ما سكتوا حتى نسكت
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
فأي منكر أكبر من الشرك والبدع؟!
فبين الحين والآخر يلقي أهل الأهواء والباطل بشبهاتهم على أهل السنة، فنراهم بين الحين والآخر يكررون قولهم "الواجب ألا نتكلم في العقيدة والخلافات المنهجية؛ لأننا في مواجهة العدو المشترك فنحن بحاجة إلى الوحدة ولا سبيل لإثارة الخلافات العقائدية والمنهجية". كلام قد يظن من يسمعه أنه حق، والأمر ليس كذلك، وإنما (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8)) [سورة الصف]. روى الترمذي في جامعه [2180] عن أبي واقد الليثي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج إلى حنين مر بشجرة للمشركين يقال لها ذات أنواط يعلقون عليها أسلحتهم، فقالوا: يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:" سبحان الله هذا كما قال قوم موسى (اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آَلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (138)) [الأعراف]. والذي نفسي بيده لتركبن سنة من كان قبلكم". وفي لفظ قال: "الله أكبر إنها السنن قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى..." إلخ. ولقد اعتذر الصحابي راوي الحديث - رضي الله عنه - للذين سألوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهم شجرة للتبرك فيها بأنهم من مَسْلَمَةِ الفتح أي الذين أسلموا حديثا يوم فتح مكة وقبيل غزوة حنين التي وقع فيها هذا الطلب!!
فتأمل أخي القارئ الكريم لم يمنع النبي صلى الله عليه وسلم كونه في جهاد الكفار أن ينكر عليهم طلبهم الذي سألوه إياه، ولم يقل هؤلاء جهلة وحدثاء عهد بالكفر، كلا، بل أنكر عليهم وشبه قولهم بقول بني إسرائيل فهل من متأسٍ يتأسى ويقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم وينكر الباطل الذي اجتمع في الأمة الإسلامية اليوم؟!
أخي القارئ، اعلم رحمني الله وإياك أن دعوة أصحاب الأهواء التي يطالِبون بها أهلَ السنة بالسكوت عن الباطل؛ إنما هي دعوة إلى ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فتنبه لهذا. وأي منكر أكبر من الشرك والبدع والكبائر بجميع أنواعها والتي أثقلت الأمة وأفسدت عليها دينها؟ أو ليس تسلط العدو على المسلمين بسبب ذنوبهم وما كسبت أيديهم؟ أو ليست الوحدة المنشودة والمشروعة هي أن تتوحد قلوبنا وعقائدنا ومناهجنا؟ أما أن نكون كما وصف الله تعالى اليهود بقوله (بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى) [الحشر 14]. رويدا..رويدا لم أكفر الأمة ولم أقل هلك الناس، وإنما أشير إلى قوله صلى الله عليه وسلم "لتتبعن سنن من كان قبلكم".
أخي القارئ، أرشدك الله إلى الحق، إن الذين يدعون أهلَ السنة إلى السكوت على بدعهم تراهم لا يكلون ولا يملون عن تقرير باطلهم ونشر بدعهم ويعجبهم أن يسكت عنهم أهل الحق ليتمكنوا في نشر الباطل، فاحذرهم أن يفتنوك. قال ابن طاهر المقدسي الحافظ: سمعت الإمام أبا إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري بهراة يقول: "عرض عليّ السيف خمس مرات لا يقال لي ارجع عن مذهبك، لكن يقال لي اسكت عمن ، فأقول لا أسكت" [الآداب الشرعية لابن خالفك- 1/207]. لذلك قيل "لا قيام للباطل إلا مع غفلة أهل الحق" لقد خرج شباب من أهل الفطرة للجهاد قبل ربع قرن من الزمان أيام القتال في أفغانستان، فاستقبلهم بعض أصحاب المناهج البدعية، فقالوا لهم: "نحن اليوم أمام عدو غاصب شيوعي، فلا تتكلموا عن عبادة القبور ولا تعليق التمائم ولا تنكرون البدع ولا تشغلوا أنفسكم بإنكار المنكرات؛ لأننا أمام منكر أكبر!" فما زالوا بهم حتى غيروا فطرتهم وعقولهم ومناهجهم، فرجعوا إلى بلادهم يحملون كل باطل إلى إخوانهم وذويهم، فالأمر خطير جدا.
والخلاصة أن الواجب علينا أن نصدع بالحق وننكر الباطل ونرد على أهله بالحجة والبرهان وعلى علم وهدى نبتغي بذلك وجه الله تعالى. حتى لو سكت أهل الباطل فلن نسكت بل نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، ولا يثنينا تهويل أهل الباطل وتشنيعهم علينا متوكلين على الله ومستعينين به؛ لأن الواجب التواصي بالحق والتواصي بالصبر، فما وجدنا مشركا ولا مبتدعاً ولا صاحب هوى ولا مقترف الكبائر والفواحش والفجور توقف منهم أحد عن باطله بحجة أن الأمة تمر بأيام عصيبة والعدو اجتاح بلادهم، فلماذا يتوقف أهل السنة؟ ولماذا يطالَبون بذلك؟ هذا وأسأل الله أن ينصر الحق وأهله وأن يجعلني وإياك ممن يستمع القول ويتبع أحسنه.
والحمد لله أولا وآخرا، وظاهرا وباطنا، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.