أين الله تبارك وتعالى؟! (١)
الله في السماء
الحمد لله العلي الأعلى، الذي على عرشه استوى والصلاة والسلام على رسوله الذي اصطفى وعلى آله وصحبه ومن لآثاره اقتفى، أما بعد:
فهذه مناظرة عقدتها بين (الشيخ عبد الله) ينصر فيها عقيدة أهل السنة المبنية على الكتاب والسنة والتي كان عليها سلف الأمة، وبين (تائه) قد ضلله أئمة الضلال والهوى. كتبتها نصرة للحق ونصيحة للخلق والله اسأل أن يهدي بها ضال المسلمين ويثبت بها أهل الحق على اليقين.
التائه: السلام عليك يا شيخ ورحمة الله.
عبد الله: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته.
التائه: لقد سمعت في إذاعة القرآن الكويتية ظهر يوم الإثنين 30/10/2007 أحد المشايخ ينتقد رسالة بعنوان (أسئلة وأجوبة للصغار ولا يستغني عنها الكبار) كتبها سالم بن سعد الطويل.
عبد الله: وبماذا انتقد الشيخ تلك الرسالة؟
التائه: انتقد فيها السؤال الثاني (أين الله؟) فأجاب الكاتب (في السماء) وقال إن الله تعالى لا يقال إنه في إحدى الجهات الست.
عبد الله: لكن الكاتب لم يقل إن الله تعالى في إحدى الجهات الست وإنما قال (في السماء).
التائه: سبحان الله الذي لا يُسأل عنه (بأين)!!
عبد الله: قولك (سبحان الله) تنزيه لله عما لا يليق به.
التائه: اللهم نعم لا يليق بالله أن يُسأل عنه بأين!!
عبد الله: لو كان السؤال عن الله تعالى (بأين) غير لائق بالله تعالى لما سأله رسول الله صلى الله عليه وسلم، أليس كذلك؟
التائه: بلى، لكن حاشا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسأل هذا السؤال.
عبد الله: رويداً رويداً لا تستعجل فالعجلة من الشيطان بل قاله وثبت عنه ذلك.
التائه: يا فضيلة الشيخ أنت تعلم لا يحق لأحد أن يتقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
عبد الله: معاذ الله أن أقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو القائل في الحديث المتواتر (من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار).
التائه: إذن لماذا تقول إن النبي صلى الله عليه وسلم سأل عن الله تعالى (بأين) (قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ) [النملـ 64].
عبد الله: هذا من حقك روى الإمام مسلم في صحيحه (537) عن معاوية بن حكم السلمي رضي الله عنه قال: كانت لي جارية ترعى غنماً لي قبل أحد والجوانية فاطلعت ذات يوم فإذا الذئب قد ذهب بشاة من غنمها، وأنا رجل من بني آدم آسف كما يأسفون لكني صككتها صكة فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعظم ذلك عليَّ، قلت: يا رسول الله: أفلا اعتقها؟ قال: (ائتني بها)، فأتيته بها، فقال لها: (أين الله؟)، قالت: في السماء، قال و من أنا؟)، قالت: أنت رسول الله، قال اعتقها فإنها مؤمنة)، فشهد لها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإيمان لأنها قالت: (الله في السماء)!!
التائه: لكن هذا الحديث قال عنه مشايخناإنه (آحاد) والآحاد لا تثبت به العقيدة.
عبد الله: هل تعرف الفرق بين الآحاد والمتواتر؟
التائه: كنت أعرف ولكن نسيت!!
عبد الله: اعلم أن الأحاديث المتواترة قليلة جداً قد لا تتجاوز أصابع اليدين!! أما سائر أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم فهي آحاد ثم لا فرق بين العقيدة والشريعة فكل ذلك دين الله تعالى.
التائه: ما الفرق بين المتواتر والآحاد أنا بصراحة اسمع بعض المشايخ يقول لنا (الأحاديث الآحاد لا تثبت بها العقيدة)، وعلمونا كلما مرّ علينا حديث لا يوافق ما علمونا إياه في دروس العقيدة أن نردّه بهذه الحجة!! وللأسف لم أفهم معناها.
عبد الله: (الدين النصيحة) كان الواجب على هؤلاء المشايخ أن يعلموكم كيف تجلون أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ويعلمونكم وجوب تصديقها والإيمان وبما دلت عليه فالرسول صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى عنه (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى) [سورة النجم: 3-4].
التائه: نحن نحسن الظن بمشايخنا ونعتقد أن كل شيء يقولونه فهو حق غير قابل للمناقشة.
عبد الله: كلا!! الكل يؤخذ منه ويرد عليه إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
التائه: حسناً، حسناً.. والآن بيّن لي الفرق بين الآحاد والمتواتر؟.
عبد الله: المتواتر ما نقله جمع عن جمع من أول السند إلى منتهاه ويستحيل عادة تواطؤهم على الكذب، ولا شك رتبة هذا الحديث أعلى من الحديث الآحاد وهو ما تناقله عدد لا يبلغ عدد التواتر ويكون في بعض طبقاته واحد أو اثنان أو ثلاثة من الرواة.
التائه: إذن يمكن أن يخطئ هذا الواحد أليس كذلك؟
عبد الله: بلى ولكن الله تعالى حافظ دينه فإذا أخطأ أحد في نقل خبر أو حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الله تعالى قيض علماء نقاداً يميزون الصحيح من السقيم. الحديث في صحيح مسلم والأمة قد تلقت أحاديث البخاري ومسلم بالقبول فلذلك لقبا بالصحيحين.
التائه: صحيح سمعت هذا من قبل ولكن (مشايخنا) يقولون العلة في الحديث في معناه لا في سنده، فالرسول صلى الله عليه وسلم قصد بقوله (أين الله) أي من ربك؟
عبد الله: التأويل شر من التعطيل!!
التائه: ماذا تقصد؟
عبد الله: لو تجرأ أحد وقال هذا الحديث كذب وباطل لكان أمره مكشوفاً ولكن (أوّله) أي حرفه ليوافق مذهبه وهواه، فالسؤال (أين الله؟) فكيف جعله (مشايخك) من ربك؟
التائه: فعلاً حتى جواب الجارية لا ينطبق على السؤال بـ (من ربك)، لأنها قالت: (في السماء)، ولم تقل رب السماء مثلاً.
عبد الله: الله يفتح عليك.
التائه: ولكن أحد (الشيوخ) الكبار قال إن النبي صلى الله عليه وسلم لما رآها جارية صغيرة فقيرة لم يجادلها ولم يناقشها ولم يأخذها على قولها (في السماء).
عبد الله: لا حول ولا قوة إلا بالله!! وهل يظن أحد ذلك برسول الله صلى الله عليه وسلم؟
أخي الكريم، ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع باطلاً ويقرّ به. تأمل الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه (4001) عن الربيع بنت معوذ رضي الله عنها قالت: دخل عليّ النبي صلى الله عليه وسلم غداة بُنيَّ عليَّ فجلس على فراشي كمجلسك مني وجويريات يضربن بالدف يندبن من قتل من آبائهن يوم بدر حتى قالت جارية وفينا نبي يعلم ما في غدي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تقولي هكذا وقولي ما كنت تقولين. فلم يقرها عليه الصلاة والسلام على قولها (وفينا نبي يعلم ما في غدي) ولم يقل صغيرة أو طفلة أو جارية، فلتقل ما شاءت، كلا، بل بادر بالإنكار عليها فهذه مسائل عقائدية كيف نتصور أن يسكت النبي صلى الله عليه وسلم عن خطأ فيها!!
أخي، لقد أنكر النبي صلى الله عليه وسلم على الحسن بن علي رضي الله عنهما لما أخذ تمرة من تمر الصدقة، فجعلها في فيه، فقال النبي صلى الله عليه وسلمكخ كخ) ليطرحها ثم قال: (أما شعرت أنا لا نأكل الصدقة) [رواه البخاري (1491) ومسلم (1069)] لأن آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم تحرم عليهم الصدقة، ويقول عمر بن أبي سلمة (كنت غلاماً في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت يدي تطيش في الصحفة فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلميا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك) فما زالت تلك طعمتي بعد. [رواه البخاري (5376) ومسلم (2022)].
التائه: لكن هل يعقل أن مسألة (الله في السماء) لم تذكر إلا في هذا الحديث؟
عبد الله: سبحان الله ألا تقرأ القرأن؟ أما قرأت قوله تعالى (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ) [الملك:16ـ17].
التائه: بلى، والله قد قرأت هذه الآية مراراً واحترت فيها فأتذكر قول بعض مشايخنا (فوض فوض) الله أعلم بمراده!!
عبد الله: هذا مذهب أهل البدع!! عندهم كل القرآن يمكن فهمه وتدبر معانيه إلا آيات الصفات يتوقفون في معناها ويفوضون المعنى إلى الله تعالى فآيات الصفات وحروف أوائل السور (حم، ق، ص، كهيعص) عندهم سواء، كلها الله أعلم بمراده بها.
التائه: إذن ما معنى كون الله تعالى (في السماء؟) هذا مشكل عليّ جداً.
عبد الله: (في) ليست للظرفية في قوله (في السماء)، وإنما بمعنى (على) وهذا كقوله (وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ) [طهـ71] أي على جذوع النخل وكقوله (قُلْ سِيرُوا فِي) [الرومـ42] أي على الأرض.
التائه: وهل للآية تفسير آخر؟
عبد الله: نعم للسلف تفسير آخر إذ قالوا (في السماء) أي في العلو، فالشيء العالي يقال عنه (سماء) وهذا كقوله تعالى عن السحاب سماء لعلوه (وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا) [الفرقان 48].
وفي العدد المقبل بإذن الله تعالى سنكمل بقية المناظرة ونعرف ماذا الذي جرى بين (التائه) و (الشيخ عبد الله).