كلا يا شيخ عثمان، بل يحرم نشر الباطل مطلقاً ولو كان صاحبه يعتقد أنه حق
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
فقد انتشر كلام مسجل ومصور لفضيلة الشيخ الدكتور عثمان بن محمد الخميس حفظه الله تعالى، وقد سَأَلَهُ الإعلامي عبد الله المديفر أثناء استضافته له في برنامج «لقاء الجمعة» السؤال التالي:
هل يحق للشيعة أنهم يأتون ويحولون التشيع في بلاد السنة والعكس صحيح؟
فأجاب الشيخ عثمان: «أنا في تصوري أنه يحق، بل يجب على كل صاحب مبدأ أن ينشره، كل إنسان يعتقد بفكرة وأنها حق وجوباً عليه أن ينشرها، أنت تعتقد أن هذا حق».
أقول: كلا يا فضيلة الشيخ عثمان -غفر الله لك ولوالديك-، الباطل يحرم نشره، ولا يحل لمسلم أن يبيح لأهل الباطل أن ينشروا باطلهم، أو يرضى بذلك فضلاً عن أن يقول لهم كما قلت: «يحق له، بل يجب»، والله لا أدري كيف فاتك هذا يا فضيلة الشيخ؟!
لأن الله تعالى قال في كتابه: ﴿ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ ﴾ [يونس: ٣٢]، فالإسلام حق والكفر ضلال، والتوحيد حق والشرك ضلال، والسنة حق والبدعة ضلال، والطاعة حق والمعصية ضلال، والفضيلة حق والرذيلة ضلال، فكيف يقال : كل صاحب مبدأ ولو كان ضلالاً يحق له بل يجب عليه أن ينشره؟!
هذا مبدأ باطل أشبه بما يقرره العلمانيون واليبراليون!!
ثم تقول يا شيخ عثمان: «من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هذا حق يجب أن ينشره وهذا باطل يجب عليه أن يحاربه، هذا دين».
أقول: نعم هذا لو كان حقاً، فحامل الحق يجب أن يتعلم الحق ويؤمن به، وينشره ويدعو إليه، ويصبر على الأذى في سبيله، أما صاحب الباطل فيجب عليه أن يتوب إلى الله تعالى من باطله، ويحرم عليه نشر الباطل، ولا نقره على باطله أبداً، بل ننكر عليه، ومن كانت له سلطة فيجب عليه أن يمنعه منعاً باتاً، بل ويعاقبه بحسب ما يستحقه من العقوبة.
ثم قال الشيخ عثمان: «بل حتى في غير أمور الدين، حتى في مجالاتنا العامة، في حياتنا العامة، أنا أعرف شيئاً حقاً لا بد أن أبلغه… أنا أتصور كل إنسان عنده عقيدة يظهرها، لا تخفي عني شيئاً، لا تتعامل معي بالتقية، قل: هذا مذهبي، وهذه عقيدتي أودعو إليها، أنا أعرض حقاً وأنت تعرض حقاً، في وجهة نظري، وأنت من وجهة نظرك، والناس تحكم».
أقول: هذا كلام خطير، تمنيت أن الشيخ عثمان -وفقه الله- يعيد النظر فيه، وأرسلت له رسالة ولا أدري أوصلته أم لا؟، وأرسلت إلى بعض المقربين له الرسالة عينها لعل وعسى أن يعيد النظر في كلامه، ولم يبلغني منه الرد.
لذا أقول وبالله أستعين:
أولاً: لا يكفي أن يظن الإنسان في نفسه أنه على الحق من وجهة نظره، لقوله تعالى: ﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ﴾ [الكهف: ١٠٣-١٠٤].
ثانياً: كل صاحب باطل يألف باطله، بل وقد يبلغ فيه الأمر أن يرى نفسه على الحق دون من سواه، بل حتى إنه ليبذل الغالي والنفيس، بل ربما يبذل نفسه في سبيل مبدئه ولو كان من أبطل الباطل.
ثالثاً: قد يفتتن الإنسان بالضلال، فيبتليه الله جل وعلا، فيزيده ضلالاً عقوبة له لقوله تعالى: ﴿ قُلْ مَن كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا ﴾ [مريم: ٧٥].
رابعاً: وقد يزين له الشيطان عمله لقوله تعالى: ﴿ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ ﴾ [النمل: ٢٤]، وقال تعالى: ﴿ أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا ﴾ [فاطر: ٨].
خامساً: لو نظر الشيخ عثمان حفظه الله تعالى ما يلزم من كلامه لتراجع - والله أعلم - عن قوله، ولا أظن فيه سوى ذلك.
فمن لوازم قوله: أن عباد الشيطان يجب عليهم أن ينشروا اعتقادهم ومذهبهم إذا كانوا يعتقدون أنه حق.
ويلزم من كلامه أن من اعتقد عقيدة الحلولية أو وحدة الوجود يحق له بل يجب عليه أن ينشرها ويدعو الناس إليها ويقنع بها أكبر قدر من الناس.
ومن لوازم كلامه أن دعاة التنصير من حقهم أن يدخلوا بلاد المسلمين لينشروا النصرانية، لأنهم يرون أنفسهم على الحق.
ومن لوازم كلامه أن للملاحدة والشيوعيين وأمثالهم الحق في نشر إلحادهم، لأنهم يعتقدون أنهم على الحق.
ومن لوازم كلامه - غفر الله له ولوالديه - أن الخوارج يحق لهم أن يبثوا عقيدتهم بين أبناء المسلمين، ويقنعوهم بالانضمام إليهم و الالتحاق بهم، ومن حقهم تجنيدهم في بلاد المسلمين لتنفيذ العمليات الإرهابية، لأنهم يعتقدون أنهم على الحق ويجب عليهم نشر مذهبهم.
ومن لوازم كلامه - وفقه الله تعالى - أن دعاة الإباحية وتحرير المرأة الذين يعتقدون أن الإنسان حر بجسده، إن شاء ستره وإن شاء تعرى، يحق لهم أيضاً إقناع الناس بذلك لأنهم يؤمنون بفكرتهم ومبدئهم، ويحسبون أنفسهم على الحق.
ومن لوازم كلامه أن السحرة والمشعوذين الذين يعتقدون أنهم يخدمون الناس ويحلون مشاكلهم ويعيدون لهم ضالتهم يحق لهم أن ينشروا دعوتهم.
ومن لوازم كلامه أن تجار المخدرات والخمور يحق لهم المطالبة بإباحة ذلك لأنهم يعتقدون أن لهم الحق في ذلك.
ومن لوازم كلامه أن دعاة الحرية والثورات يحق لهم أيضاً أن يدعوا إلى كل ما يدعون إليه لأنهم يرون أنفسهم على الحق في دعوتهم.
ومن لوازم ذلك أن من اعتقد جواز الدعوة إلى وحدة الأديان وفكرة تقارب الأديان لا ينكر عليه أيضاً، بل يجب عليه أن يدعو إلى ذلك لأنه يعتقد أن هذا حق.
ومن لوازم ذلك أن من اعتقد جواز الاعتراض على الله جل وعلا، وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم، والاعتراض على أحكام الشريعة، وإلغاء بعضها، كحكم الردة وغير ذلك، يجب عليه أن ينشر ما ذهب إليه، لماذا؟! لأنه يعتقد نفسه على الحق ومؤمن بفكرته وعقيدته.
ومن لوازم كلامه - حفظه الله - أن الذين يطالبون بالزواج المثلي يحق لهم أن ينشروا فكرتهم بما أنهم يعتقدون أنهم على الحق.
ومن تلك اللوازم أن عباد القبور وعباد الأولياء وسبابة الصحابة الذين يعتقدون بتحريف القرآن، ويكفرون عامة أصحاب النبي صلى الله عليه سلم، ويقذفون أمهات المؤمنين، أيضاً هؤلاء يحق لهم نشر مذهبهم، والدفاع عن باطلهم، بشرط واحد ذكره الشيخ عثمان فقال: «أنا لا أعارض أي صاحب فكرة أن ينشرها، لكن يكون صادق، لا يكذب، لا يدلس».
الله المستعان! هل تعلم يا شيخ عثمان أنك بتقريرك هذا جعلت لكل صاحب باطل الحق في نشر باطله بل ويجب عليه أن ينشر ما يراه حقاً بلا قيد ولا شرط، إلا شرطاً واحداً أن لا يكذب ولا يدلس ولا يستعمل التقية؟!
من سبقك إلى هذا التقرير يا فضيلة الشيخ عثمان؟
والذي نفسي بيده هذا خطأ كبير لما فيه من مخالفة للكتاب والسنة والإجماع والعقل والمنطق والأعراف والأنظمة وكل الاعتبارات، حتى الدول الكافرة لا تقبل به، وحتى دولة الرافضة لا تقبل به.
ثم يا شيخ عثمان حفظك الله تقول: (أنا أعرض حقا وأنت تعرض حقا والناس تحكم ). أقول: سبحان الله! إذا الناس تحكم كيف نصل إلي الحق ؟! وهل كل الناس على كل حال يمكنهم أن يحكموا؟ بل الغالبية العظمى من الناس لا يمكنهم الحكم لا سيما إذا سمعوا الشبهات الكبيرة العظيمة. والله المستعان
فهلا يا شيخ عثمان - وفقك الله تعالى لكل خير - راجعت نفسك وتدبرت كلامك الذي انتشر انتشاراً واسعاً، فمتابعوك لا يحصيه عدداً إلا الله تعالى، فتذكر قول الله تعالى: ﴿ وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَّعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ ﴾ [العنكبوت: ١٣]، وتذكر أخي الكريم ما رواه الإمام مسلم في «صحيحه» (برقم ٢٦٧٤)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ، كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا».
والذي نفسي بيده يغلب على ظني أنك لو تفكرت في كلامك جيداً سيظهر لك عدم توفيقك في تقريرك الذي قررته، حتى أنك قلت: «أنا في تصوري»، وقلت: «أنا أتصور»، وقلت: «أنا الذي أقصده»، فلم تنسب تقريرك إلى عالم معتبر، وإنما بنيت تقريرك على تصورك الشخصي، وهو رأي ارتأيته فحسب.
والله المستعان!
فائدة: إذا قال قائل: لماذا تأذنون لأنفسكم بنشر الإسلام والدعوة إليه في بلاد الغرب وغيرها ولا تأذنون بنشر النصرانية في بلاد المسلمين؟
فالجواب: لأن الإسلام حق وكل ما سواه باطل، وكذا التوحيد حق، والشرك باطل، والسنة حق، والبدعة باطل، والفضيلة حق، والرذيلة باطل، فيجوز - بل يجب - نشر الحق والدعوة إليه، ولا يجوز نشر الباطل، بل ونمنع من الدعوة إليه، ولذلك كثير من الدول الكافرة لا يسمحون بنشر الإسلام أو يسمحون بنشره لكن بقيود وحدود، فلا تكاد تجد أحداً يسمح بالحرية المطلقة في الدعوة إلى الإسلام الصحيح، حتى في بعض الدول الإسلامية.
أسأل الله تعالى أن يعصمني والشيخ العزيز عثمان بن محمد الخميس من الزلل، ومن مضلات الفتن، ما ظهر منها وما بطن.
والحمد لله أولاً وآخراً، وظاهراً وباطناً، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.