروف بل ومشهور، فهو ابن الشيخ العلامة المحدث عبد المحسن العباد البدر، وأستاذ دكتور في الجامعة الإسلامية، ومدرس في المسجد النبوي، وله مشاركات كثيرة في وسائل الإعلام، وله مؤلفات ومصنفات عديدة، وله رحلات وزيارات متكررة في دول شتى في الشرق والغرب، فيستبعد جداً أن أحداً في الخليج يسأل الأخ (ب.ب) عن الشيخ عبد الرزاق البدر!
لكن ممكن جداً أن بعض الناس المبتدئين في بلاد الغرب يجهلون العلماء والدعاة، لا سيما الإخوة المعتنين بالقيل والقال، فمثل هؤلاء قد يسألون الأخ (ب.ب) ظانين أنه ممن يُرْجَعُ إليهم في الجرح والتعديل!!!
ولما انتشر كلام للأخ (ب.ب) وهو مسجل عليه بصوته، ومحاولاً صرف الناس عن الاستماع لدروس الشيخ عبد الرزاق، أُحرج جداً بنقد الناس له، لذا سارع ونشر كلاماً جديداً هذا نصه بالحرف الواحد: (الحمد لله رب العالمين، سألت من سنوات عن الشيخ عبد الرزاق، وقلت بأن الشيخ له دورة في جمعية أحياء التراث ولا أنصح به، ثم قال لي أحد المشايخ أن الشيخ عبد الرزاق يثني عليه الشيخ عبيد، وقد تراجع عن زيارته للتراث، فنحن إذاً لا نقول إلا بقول الشيخ عبيد، ونثني على الشيخ عبد الرزاق ولا نقول إلا خيراً) انتهى كلام الأخ الكريم (ب.ب).
أقول: سبحان الله!!
هذا دليل على أن الأخ (ب.ب) يقلد الشيخ عبيداً الجابري، وإذا كان مقلداً فلماذا يتصدر للأجوبة على الأسئلة كما هو ظاهر من قوله: (سألت)؟! مع أن الصواب (سئلت)، والغريب العجيب أن الأخ (ب.ب) غير معروف وليس كبيراً ولا عالماً ومع ذلك يقول أنه سئل قبل "سنوات" وعمن سئل عن الشيخ عبدالرزاق البدر!! الله المستعان.
ثم نص السؤال المسجل بصوته جاء هكذا: (الشيخ عبد الرزاق البدر، هل يجوز لنا أن نسمع دروسه؟)
فأجاب: (أما عبد الرزاق ما أنصح، فيقول الإخوان يأتي لجمعية إحياء التراث كان كثيراً، والسلفي إذا ينزل عند الحزبيين ويترك إخوانه السلفيين كيف أحضر دروسه؟!) انتهى كلامه.
علل عدم النصيحة بسماع دروس التوحيد والعقيدة والسنة بعلة عليلة بل ميتة، فلم يجد للشيخ عبد الرزاق ضلالاً في العقيدة ولا انحرافاً في المنهج ولا سوءاً في الأخلاق، وإنما لأنه ينزل على الحزبيين!!
والسؤال: هل الذين وصفتهم بالحزبيين هم مبتدعة؟ وهل الشيخ عبدالرزاق البدر ذهب لهم ليدرسهم وينصحهم أو ليشاركهم في بدعة أو منكر؟ سبحان الله! هؤلاء الذين قال عنهم حزبيون خَلْقٌ مِن خَلْق الله خلقهم الله لعبادته، فو الله الذي لا إله إلا هو لو ذهب الشيخ عبدالرزاق البدر إلى مشركين ليدعوهم إلى الله تعالى ما كان ذلك مانعاً من سماع دروسه، أفلا تعقلون؟!
أخي القارئ العزيز لقد ذكرت لك سابقاً بأن هذه المجموعة - المدعين الوضوح- هداهم الله ينزلون أحكام أهل البدع على الناس ثم يقولون نحن لا نبدعهم!!
والذي يظهر لي أنهم يبدعون التراثيين، كما قرر ذلك صراحة الأخ أحمد بازمول، كما أن للأخ محمد العنجري كلاماً خطيراً، فقد قال عن التراث إنهم أخطر من اليهود والنصارى، ثم يقول لا أبدعهم!!
سبحان الله! يعني لو بدعهم لكان أهون.
والعجيب أن الأخ العنجري يقول عن التراثيين أخطر من اليهود والنصارى، بينما يقول عن بشار الأسد بأنه مسلم سني!
فإن قال لم أقل ذلك، فالحمد لله هذا هو المطلوب، فموافقته لعلماء أهل السنة أحب إليّ من مخالفته إياهم، فليقل لنا الآن مجدداً - ونطوي القيل والقال - هل بشار سني أم نصيري؟ أم ليس بسني ولا نصيري؟
إنها تناقضات غريبة عجيبة، عُرفت بها هذه الفئة مما يدل على أنها فئة غير منضبطة.
أخي القارئ ألم أقل لك إنهم غير واضحين ولو زعموا أنهم أوضح من الشمس في رابعة النهار؟! فهم وإن لم يصرحوا بأحكامهم على الناس إلا أنهم يُعْرَفُون في لحن القول.
وتأمل قول الأخ (ب.ب) لما قال: (لا ينزل على السلفيين)، فمن السلفيون الذين كان المفروض على الشيخ عبدالرزاق أن ينزل عليهم في الكويت؟ حتماً يقصد الإخوة أحمد السبيعي وصهره محمداً العنجري والشرطي زيد بن حليس وتلميذه الدكتور فوازاً العوضي!!
ألم أقل إنهم لا يرون سلفياً سواهم؟!
قال الأخ (ب.ب) في بيانه: (قال لي أحد المشايخ أن الشيخ عبد الرزاق يثني عليه الشيخ عبيد، وقد تراجع عن زيارته للتراث) انتهى.
أقول: هذا ليس بصحيح، فأين ومتى تراجع الشيخ عبد الرزاق عن زيارته للتراث؟
فإن كان الأخ (ب.ب) واضحاً فليسمِّ لنا الشيخ المبهم الذي حدثه بذلك!
ثم يفهم من كلامه أن الشيخ عبد الرزاق البدر لو زار جمعية التراث مجدداً فإنه سيرجع ويقول لا تسمعوا له!! ولا أدري والله ما علاقة السماع من عدمه بزيارة الشيخ عبدالرزاق لجمعية التراث؟ يعني لو كان لأحد من الناس كتاب للشيخ عبدالرزاق البدر يقرأه ويستفيد منه، ثم اكتشف أن الشيخ عبدالرزاق يزور جمعية التراث فماذا يفعل بالكتاب؟! مع أني استبعد جداً أن يعود ويتكلم الأخ (ب.ب) في الشيخ عبد الرزاق البدر، لا سيما بعدما بلغه أن الشيخ العلامة صالح اللحيدان أنكر عليه كلامه في الناس!! لكن ممكن يتكلم في غير الشيخ عبدالرزاق مع التحرز من التسجيل كما يفعل الأخ مدير فرع الكويت أحمد السبيعي.
والعجيب أن الأخ (ب.ب) كان يذكر أن الشيخ صالحاً اللحيدان شيخُه ويأتي بكلمات يُشعر بها الآخرين بأنه من أخص طلابه، حتى أنه يحاكي الشيخ صالح اللحيدان بأسلوبه في الإلقاء ونبرة صوته، فلما قيل للشيخ صالح اللحيدان أن أحد طلابك يدعى (ب.ب) يتكلم في الناس، فقال الشيخ: هذا ليس من طلابي، هذا مثله مثل غيره يتصل ويسأل بعض الأسئلة!!
بعد ذلك أخبرني بعض الإخوة أن الأخ (ب.ب) لم يعد يقل (شيخنا) عند ذكر الشيخ صالح اللحيدان.
وأريد أن أسأل الأخ الكريم (ب.ب): لماذا لم تنصح بعدم الاستماع للدكتور محمد بازمول لأنه ينزل على التراثيين الحزبيين ويترك إخوانك السلفيين؟
هل لأنه شقيق الأخ أحمد بازمول؟! طبعاً كالعادة لا جواب. فإذا كان الجواب صعباً فيا ليت الأخ الكريم (ب.ب) يجيب على السؤال التالي:
لقد قلت في بيانك: (لا نقول إلا بقول الشيخ عبيد)، فهل تقول بقول الشيخ عبيد في الأخ أحمد بازمول أيضاً أو تارة وتارة؟
وإذا كان هذا السؤال صعباً جداً على الأخ الكريم (ب.ب) فلعله يجيب على السؤال التالي وهو أسهل من الذي قبله إن شاء الله تعالى: ما حكم مشاركة شيخك الدكتور خالد بن ضحوي الظفيري - وفقه الله تعالى - للتراثيين وإلقاء كلمة مسجلة ومصورة في (شاليه) التراثيين؟، مع أني لا أعتقد أن ذلك محرم أو منكر، ولا أبدع التراثيين لا من قبلُ ولا من بعدُ، لكن أريد إلزامك وبيان تناقضك، فلقد حذرت من الشيخ عبد الرزاق البدر، ولم تحذر من الدكتور محمد بازمول ولا من الدكتور خالد بن ضحوي!!
فأين الوضوح؟!
ملاحظة مهمة:
عامة علماء السنة لا يمنعون من زيارة الجمعيات التي عليها ملاحظات، ولا يمنعون من المشاركة في المؤتمرات، طالما الزائر أو المشارك يذهب لينصح ويدعو ويوجه وينفع الله به من شاء من عباده، ولعل قول الشيخ العلامة ابن باز رحمه الله تعالى أشهر من أن يذكر لما نصح بالخروج مع جماعة التبليغ لتدريسهم وتعليمهم ومناصحتهم، وأبلغ من هذا وذاك وأعظم في قيام الحجة قول الله تعالى: ﴿وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِه﴾ [النساء: ١٤٠]، فلنتدبر القرآن الكريم، فلقد نهى الله تعالى عن مجالسة المشركين حين يكفرون ويستهزئون بآيات الله، فإذا أمسكوا عن ذلك جاز الذهاب إليهم والجلوس معهم لدعوتهم ونصيحتهم، وهذا في حق المشركين الذين يكفرون بآيات الله ويستهزئون بها، فكيف بالتراثيين إذا اجتمعوا في بيت من بيوت الله يستمعون لمحاضرة أو درس علمي للشيخ عبد الرزاق البدر؟! فما الذي يحرم عليه ذلك أو يعيبه حتى تقول : ما أنصح بالاستماع لدروسه؟!
ونصيحتي للأخ الكريم (ب.ب) أن يتقي الله تعالى فيحفظ لسانه، ولا يقطع الطريق على المسلمين ويحرمهم من الاستفادة من أهل العلم المعروفين بالسنة والاستقامة، فإن علم عن أحد خطأً - وهذا ما لا يخلو منه إنسان - فليناصحه إن استطاع، ولينتقد ذلك الخطأ بقدره فحسب، ولا ينسف الشيخ أو طالب العلم نسفاً، فهذا والله مما قد أضر كثيراً في الدعوة السلفية، ولعل الأخ الكريم (ب.ب) يستفيد من زلته هذه ولا يعود لمثلها أبداً.
فائدة: كما يُذم من استضاف أهل البدع كالجفري وأمثاله، فالواجب يُشكر من استضاف أهل السنة كالشيخ عبدالرزاق البدر وأمثاله. وليس بالضرورة أن تحضر أو تستمع بنفسك، لكن لا تصد الناس عن الخير لأسباب واهية.
والحمد لله أولاً وآخراً، وظاهراً وباطناً، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.