(كلمة نفعني الله بها من شيخنا ابن عثيمين رحمه الله)
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
فإني لا أعلم بشراً لقيته في حياتي استفدت منه من العلم والأدب والتربية كالشيخ ابن عثيمين، رحم الله تعالى والديّ وإياه وأساتذتي ومشايخي وكل من له حق عليّ - وإن لم أذكره - وسائر المسلمين.
يقول شيخنا ابن عثيمين رحمه الله :
«إنه من المؤسف - في وقتنا الحاضر - أن بعض الشباب اتخذ من بعض العلماء رموزاً يقتدي بهم، ويوالي من والاهم، ويعادي من عاداهم، ولو كان الذي عاداهم بحق، والذي والاهم بغير حق!!
وصاروا يتنازعون فيما بينهم: ما تقول في فلان؟! ما تقول في فلان؟!
لماذا؟!
أقول: فلان هذا يخطئ ويصيب، إن أخطأ وهو مجتهد فخطأه مغفور، وإن أصاب فله أجران، أما أن أوالي من والاه وأعادي من عاداه مهما كان الأمر فهذا لا يجوز.
لذلك أدعو أبنائي الشباب أن لا يجعلوا هذا أكبر همهم، وأن لا يرفعوا بذلك رأساً، وأن يكون قصدهم الحق من أي جهة أتى»، إلى أن قال رحمه الله: «فالمقصود الحق، ويُعرف الرجال بالحق، وليس الحق يُعرف بالرجال، (إذاً كيف نتفرق وتختلف القلوب من أجل الخصومة في شخص من العلماء؟!)
هذا يقول أنه محق وأنه على صواب، والثاني يقول بالعكس!!
هذا غلط، ليس من هدي الخلفاء الراشدين ولا الصحابة أيضاً.
الواجب قبول الحق من أي أحد قال به، ورَدّ الباطل من أي أحد قال به.
ثم
"لا يجوز أبداً أن نجعل الولاء والبراء مقيداً بأشخاص"،
لأنهم غير معصومين، يخطئون ويصيبون،
"فلنتفق ولنَدَعْ هؤلاء الأشخاص"
ولنسأل اللهَ لهم الهداية إن كانوا أحياءً، والمغفرة إن كانوا قد اجتهدوا فخالفوا الحق، وأمرهم إلى الله عز وجل، أما أن نفرق جمعنا، ونشتت شملنا، ونلقي العداوة بيننا، من أجل الانتصار لهذا الشخص أو لهذا، فهذا غلط محض وضرر كبير.
لذلك أدعو إخواني المسلمين في كل مكان إلى الاتفاق وعدم الاختلاف، وأن لا يجعلوا من الأشخاص رموزاً يوالون عليها ويعادون عليها، فإن هذا من الغلط، وما ضرَّ المسلمين سابقاً ولاحقاً إلا هذا: التعصب للأشخاص) انتهى كلامه رحمه الله تعالى من تسجيل صوتي.
ما شاء الله، كلام شيخنا نافع ومفيد لمن تأمله، فقد نصح وأجاد وأفاد كعادته رحمه الله تعالى، وتأمل أخي القارئ الكريم قوله رحمه الله تعالى: «بعض الشباب اتخذ من بعض العلماء رموزاً يقتدي بهم»، فهو يدل على أن الذي اتخذوه عالم ورمز وممن يقتدى به، لكن المحظور أو المآخذة في ذلك أنه: «يوالي من والاهم ويعادي من عاداهم»، وهذا ما وقع فيه كثير من الناس، فإذا كان شيخنا ابن عثيمين رحمه الله تعالى قال في زمان: «بعض الشباب»، فاليوم أصبح - وللأسف - كثير من الشباب.
فإن قال قائل: إذا كان هذا العالم رجل هدى وصاحب سنة فكيف لا أوالي من والاه ولا أعادي من عاداه؟
فأقول: نعم إذا كان الذي عاداه زنديقاً أو ملحداً أو صاحب بدعة محترق من الرافضة أو الجهمية والمعتزلة ونحوهم فلا بد من معاداته لأنه أصلاً يستحق العداء والبغضاء، لكن مراد الشيخ رحمه الله تعالى فيما لو اختلف شيخك مع شيخ آخر سني، وحصل بينهما ردود ومساجلات، وأخذ ورد، فلا يجوز أن توالي شيخك ورمزك ومن والاه، وتعادي من خالفه، وعلل شيخنا ابن عثيمين رحمه الله فقال: «فلان هذا يخطئ ويصيب، إن أخطأ وهو مجتهد فخطأه مغفور، وإن أصاب فله أجران، أما أن أوالي من والاه وأعادي من عاداه مهما كان الأمر فهذا لا يجوز»، وهذا قول سديد من رجل رشيد قد لا يحتاج إلى مزيد، سبحان الله: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ۗ } [البقرة: ٢٦٩].
ثم يقول شيخنا رحمه الله تعالى مستنكراً هذه التصرفات التي أفسدت كثيراً جداً بكلام محكم فقال: «كيف نتفرق وتختلف القلوب من أجل الخصومة في شخص من العلماء؟!
هذا يقول أنه محق وأنه على صواب، والثاني يقول بالعكس!!
هذا غلط، ليس من هدي الخلفاء الراشدين ولا الصحابة أيضاً».
قلت: اليوم ابتلينا ببلاء عظيم، ابتلينا بمن يلزم المسلمين بما لم يلزمهم به الله عز وجل، ولا رسوله صلى الله عليه وسلم، وليس من هدي الخلفاء الراشدين، ولا الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، فما أن ينشب خلاف بين اثنين في الشرق إلا ويتم نقله إلى الغرب، فيمتحنون الناس بفلان وتبديع فلان، ويلزمون المسلمين لا سيما حدثاء العهد بالإسلام، ولقد التقيت بشاب أمريكي في العشرينات من عمره في زيارتي للولايات المتحدة الأمريكية قبل سنوات، أسلم حديثاً حتى أشقاؤه لا يعلمون بإسلامه، ولا يجيد شيئاً من الإسلام إلا يسيراً، حتى الفاتحة لا يحسن قراءتها، فقال لي أريد أن أذهب إلى البلاد العربية الإسلامية لأتعلم اللغة العربية وأتعلم الإسلام، لكن قالوا لي أن عالماً من علماء المسلمين قال: «إن هذا الأمر دين فانظروا عمن تأخذون دينكم»، وذكروا لي أن هناك عالمين من علماء السنة مختلفين، وأنه يجب عليّ قبل الذهاب إلى بلاد المسلمين أن أحدد مع من منهما أكون.
أقول: سبحان الله العظيم! هؤلاء لم يتقوا الله عز وجل حتى في مثل هذا المسكين!
لقد سألت سؤالاً لأكثر من واحد ممن على هذا المنهج: «أنت مع فلان أو فلان؟» فما أجابني منهم أحد!!
وهنا أريد إيراد السؤال مجدداً للفائدة، نص السؤال:
من المقدمات الـمُسَلَّم بها والمتفق عليها أن لا تحكم في نزاع بين اثنين حتى تسمع حجة كل منهما، أو أن لا تحكم مطلقاً طلباً للسلامة لا سيما إذا كنت لست حاكماً ولا قاضياً أو لست أهلاً للحكم.
إذا اشتهر بين الناس أن الشيخ فلاناً بدع الشيخ فلاناً فهل يجوز لكائن من كان أن يبدعه قبل أن يسمع ويقرأ ما قال وما كتب كل منهما في رده على الآخر؟
فأين الإجابة على هذا السؤال؟ وكيف يحق لحدثاء العهد بالإسلام أن يبدعوا فلاناً أو فلاناً؟!
إن كان ذلك بالتقليد فالتقليد يُلجأ إليه عند الضرورة وتبديع فلان بعينه لا ضرورة فيه، عن نفسي لم أبدع فلاناً ولم أتعرض لموضوع تبديعه من عدمه، لأن الأمر لا يهمني، ولأني أعتقد أنني لو أردت تبديعه فيجب عليّ أن أحيط بما قيل عنه، وهل ما أخذ عليه يستحق التبديع أو لا يستحق؟ ويجب علي أن اسمع وأقرأ ما قال في رده على من بدعه وما كتب في ذلك، وهذا سيكلفني جهداً كبيراً وفائدته قليلة، بل وقد تكون معدومة، لا سيما وأنني مشغول جداً بما بين يدي من مسؤوليات كثيرة وكبيرة، فليس من المعقول كلما اختلف اثنان في الحجاز أو مصر أو الشام أو اليمن أو في الشرق أو الغرب، ذهبت أتحقق من كلام هذا وذاك، وماذا قال الأول عن الثاني، وبما رد الثاني على الأول، وفي أغلب الأحيان لا يكون الحق كله مع أحد الطرفين دون الآخر، فقد يكون كل منهما مصيباً من وجه ومخطئاً من آخر.
كما قال شيخنا ابن عثيمين رحمه الله تعالى: «الواجب قبول الحق من أي أحد قال به، ورَدّ الباطل من أي أحد قال به.
ثم لا يجوز أبداً أن نجعل الولاء والبراء مقيداً بأشخاص، لأنهم غير معصومين، يخطئون ويصيبون».
أقول: لا شك أن الأولى - بل وقد يكون الأوجب - تركهما كليهما، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ».
والعجيب أن بعض الناس إذا قلت له: «فلنتفق ولنَدَعْ هؤلاء الأشخاص، ولنسأل اللهَ لهم الهداية إن كانوا أحياءً، والمغفرة إن كانوا قد اجتهدوا فخالفوا الحق وأمرهم إلى الله عز وجل»، بادر وقال: أنت مخذل أو مميع أو أنت مذبذب، أو أنت صاحب شبه، أو مدسوس بين أهل السنة!! فأقول: رويداً رويداً لا تسرف على نفسك بكلام غير منضبط، لا تفهم عواقبه.
أولاً: هذا كلام أحد أعلام أهل السنة في هذا العصر، الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى وليس كلامي.
ثانياً: لو افترضنا أن هذا الكلام فيه شبهة فما الجواب عليه؟
هل من دين الله تعالى أو من منهج الخلفاء الراشدين والصحابة وسلف الأمة أن أولى وأهم المسائل والقضايا أن نبدع فلاناً ونهجر فلاناً ونوالي فلاناً ونعظم فلاناً؟
{قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: ١١١].
ثالثاً: وماذا يفعل هذا المسلم الجديد الذي عهده بالإسلام قريب إذا وجد عالمين أو ثلاثة يبدعون أحد المشايخ أو أحد طلبة العلم، وفي الوقت ذاته يجد آخرين مثلهم بعددهم أو أكثر وأكبر منهم يزكونه؟
سبحان الله العظيم!!
أما آن لهؤلاء الذين سلكوا هذا المنهج أن يراجعوا أنفسهم ويعودوا إلى رشدهم ويتقوا في المسلمين ربهم، ويتوبوا قبل أن تفارق أرواحهم أجسامهم؟
يا ليتهم يتدبرون ما ختم به شيخنا ابن عثيمين رحمه الله تعالى كلمته حين قال: «أما أن نفرق جمعنا، ونشتت شملنا، ونلقي العداوة بيننا، من أجل الانتصار لهذا الشخص أو لهذا، فهذا غلط محض وضرر كبير، لذلك أدعو إخواني المسلمين في كل مكان إلى الاتفاق وعدم الاختلاف، وأن لا يجعلوا من الأشخاص رموزاً يوالون عليها ويعادون عليها، فإن هذا من الغلط، وما ضرَّ المسلمين سابقاً ولاحقاً إلا هذا: التعصب للأشخاص».
رحم الله شيخنا ابن عثيمين، وجزاه الله عني وعن المسلمين خيراً، وأسأل الله تعالى أن ينفعنا بكلامه ونصيحته.
والحمد لله أولاً وآخراً، وظاهراً وباطناً، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.