رسالة لم يحملها البريد إلى الدكتور خالد بن ضحوي الظفيري حفظه الله تعالى (٣)
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
فهذه سلسلة مقالات أكتبها نصيحة للأخ الدكتور خالد بن ضحوي، أسأل الله أن ينفعه بها على وجه الخصوص، وينفع بها أهل الجهراء على وجه العموم، وينفع بها القراء الكرام على الوجه الأعم.
للتذكير: الأخ الدكتور خالد بن ضحوي إمام وخطيب في منطقة الجهراء في الكويت، أخ سلفي فاضل، لكن عنده بعض التخبطات، بالإضافة إلى بعض التناقضات، وعلى الرغم من ادعائه الوضوح إلا أنه غامض جداً في بعض الأحيان.
في المقال السابق ذكرت أنه اتصل بي ذات يوم يطلب مني أن أشفع له عند الأخ الدكتور عثمان الخميس في لجنة الأئمة والخطباء، فبعض الناس فَهم من كلامي بأني أمُنُّ عليه المعروف الذي استديته له!!
وللتوضيح أقول: في الحقيقة ليس لي معروف عليه حتى أمن عليه به، وإنما أردت بيان موقفه السلبي، فاتصاله بي يدل على أنه يعرفني، فلما سأله عني بعض الإخوة اليمنيين تجاهلني وكأنه لا يعرفني ولا سمع بي قط!!
ولما أرسلت له : لماذا سكتَّ؟ تعلّلَ بتعليلٍ عليلٍ بل ميت!!
فأرجو التنبه لهذا جيداً، فليس المقصود المنة، وإنما المقصود أن اتصاله بي وطلبه مني يدل على أنه يعرفني، ولما سألوه عني تجاهلني وكأنه لا يعرفني!!
فهو إما خاف أن يزكيني - إذا كنت أستحق التزكية - فلتحقه لومة اللائم، أو أنه أخفى طعنه بي أو تشكيكه في منهجي أو أنه متوقف في أمري إذا كنت أستحق شيئاً من الطعن أو التشكيك أو التوقف!!
فإن قال قائل: ليس بالضرورة أن يزكيك أو يطعن فيك، أليس كذلك؟
فأقول: بلى كذلك، لكن بلغني أنه يطعن بي، واشتهر أمره ونشر ذلك طلابه، فلما أرسلت له وكررت عليه الإرسال، لأتبين منه - كما أمرنا الله تبارك وتعالى بذلك وحتى لا أصيبه بجهالة فأصبح من النادمين - لم ينكر أنه طعن بي، أو تكلم في منهجي وعقيدتي، أو شكك في أمري، بل عمل لي حظراً لكي لا يستقبل مني أي رسالة هاتفية!!
وعلى كل حال بما أننا ما زلنا في هذه الدنيا - في دار البلاء - فلتبين للناس منهج سالم بن سعد الطويل، فإني ما زلت أنتظر جوابك، فهل ستجيب؟ وأظنك لن تجيب، لأنك لا تستطيع، على الرغم من أنك تزعم الوضوح!!
واعلم يا أخي الكريم أن الإعراض عن البيان ليس من منهج الكتاب والسنة، والأدلة كثيرة جداً، وأشهر من أن تذكر، لكن على سبيل المثال، لما قال المشرمون {اتَّخَذَ الرَّحْمَٰنُ وَلَدًا ۗ } قال الله تعالى: {سُبْحَانَهُ ۚ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ} [الأنبياء: ٢٦]، ولما قالت اليهود: {يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ ۚ } قال الله تعالى: {غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا ۘ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة: ٦٤]، ولما قال المشركون في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم: {أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ} قال الله تعالى: {بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ} [الصافات: ٣٦-٣٧]، وغير ذلك عشرات بل مئات الأدلة الدالة على أن عدم البيان ليس من منهج الكتاب والسنة، وإنما يلجأ إليه العاجز أو المتستر أو ذو الوجهين أو المبطل ونحوهم، وأعيذك بالله يا دكتور خالد أن تكون من هذه الأصناف، فعليك بمنهج الكتاب والسنة، وأفصح عما تعتقد إن كنت حقاً على منهج واضح.
أخي الدكتور خالد وفقك الله لهداه، ما هذه التحولات الجديدة والتناقضات العجيبة التي ظهرت لك مؤخراً؟!
قبل سنوات - لما انفصل بعض الإخوة في الجهراء وغيرها عن جمعية إحياء التراث - ما كان يخفى عليهم أن الجمعية تعمل تحت مظلة الحكومة، وأن جميع مشاريعها وأنشطتها تحت إشراف وزارة الشؤون.
وإنما كانت حجتهم للانفصال والابتعاد عن الجمعية وأنشطتها لأن لديها حزبية، وفيها تخبط في المنهج، وتغلغل في السياسة، وميل لمنهج الإخوان، كما وضح ذلك الشيخ العلامة الألباني رحمه الله تعالى، وكلامه في الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق مشهور، فرأى بعض طلبة العلم البعد عنها تماماً من أجل المحافظة على السلفية البيضاء، ولأجل حماية المنهج، وعدم التلوث بأي خطأ أو انحراف، ورأى آخرون البقاء فيها مع محاولة التصحيح لما طرأ عليها من التغيير، والمحافظة على ما بقي منها من الصحيح، وأصبح كلٌّ يعمل باجتهاد، والحكم لله العلي الكبير.
ثم تطورت الأمور فبالغ بعض الناس في خلافه مع جمعية التراث، فحول ذلك الإختلاف إلى تنافر فأصبحت قلوبهم شتى، ثم إلى مفاصلة في القلوب بعد الأجسام، ثم تطور الأمر إلى أكثر من ذلك، فأُعلنت الحرب ضد إحياء التراث، ثم طالت الحرب منْ لم يكن في صفهم ضد إحياء التراث، بل أصبحت الحرب الأشرس ضد من فارق إحياء التراث وأصبح خارجها لكن ليس بدرجتهم بالمفاصلة والحرب!!!
وكان موقفهم هذا المتشدد قد تم بناء على بعض آثار وأقوال لبعض علماء السلف، كقول بعضهم: (من صافح مبتدعاً نقض الإسلام عروة عروة)، و(لا يمالي صاحب بدعة إلا من نفاق)، و(من أخفى عنا بدعته لم تخف عنا إلفته)، و(لأن تمتلأ داري قردة وخنازير أحب إلي من أن يجاورني رجل منهم)، و(من خالط صاحب بدعة لم يعط الحكمة)، و(من تبسم في وجه صاحب بدعة فقد استخف بما أنزله الله على محمد صلى الله عليه وسلم)، و(آكل مع يهودي ونصراني ولا آكل مع مبتدع)، ونحو هذه الآثار، وأنزلوها على من ينتسب إلى إحياء التراث، وعلى من يتوظف في إحياء التراث، وعلى من يزور إحياء التراث، وعلى من يثني على إحياء التراث، وعلى من لا يبدع إحياء التراث، بل وربما على الساكت عن إحياء التراث، وكان كل ذلك مبالغة بل وغلواً إلى درجة لم يسمع مثلها من قبل.
ومن هؤلاء الغلاة أنت يا دكتور خالد بن ضحوي، ولا أدري إن كنت تدري عن نفسك أو لا تدري، فقد نشر ذلك بعض طلابك، بكتاباتهم وتصرفاتهم، حتى أصبح الأمر صعباً جداً إنكاره.
لكن المفاجأة الكبرى يا دكتور أن لك صداقة مع بعض التراثيين أو مع من له علاقة بالتراثيين، ثم ظهرت لك على صفحات الجرائد صورة تذكارية وأنت بكامل زينتك والعقال على رأسك، مع منْ؟ مع التراثيين!!
الله المستعان.
أين آثار السلف التي طالما سردتها وكتبتها ونشرتها وعاديت وواليت عليها؟!
أخي القارئ الكريم تابعني في مقال قادم إن شاء الله تعالى في مناقشة الدكتور خالد بن ضحوي في تبريراته الباردة والواهية لذهابه مع إحياء التراث.
والحمد لله أولاً وآخراً، وظاهراً وباطناً، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.