أخي محمد بن عثمان العنجري، هل هذا تلون أم أنها تناقضات أم توبة وتراجعات؟
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
فلقد استمعت إلى كلمة للأخ محمد بن عثمان العنجري - وفقه الله لهداه - بعنوان (شرور الإخوان على دين المسلمين)، وتم تفريغها خطياً، ونشرت في موقع سحاب، ولم أجد تفسيراً لكلامه إلا أنه متلون، أو متناقض، أو تاب عن أمر كان يعتقده، فهو اليوم على غير ما كان عليه من قبل!!
وسأبين ذلك من خلال نقل بعض كلامه ولم أستقص كل خطائه، وللأمانة العلمية سأورد كلامه كما هو، ولن أعدل فيه شيئاً حتى لو كان خطأً إملائياً أو تعبيراً ركيكاً، فأقول وبالله أستعين وعليه أتوكل وإليه أنيب:
١- قال الأخ محمد العنجري: (نحن لانرى هذه الإنتخابات البرمانية ننزل فيها وما شابه ذلك) انتهى كلامه.
أقول: عجيب هذا الكلام يصدر من الأخ محمد العنجري!، فهو مشهور جداً جداً بمشاركاته في الانتخابات، وبوقوفه إلى جانب ابن عمه في الانتخابات، وهذا أشهر من أن يذكر، فهل غيّر رأيه وقاطع الانتخابات بعد ما كان يشارك فيها؟ أم أنه التلون الذي أسأل الله أن يعافيه منه؟
فإن قال قائل: لعله قصد أنه لا يرشح نفسه. فأقول: هذا وارد، ولكن أيضاً المشاركة بالتصويت فيها نوع من التعاون، إذ من المعلوم أن البرلمانات لا تتحقق إلا بمرشحين وناخبين، ولا يمكن أن تقوم إلا بهذين العنصرين، والأخ محمد نفى النزول في الانتخابات، والنزول يشمل الترشيح والتصويت، وظاهر كلامه نفي المشاركة مطلقاً لذا قال: (نحن لانرى هذه الإنتخابات البرمانية ننزل فيها وما شابه ذلك)، فإذا حملنا قوله: (ننزل فيها) أي لا يترشح لها فماذا يقصد بقوله: (وما شابه ذلك)؟
إن كان قصده أنه لا يشارك مطلقاً لا في ترشيح ولا انتخاب فالواقع يخالف كلامه، إلا إذا ترك الانتخابات بعد ما كان يشارك فيها تصويتاً وانتخاباً فهذا شيء آخر!
مع أن هذا مستبعد جداً لأنه مشهور بالمشاركة، وإن كان قد يُخفي هذا عن بعض المشايخ!!
والله المستعان.
ومن المعلوم أن العلماء المعاصرين اختلفوا في حكم المشاركة في الانتخابات، فمنهم من يجيزها للضرورة كالشيخ ابن باز وابن عثيمين رحمهما الله تعالى، ومنهم من لا يجيز الترشيح والتغلغل فيها، ولكن يجيز التصويت لصالح المتأولين في دخولها، وهذا اختيار الشيخ الألباني رحمه الله تعالى، ومنهم من يمنعها مطلقا كالشيخ مقبل الوادعي رحمه الله تعالى والشيخ ربيع المدخلي حفظه الله تعالى، فقول الأخ محمد: (نحن لانرى هذه الإنتخابات) من يقصد بقوله (نحن)؟
فهو لا يمثل إلا نفسه، فلا داعي أن يتكلم وكأنه يعبر عن أهل السنة.
٢- قال الأخ محمد العنجري: (ولانرى جمع التبرعات والصدقات).
فأقول: هذا كلام باطل، فجمع التبرعات والصدقات أمر مشروع ومعلوم من الدين بالضرورة، وأدلته من الكتاب والسنة كثيرة جداً، منها ما رواه الإمام مسلم في «صحيحه»، عَنِ الْمُنْذِرِ بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَدْرِ النَّهَارِ، قَالَ: فَجَاءَهُ قَوْمٌ حُفَاةٌ عُرَاةٌ مُجْتَابِي النِّمَارِ أَوِ الْعَبَاءِ، مُتَقَلِّدِي السُّيُوفِ، عَامَّتُهُمْ مِنْ مُضَرَ، بَلْ كُلُّهُمْ مِنْ مُضَرَ فَتَمَعَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا رَأَى بِهِمْ مِنَ الْفَاقَةِ، فَدَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ، فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ وَأَقَامَ، فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ فَقَالَ: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} [النساء: ١] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، {إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: ١] وَالْآيَةَ الَّتِي فِي الْحَشْرِ: {اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ} [الحشر: ١٨]، «تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِنْ دِينَارِهِ، مِنْ دِرْهَمِهِ، مِنْ ثَوْبِهِ، مِنْ صَاعِ بُرِّهِ، مِنْ صَاعِ تَمْرِهِ - حَتَّى قَالَ - وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ» قَالَ: فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ بِصُرَّةٍ كَادَتْ كَفُّهُ تَعْجِزُ عَنْهَا، بَلْ قَدْ عَجَزَتْ، قَالَ: ثُمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ، حَتَّى رَأَيْتُ كَوْمَيْنِ مِنْ طَعَامٍ وَثِيَابٍ، حَتَّى رَأَيْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَهَلَّلُ، كَأَنَّهُ مُذْهَبَةٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً، فَلَهُ أَجْرُهَا، وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ، وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً، كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ».
فأستبعد جداً أن الأخ محمداً العنجري يقصد عدم مشروعية جمع التبرعات والصدقات، لكن كان ينبغي أن يوضح ذلك، لا سيما أن الأخ محمداً العنجري كثيراً ما يخاطب الأعاجم البسطاء، ولا شك أنه قصد بكلامه عدم الاشتغال بجمع التبرعات والصدقات، وعلى هذا القصد أيضاً كلامه غير مستقيم، فجمع التبرعات والصدقات لا بأس به شرعاً بل من الأعمال المحمودة، والذي يجمع التبرعات والصدقات ويوصلها للمحتاجين لا سيما المنكوبين واللاجئين يرجى له الأجر العظيم من رب العالمين لما في ذلك من سد حاجة المحتاجين، وتنفيس كرب المكروبين، وما زال المسلمون منذ عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى يومنا هذا يجمعون التبرعات والصدقات والزكوات ويقسمونها في المستحقين، ويتعاونون على البر والتقوى، بل ومن مصارف الزكاة مصرف (العاملين عليها)، وهذا لا يخفى على أصغر طالب علم، بل ولا على العوام والحمد لله رب العالمين.
٣- الأخ محمد العنجري - غفر الله له ولوالديه - لما قال: (لا نرى جمع التبرعات والصدقات) لم يذكر من يقصد بقوله (لا نرى)، ولم يذكر دليلاً من الكتاب والسنة، ولا قول صاحب من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ولا فتوى عالم يعلل به على عدم رؤيته لجمع التبرعات والصدقات!!
وهو يتكلم عن منهج السلف، ويرد على الإخوان المسلمين، وأخشى أن يفهم منه أحد أن جمع التبرعات والصدقات ليس مشروعاً أو مذموماً أو حراماً، أو حتى مكروهاً، وعلى هذا يكون قد جمع بين باطلين: إنكاره لجمع التبرعات، ونسبة ذلك لمنهج السلف، نسأل الله العافية والسلامة.
٤- وأقول للأخ محمد العنجري - وفقه الله - لمنهج السلف: إن أصحابك في المكتبة السلفية في برمنجهام (بريطانيا) - الأخ أبا خديجة ومن معه - يجمعون التبرعات، بل دعوتهم قائمة على التبرعات، وأنا أعرفهم قبل أن تعرفهم يا أخي الكريم، وزرتهم قبل أن تزورهم، وهم يجمعون التبرعات علناً، وما زالوا يجمعون التبرعات وأنت تعلم ذلك جيداً، فهل خالفوا منهج السلف ووافقوا الإخوان المسلمين؟
يا أخي كفى عبثاً اتق الله في نفسك.
٥- إذا كانت الأحزاب تتصرف بأموال التبرعات والصدقات بتصرفات خاطئة، ويستغلونها استغلالاً سيئاً، فلا يعني ذلك أن نمنع من جمع التبرعات أو نقول بتحريمها، أو أن الذين يجمعون التبرعات خالفوا منهج السلف، أو أن جمعها من المخالفات الشرعية، ولو كلما استغل الناس أمراً ما استغلالاً سيئاً حرمناه لوقعنا في حرج كبير، وضيقنا واسعاً على أنفسنا وعلى غيرنا.
٦- يقول الأخ محمد العنجري: (ولا نرى الجمعيات الخيرية ولا شيء من ذلك) انتهى كلامه.
الأسلوب نفسه الذي يكرره فيقول: (لا نرى) بصفتك ماذا حتى ترى أو لا ترى؟!
الله المستعان.
ثم هذه الجمعيات أو الجامعات أو المعاهد أو المراكز أو المكتبات أو المدارس أو الأربطة أو المبرات أو المؤسسات أو الإدارات أو الوزارات سواء كانت حكومية أو أهلية مرخصة من الحكومة أو أهلية غير مرخصة، ما المحظور فيها شرعاً؟
لقد أقرها عامة العلماء قديماً وحديثاً وشاركوا فيها، وعلموا بها وما أنكروها، ولا قالوا: (لا نرى)، وإنما يعاب عليها الممارسات الخاطئة لا أصل إنشائها، فلو كانت من البدع المحدثة لما استُثنِي منها شيء حتى لو كانت حكومية، وإلى هذه اللحظة ما سمعت في حياتي قط عالماً معتبراً حرمها، أو منع منها، أو اعتبرها منافية لمنهج السلف، فإن وجد فقد خالف في ذلك عشرات العلماء، ولا يمثل قولهم منهج السلف وقول غيره منهج الاخوان. ثم من أعطى الأخ محمداً العنجري الحق حتى يُنظّر للمسلمين فيقول: (لا نرى)؟! فهو ليس بعالم، فضلاً أن يكون إماماً متبعاً، فينبغي أن يتنبه لذلك.
٧- ثم الأخ محمد العنجري منذ متى أصبح لا يرى الجمعيات؟!
هل كان يرى سابقاً ثم تاب إلى الله تعالى لما تبين له أن إنشاء الجمعيات يخالف منهج السلف، وأنه من فعل الإخوان المسلمين؟ أو لم يعرف ذلك من قبل؟
لقد حاول الأخ محمد العنجري الدخول لمجلس إدارة جمعية إحياء التراث والتي من أبرز أنشطتها جمع التبرعات والصدقات، لكن ما استطاع، إذ لم يجد له مجالاً للمنافسة، ولا معيناً يعينه على تحقيق أمنيته!!
فكيف يقول اليوم: (لا نرى الجمعيات)؟!
ماذا سيقول الأخ محمد العنجري "لو" أخرجنا له شريطاً مسجلاً بالصوت والصورة وهو يحاول إقناع بعض الإخوة بفكرة دخول انتخابات مجلس إدارة جمعية إحياء التراث؟!
هل سيقول هذا ليس صوتي؟! أو سيقول هذه ليست صورتي؟! أو أنه سيقول هذا تسجيل قد تم تزويره عليّ؟!
نعم لو قال ذلك قد يقتنع بقوله بعض الناس لا سيما المتحزبين له.
وفي الحقيقة ليس هناك شريط مسجل عليه لا بصوت وصورة، ولا بصوت بلا صورة، لكن يشهد الله - جل في علاه - عليه - {وَكَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا} - أنه كان يحمل فكرة جادة ليدخل انتخابات جمعية إحياء التراث، ويستولي على مجلس إدارتها، وإن كان قد نسي أو تناسى فالله يقول: {أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ ۚ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [المجادلة: ٦]، والغريب الآن يقول: (لا نرى الجمعيات)!!!
كفاك تلوناً يا أخي محمد، حسبك حسبك!! توقف عن العبث، توقف عن المغالطات، توقف عن التلون، أقلّ شيء قل: نعم، كنت مخطئاً في السابق، كنت أرى واليوم تبين أن هذه الجمعيات تخالف منهج السلف في نظري الشخصي فأصبحت لا أرى، أما أن تكون بالأمس ممن يرى دخول جمعية إحياء التراث فلما يئست قلت: (لا نرى)، فهذا عبث يجب عليك أن تتقي الله وتراعي أمرين: الخوف من الله والحياء من عباد الله.
٨- ما الفرق بين المكتبة السلفية في (برمنجهام) التي لك بها علاقة وثيقة وغيرها من الجمعيات؟!
هل الفرق بالاسم؟ فهذه مكتبة وتلك جمعية؟ إذا كان كذلك فلو تغير اسم المكتبة السلفية بـــ (برمنجهام) إلى الجمعية السلفية بـــ (برمنجهام) هل ستقول: (لا نرى)؟!
وإذا تغير اسم الجمعية الفلانية إلى المكتبة الفلانية هل ستقول: (نرى)؟!
يا أخي محمد - غفر الله لك ولوالديك - هل نسيت الوقوف بين يدي الله تعالى في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة؟!
إلى متى هذه التخبيطات والتأصيلات المتناقضة؟!
الله يهديك ويتوب عليك.
أخي القارئ الكريم لم أنته من التعقيب بعد، فتابعني في مقالات قادمة إن شاء الله تعالى.
والحمد لله أولاً وآخراً، وظاهراً وباطناً، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.