موقع الشيخ
حفظه الله
سالم بن سعد الطويل

أخي محمد بن عثمان العنجري، هل هذا تلونٌ أم أنها تناقضاتٌ أم توبةٌ وتراجعات؟ (٢)

24 رجب 1436 |

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:

فهذا المقال الثاني في التعقيب على كلمة للأخ محمد بن عثمان العنجري - وفقه الله لهداه - بعنوان (شرور الإخوان على دين المسلمين)، وقد تم تفريغها خطياً، ونشرت في موقع سحاب، وقد بينت في المقال السابق أن الأخ محمداً العنجري إما أنه متلون، أو متناقض، أو تاب عن أمر كان يعتقده، وبينت التفاوت بين كلامه السابق وكلامه اليوم.

وإتماماً لما بدأت به أقول: وبالله أستعين وعليه أتوكل وإليه أنيب:

١- قال الأخ محمد العنجري: (ولا نرى الجمعيات الخيرية ولا شيء من ذلك) انتهى كلامه.

أقول: قد سبق أن بينت تناقضه - غفر الله له ولوالديه -، فهو الذي كان يريد دخول انتخابات مجلس إدارة جمعية إحياء التراث، لكن لم يتمكن من ذلك، والذين دعاهم لمشاركته رفضوا فكرته، فلما لم يتمكن من اقتحام مجلس إدارة جمعية إحياء نجده اليوم يقول: (ولا نرى الجمعيات الخيرية ولا شيء من ذلك)، فإن كان قصده لما في هذه الجمعيات من أخطاء وانحرافات وتحزب، فلماذا لا ينشئ جمعية سلفية على الكتاب والسنة خالية من تلك الانحرافات؟ أما إن كان قصده عدم مشروعة إنشاء الجمعيات فليزمه الآتي:

أولاً: أن يعلن تراجعه عن القول بجواز أو مشرعية الجمعيات التي كان مقتنعاً بالدخول فيها سابقاً، وإلا كان متناقضاً متلوناً.

ثانياً: أن يذكر الأدلة من الكتاب والسنة التي استدل عليها في تحريم إنشاء الجمعيات.

ثالثاً: أن يذكر كلام العلماء الذين سبقوه في ذلك.

رابعاً: أن ينكر على الجمعيات التي له بها صلة كبيرة كجمعية المكتبة السلفية في برمنجهام (بريطانيا).

خامساً: أن يرد على العلماء الذين جوزوا إنشاء الجمعيات والمؤسسات الخيرية الكثيرة والمنتشرة في كل مكان، بل وأيدوها ودعموها.

٢- قال الأخ محمد العنجري: (ولا نريد من الناس شيء لا نريد الصدقات ولا الزكوات).

أقول: إن كان قصده أن لا يسأل الناس صدقاتهم لأنه غير محتاج لها فهذا حق، لأن الصدقة لا تجوز على الغني ولا القادر على العمل، لما رواه الإمام أحمد في «مسنده» (برقم ٦٥٣٠)، والترمذي في «جامعه» (برقم ٦٥٨)، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ، وَلَا لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ» الحديث، أما إذا سأل الصدقة من يستحقها فهذا جائز، ولا وجه للإنكار عليه، وقد كان الفقراء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يسألون الناس، وحسبنا قول الله تعالى: {وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ} [البقرة: ١٧٧]، وقال تعالى: {وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ} [الضحى: ١٠]، وقال تعالى: {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [الذاريات: ١٩].

وكذلك يستحب أن يُطلب المال من الأغنياء ليرد في الفقراء، وهذا معلوم من الدين بالضرورة، والحاجة تدعو له، فليس كل غني يمكنه توصيل صدقته للفقراء بنفسه، إما لعدم معرفته للفقراء، أو لأنه غير متفرغ لتوزيعها، أو قد تكون عنده أموال طائلة لا يمكنه توصيلها، أو لا يمكنه توزيعها بنفسه، أو لعدم قدرته على توصيلها لا سيما إذا كان المستحقون في بلاد بعيدة عنه، في أفريقيا مثلاً أو آسيا أو في مناطق منكوبة، أو خطرة ودعت الحاجة - بل الضرورة - لدفع الصدقات والزكوات للمسلمين والضعفاء لهم، فما المانع الشرعي لو قام بعض المحتسبين وأخذوا من الأغنياء صدقاتهم وردها في الفقراء؟

والغريب أن الأخ محمداً العنجري وبعض من حوله يقولون: (هذا ليس من هدي السلف)!!

وفي الحقيقة، الذي يظهر لي - وقد يظهر لغيري - أن هؤلاء لم يفهموا منهج السلف، بل ويلزم أن العلماء الذين أجازوا جمع التبرعات لم يفهموا منهج السلف كما فهموه هم!!

وأقول: صدقوا والله، حقاً العلماء لم يفهموا من منهج السلف ما فهمه هؤلاء!! وهذا من أسباب فساد منهج كثير من الناس، ولو كان عندهم من حسن النية ما عندهم، أو كان عندهم من الحماس ما عندهم، أو كان عندهم من الغيرة على منهج السلف ما عندهم، لكن ذلك ليس بشيء إذا كان عندهم فهم سقيم وتأصيل فاسد.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في «مجموع الفتاوى» (٢٠٣/١٩): «لا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَعَ الإنسانِ أُصُولٌ كُلِّيَّةٌ تُرَدُّ إلَيْهَا الْجُزْئِيَّاتُ، لِيَتَكَلَّمَ بِعِلْمِ وَعَدْلٍ، ثُمَّ يَعْرِفُ الْجُزْئِيَّاتِ كَيْفَ وَقَعَتْ؟

وَإِلا فَيَبْقَى فِي كَذِبٍ وَجَهْلٍ - فِي الْجُزْئِيَّاتِ -، وَجَهْلٍ وَظُلْمٍ - فِي الْكُلِّيَّاتِ -، فَيَتَوَلَّدُ فَسَادٌ عَظِيمٌ». انتهى كلامه رحمه الله تعالى.

٣- لم يستوعب الأخ محمد العنجري الفساد المترتب على قوله: (لا نريد الصدقات ولا الزكوات)، فقد غفل عن الآتي:

أولاً: أنه نسب لمنهج السلف ما ليس منه.

ثانياً: أن تأصيلهم الفاسد قد يجعل بعض المحتسبين يتقاعس عن جمع التبرعات والصدقات.

ثالثاً: أنه سيحرم المحتاجين من صدقات المسلمين.

رابعاً: وبقوله هذا قد يجعل المتصدقين يذهبون إلى الجمعيات المنحرفة ويدفعون لهم صدقاتهم.

خامساً: أنه ومن معه سيشوهون سمعة الإخوة السلفيين الذين لهم نشاط طيب في مجال الإغاثة، وبناء الكرفانات، والمساكن والمساجد، والمستوصفات، وتوزيع البطانيات والطعام، ونشر الكتب والرسائل وغير ذلك، كالشيخ الفاضل فيحان الجرمان، والدكتور الفاضل حمد الهاجري، والأخ الفاضل خالد رفاعي راعي الفحماء، وغيرهم، جزاهم الله خيراً وبارك الله في جهودهم وتقبل الله منهم صالح أعمالهم.

وقد اشتهر كلام بعض هؤلاء وتشكيكاتهم بهؤلاء المشايخ، والتقليل من دورهم وجهدهم بحجة أن هذا ليس من منهج السلف، وفي الحقيقة منهج السلف بريء من هذه التخبيطات والتناقضات.

ولا أدري والله إن كان يعلم الأخ محمد العنجري أو لا يعلم أن الحملات التنصيرية، والفرق الإيرانية الرافضية ينتشرون في كل مكان، يدعون إلى باطلهم عن طريق تقديم المساعدات، وبناء المدارس والمستشفيات في الدول الفقيرة والمنكوبة، وقد ظهرت لدعواتهم آثار كثيرة، فكم من مسلم تنصر؟ وكم من سني تشيع؟ في الوقت الذي نسمع الأخ محمداً العنجري يقول: لا تجمعوا تبرعات، ولا تذهبوا بها إلى اللاجئين، ويزعم أن هذا ليس من منهج السلف!!

الله المستعان.

٤- يا أخ محمد العنجري - غفر الله لك ولوالديك - حتى الجمعيات الحزبية التي عندها انحرافات لو أخذت التبرعات إلى اللاجئين فأطعموا جائعهم وكسوا عاريهم، وستروهم في خيامهم؛ فإنه يرجى لهم الأجر، لأن الله عز وجل يقول: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: ٧]، ويقول الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ۖ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: ٤٠]، فلا يستثنى من هذه النصوص الأحزاب أو الجمعيات الحزبية، لأنهم عملوا خيراً وأحسنوا والله لا يضيع أجر من أحسن عملاً، وليس كما تظن، بل قد ذكر أهل العلم أن الكافر إذا صنع معروفاً فإن الله عز وجل يجازيه عليه في الدنيا، وإن كان يوم القيامة يجعل الله عمله هباء منثوراً، وذلك لقوله جل وعلا: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ۖ } [النساء: ٤٠].

وروى الشيخان - البخاري (برقم ٣٤٦٧) ومسلم (برقم ٢٢٤٥) - في «صحيحيهما»، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَيْنَمَا كَلْبٌ يُطِيفُ بِرَكِيَّةٍ، كَادَ يَقْتُلُهُ العَطَشُ، إِذْ رَأَتْهُ بَغِيٌّ مِنْ بَغَايَا بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَنَزَعَتْ مُوقَهَا فَسَقَتْهُ فَغُفِرَ لَهَا بِهِ»، فكيف إذا أخذ مسلم التبرعات والصدقات والزكوات من الناس وسافر بها إلى المنكوبين وخاطر بنفسه لا يكون له أجر في ذلك؟! وكيف يقال أن فعله هذا ليس من منهج السلف؟! الحمد لله الذي لم يجعل رحمته بيد أحد من خلقه.

أسأل الله العافية.

٥- قال الأخ محمد العنجري: (ولا نريد أصواتهم ولا نريد شيء) انتهى كلامه.

أقول: إن كان قد غير رأيه فهذا شيء، أما أن يقول بأن هذا رأيه من قبل فأنا أجزم أنه ما صدق!!

بل هذا تلون كبير، لأنني أعرفه جيداً، حتى إنه اتصل بي يوماً وقال: لماذا لا تدعم "عبد السلام" في منطقتك ونحن ندعم "مشاري" في منطقتنا؟

سبحان الله العظيم!

هل نسي؟! إن كنت نسيت فالله تعالى يقول: {أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ ۚ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [المجادلة: ٦]

٦- قال الأخ محمد العنجري: (ندعوا الشباب والإخوان في كل مكان أن لا يخرجوا على ولي أمر المسلم في الكويت في الإمارات في مصر في قطر، وفي نفس الوقت لا يأتوا أبواب السلاطين، من الشرف للسني أن يموت ولم يأت باب السلطان هنا المرجلة هنا الدعوة النبوية لك أيها السني) انتهى كلامه.

أقول: أولاً: غفر الله لك ولوالديك يا أخي محمد، هل نسيت أن من أكثر الناس خروجاً على الحكام عندنا في الكويت هم أقرباؤك الذين تصوت لهم في الانتخابات؟ ودواوين الاثنين تشهد على ذلك، وللأسف ليس لك كلام منشور في الرد عليهم، كما أن أقرباءك الذين دائماً تدافع عنهم هم من أكثر الناس دخولاً على الحكام، فأين أنت مما رواه البخاري في «صحيحه» (برقم ٣٤٨٤)، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ»؟

سبحان الله! تأمر الشباب البسطاء في الغرب الذين لا طاقة لهم أصلاً أن لا يخرجوا على الحكام، وتنصحهم أن لا يدخلوا على الحكام وتدع الأقربين!! إن هذا لشيء عجاب!!

ثانياً: نعم - وفقك الله تعالى - كما تفضلت، لا يجوز الخروج على ولي الأمر المسلم في الكويت وفي الإمارات وفي مصر وفي قطر.

والسؤال: وهل الحاكم في سوريا بشار الأسد النصيري العلوي الباطني البعثي مسلم؟

وهل يجوز الخروج عليه مع القدرة؟ وما رأيك فيمن يقول: لا يجوز الخروج عليه، ومن حقه أن يقتل الذين خرجوا عليه؟

وهل توافق العلماء الذين صرحوا بتكفيره أم تخالفهم؟

أو ماذا ترى؟

ثالثاً: الدخول على الحكام ليس مذموماً على الإطلاق، والواجب عليك أن تفصل في المسألة، أو تصمت، لا سيما أنك غالباً تخاطب الأعاجم الغربيين البسطاء. فلو دخل عالم ليناصح السلطان سراً عملاً بما رواه ابن أبي عاصم في «السنة» (برقم ١٠٩٦)، عَنْ شُرَيْحِ بْنِ عُبَيْدٍ، قَالَ: قَالَ عِيَاضُ بْنُ غَنْمٍ لِهِشَامِ بْنِ حَكِيمٍ: أَلَمْ تَسْمَعْ بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْصَحَ لِذِي سُلْطَانٍ فَلَا يُبْدِهِ عَلَانِيَةً، وَلَكِنْ يَأْخُذُ بِيَدِهِ فَيَخْلُوا بِهِ، فَإِنْ قَبِلَ مِنْهُ فَذَاكَ، وَإِلَّا كَانَ قَدْ أَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ» فلا يقال إنه مفتون، وليس في ذلك انتقاص لشرفه، ولا خدش في سنيته ولا رجولته، كما قد يفهم من قولك: (وفي نفس الوقت لا يأتوا أبواب السلاطين،من الشرف للسني أن يموت ولم يأت باب السلطان هنا المرجلة هنا الدعوة النبوية لك أيها السني) انتهى.

الحمد لله علماء أهل السنة ما زالوا يدخلون على السلطان ويناصحونه بالتي هي أحسن ويزورهم السلطان إلى بيوتهم، ولم يقل أحد عنهم بقولك إلا التكفيريون والمنحرفون.

أقول: يا ليتك تعيد النظر في كلامك حتى لا يفهمك أحد خطأً.

أسأل الله تعالى أن يهدينا جميعاً صراطه المستقيم.

والحمد لله أولاً وآخراً، وظاهراً وباطناً، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

المقالات